31/10/2010 - 11:02

الانتخابات البرلمانية على الأبواب.. فكيف نهيئ أنفسنا؟/ سعيد نفاع

الانتخابات البرلمانية على الأبواب.. فكيف نهيئ أنفسنا؟/ سعيد نفاع
كتبت قبل أسابيع عدة وفي عز الأزمة بين "العمل" و"كديما" وقبل اتفاقهما الذي أجل عمر الدورة الحالية للكنيست مؤقتا، أنه ورغم هذه الأزمة، فتماما كما يبدو قرب موعد الانتخابات البرلمانية هو بعدها. فالخارطة الحزبية الإسرائيلية الحالية والمتوقعة لا تفضي إلى انتخابات مبكرة فمن المستبعد أن يذهب العمل وكديما أو على الأقل رأسيهما إلى نهايتهما انتحارا، ولكن قرب الموعد متعلق بأمور آخرى كليا أهمها الاستحقاقات التي يفرضها الوضع الإقليمي الجديد بكل ملفاته وإعادة موضعتها في المشروع الأميركو صهيوني، فتقديم موعدها نوع من الهروب إلى الأمام على يد المؤسسة الإسرائيلية بحكومتها وبرلمانها، هروب مما قد تفرضه هذه الاستحقاقات، لأن الدافع لتقديم الانتخابات يصير ليس الخارطة الحزبية اليوم والتي يمكن أن تتأتى بعد الانتخابات، إنما المصلحة الوطنية العليا الإسرائيلية المتمثلة بهروب إلى الأمام من الاستحقاقات، بانتخابات مبكرة.

بغض النظر عن هذا الاجتهاد، على الحزب أن ينطلق ومنذ الأمس مهيئا نفسه للانتخابات وعلى طريقة : إعمل للانتخابات كأنها آتية غدا واعمل للحركة الوطنية وكأن الانتخابات ليست آتية أبدا!

ولكن بما أن الشعارات شيء والممارسة آخر، وما دامت المشاركة في الانتخابات آلية صهر لبناء حركة وطنيّة فالواجب الوطني يحتم أن نكون دائما مستعدين لها ولكن الحقيقة ليست كذلك، فنحن بجلنا لم نتخلص حتى الآن من مرض تعاني منه كل أمتنا فعلا وليس قولا: "أجّل عمل اليوم إلى الغد" و-"العليق (طعام الخيل) قبل الغارة خسارة". نحن اليوم بعد الغد ونحن اليوم في خضم الغارة ولم يعد أمامنا غد نؤجل إليه العمل ولا " قبل غارة" نؤجل فيها تعليق العليق، ولماذا ؟!.

لا أحد يعرف ما الذي يدور في خلد رئيس الوزراء الإسرائيلي والمفتاح في جيبه، فكديما لا يستطيع أن يتنكر لاتفاقه مع حزب العمل تغيير رئيسه وحتى فترة لا تتعدى نهاية تشرين أول موعد عودة الكنيست إلى دورتها الشتوية. لكن انتخاب رئيس لحزب كديما خاضع لنظامه الداخلي وليس لقوانين الانتخاب البرلماني، بمعنى ليس معنى انتخاب رئيس لكديما هو انتخاب مرشح لمنصب رئيس الوزراء في الدورة الحالية، فيستطيع أولمرت مالك المفاتيح أن لا يستقيل من موقعه حتى لو انتخب بديلا له كرئيس لكديما، وعندها لا يبقى أمام حزب العمل إلا نزع الثقة عن الحكومة فيصير كانون ثاني ال-2009 موعدا منطقيا للانتخابات.

هذا من ناحية أما من الناحية الأخرى والتي لا تختلف فيها النتيجة، إن رفض أولمرت التنحي وعلى طريقة "شمشون الجبار"، فلا خيار أمام حزب العمل إلا إسقاط الحكومة ليفسح المجال أمام رئيس الدولة البدء بمشاورات لايجاد عضو الكنيست الذي يستطيع أن يحصل على ثقة 61 عضوا وهذا ليس مضمونا لأحد، فتسيبي ليفني المرشحة للفوز برئاسة كديما ستواجه موقف حزب شاس أولا، وشاؤول موفاز صاحب الحظوظ أيضا سيواجه برنامجه الذي لا يختلف عن نتانياهو، وفي كلتي الحالتين للنواب العرب دور أكثر من مقرر، وفي هذا السيناريو كذلك يصير شباط ال-2009 موعدا منطقيا للانتخابات.

أما الداعي الثالث والمنفصل والمتصل في آن مع الحالتين اللتين ذكرتا هو إقرار الميزانية والتي إن لم تقر فالنتيجة سقوط الحكومة وانتخابات مبكرة، لن يتعدى موعدها أيار ال-2009.

وبغض النظر عن كل هذه السيناريوهات هذه الحكومة "على كف عفريت" يمكن لأي تطور غير منظور أو غير متوقع الإطاحة بها، ولذا فأي موعد وابتداء من أيار ال-2009 هو في نطاق المعقول لا بل آذار ال-2009 ، ومن هذا المنطلق يجب على أي حزب يسعى للنجاح أن ينطلق.

