31/10/2010 - 11:02

البعد العربي وأمن الخليج../ جلال عارف*

البعد العربي وأمن الخليج../ جلال عارف*
بعد سابقة حضور الرئيس الإيراني احمدي نجاد لقمة دول مجلس التعاون في الدوحة، هاهي سابقة تلقيه دعوة رسمية من العاهل السعودي لأدائه فريضة الحج وبين «السابقتين» كانت مصر ترسل وفداً دبلوماسياً رفيعاً للتفاوض مع طهران حول إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، وذلك بعد زيارة لوفد إيراني مماثل للقاهرة في سبتمبر الماضي.

وقد وصفت طهران مباحثات الوفد المصري بأنها «بناءة» وقال الرئيس الإيراني إنه مستعد لزيارة القاهرة مع إعادة العلاقات الكاملة التي كانت قد انقطعت منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وطرد الشاه، واقتصر الوجود الدبلوماسي بين البلدين علي أقسام لرعاية المصالح.

وفي الوقت نفسه كانت التصريحات (العلنية على الأقل) للمسؤولين في الخليج تؤكد أن مرحلة جديدة في العلاقات مع طهران تتبلور، وأن المقترحات التي طرحها الرئيس الإيراني على قمة الدوحة للتعاون الاقتصادي والأمني هي محل اعتبار.

وبالطبع.. فإن هذه التحركات ليست بعيدة عن التطورات الأساسية التي تشهدها العلاقات بين طهران وواشنطن، وهي تطورات تسبق تقرير أجهزة المخابرات الأميركية الذي أكد تخلي طهران عن برنامجها لإنتاج أسلحة نووية منذ 2003، وتتجلى أساساً في المساعدات التي قدمتها إيران لأميركا من أجل إنقاذها من الورطة العراقية، وهي المساعدات التي أدت إلى تحسن الأوضاع بالنسبة للقوات الأميركية هناك لتبدأ التفاوض حول الوضع المستقبلي للعراق والوجود الأميركي هناك وتقاسم المصالح بعد الانسحاب أو إعادة نشر القوات.

الجهد الأميركي الآن يتجه لترتيب الأوضاع في العراق ومنطقة الخليج. والمشاركة مع إيران ضرورية خاصة بعد اضطراب الأوضاع في باكستان. وإذا كان الجهد العربي قد غاب عن التأثير الحاسم في العراق حتى الآن، فهذا وضع ينبغي ألا يستمر، فالمساندة العربية ضرورية لتحقيق المصالحة الداخلية هناك.

والتوافق مع طهران يمكن أن يمهد الطريق لهذه المصالحة، خاصة إذا اطمأنت إيران علي أنها لم تعد مستهدفة، وأن الضربة العسكرية الأميركية عليها أصبحت مستبعدة، وأن الطريق مفتوح أمامها للمشاركة مع الدول العربية في الخليج. ولكن المشكلة هنا ستكون مشكلة توازن القوى.

فأميركا تريد إيران شريكاً صغيراً يمكن أن ينقلب إلى حليف حقيقي إذا تغيرت الأوضاع في المستقبل داخل إيران. وطهران تريد وضعاً إقليمياً يتفق مع ما حققته من مكاسب في السنوات الأخيرة بفضل السياسات الأميركية التي أسقطت لها النظام العراقي بل ودمرت العراق تدميراً كاملاً وأفقدته أي دور فاعل في المنطقة لسنوات طويلة مقبلة.

في ظل هذه الظروف الدقيقة تتحرك دول الخليج، وهي التي تدرك