أمام هذه الحالات كلها لا يستطيع حزب، أي حزب، راغب في الحياة أن يعمل وكأنه ليس في لب معركة الانتخابات، وإن لم يتصرف على هذا الأساس فحظوظه في النجاح قليلة إن لم تكن معدومة. لدينا في التجمع الوطني الديموقراطي كل مقومات النجاح الموضوعيّة إن أحسنّا التصرف وانطلقنا واثقين من أنفسنا ثقة ممهورة بالعمل. ولكن يجب أن نشير إلى بعض مواطن ضعفنا وأولها لا بل أهمها اهتزاز ثقة بعضنا في تحقيق النجاح، بالأساس على ضوء ما تعرض له الحزب وبالذات قائده في السنوات التي خلت منذ تأسيسه، رغم أن حقيقة اهتزاز ثقتنا بأنفسنا تكمن في مكمن ضعف آخر ذاتي، فصار لدى البعض اللجوء لتحالفات هو المنقذ كوننا سلّمنا بالفشل أو بأضعف الإيمان صعوبة تحقيق النجاح، هذا هو عدونا الأكبر وهذا العدو سينتصر علينا ولنقلها واضحة إن لم ننتصر أولا على أنفسنا.

طرح التجمع الوطني الديموقراطي دائما القائمة العربية المشتركة وبين التيارات السياسية، كمصلحة عليا للعرب في الداخل، ففسر البعض ذلك ويفسره اليوم كدليل ضعف أو خوف وليس كدليل مسؤولية أمام إحباطات جماهيرنا النابع بالأساس من سياسة التمييز الخانقة، والتي جعلتها تعزف عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وأملها أن وحدة أو شراكة بين الأحزاب العربية العقائدية كفيلة بتحصيل أفضل للحقوق.

هذا التفسير يجعلنا أمام خيار صعب ومع هذا فالموقف المبدئي لا تهزه مثل هذه الحسابات، ولذا فنحن ندعو لمثل هذه الشراكة شراكة التيارات والبرنامج وليس شراكة المقاعد، ولكنا في نفس الوقت يجب أن نعلنها دون تردد أن الشراكة أو الوحدة أو التحالف هي البديل وخوضنا المعركة وحدنا هو الأصل، ولدينا كل مقومات النجاح إن تصرفنا تصرف النمور التي لا تأكل إلا من قتل أذرعها، ويبدو أن خوضنا المعركة وحدنا هو ما سيحصل في النهاية، فما نفكر فيه في سياق الشراكة والوحدة والتحالف يبدو بعيدا عن غيرنا.

لا بد هنا من الإشارة أو التطرق لإسقاطات هذا الموقف ولإسقاطات الحوارات التي أجراها الحزب مع الحركة الإسلاميّة وإلى الانفتاح الذي حصل فيما بيننا والتحالفات التي تمت على الساحة الطلابية. لقد ذهب البعض منا أبعد كثيرا من معاني هذا الحوار وهذا الانفتاح وهذا التحالف، وقرر أن التحالف الانتخابي هو تحصيل حاصل وبدأ يتصرف في حياته الحزبيّة على هذا الأساس.

يستطيع المرء أن يفهم الهلع الذي أصاب من يفترضون أنهم سيتضررون من هكذا تقارب كونهم أحزابا ليست عقائدية وليس لها الامتداد الجماهيري فراحوا أولا يعطون الحوار والانفتاح معاني انتخابية ليست فيهما، ويعملون على تحصين مواقعهم في تحالفاتهم ببيانات متوالية، ولكن ما لا يستطيع المرء فهمه أن يتصرف البعض منا انطلاقا من هكذا بيانات يجب ألا تهمنا لا من قريب ولا من بعيد، أقول هذا رغم أني كنت ممن أعطى هذه البيانات اهتماما سيء فهمه، ولكن اللافت أن وصل الأمر عند بعضنا درجة التشكيك بموقف قيادة الحزب المعلن فيما يخص الشراكة والتحالفات رغم أن هذا الموقف كتب في صحافتنا وقيل في اجتماعات الهيئات بشكل لا يفهم على وجهين.

على المستوى الشخصي أنا من دعاة أي تحالف ثنائي إن فشل اقتراح القائمة المشتركة، يكفل قتل الخطاب الطائفي وقتل الخطاب التخويني، ويكفل فتحة أمل أمام جماهيرنا بجدوى النضال البرلماني والمشاركة فيه انتخابا، وقد عبرت عن ذلك في كل مناسبة، ولكننا وكل من يشارك التوجه يجب ألا نرى أي غضاضة في موقف الحزب الجوهري من ذلك، ولا يعتقدن أحد أن هذا الموقف منبعه ضعف أو خوف. موقفنا وهدفنا وعملنا يجب أن يكونوا: أننا سنخوض الانتخابات وحدنا خصوصا وعلى ضوء مواقف الأطراف الأخرى وتصرفها المعلن من القائمة المشتركة والتحالفات الثنائية، ولدينا كل القدرة على النجاح إذا تصرفنا على هذا الأساس، أساس الثقة بالنفس الممهورة بعمل ميداني دؤوب بعيدا عن الخطب والشعارات والوعظ المميزين لقطاع واسع منّا، بعيدا عن المنافسة في تفسير الحالة ولتكن المنافسة في الانطلاق لتغييرها بالفعل لا بالقول، والواجب الوطني الحق اليوم وكل يوم أن يسأل كل منّا نفسه ماذا فعلت بالأمس وما أنا فاعل اليوم وما الذي سأفعله غدا تهيئة.

التعليقات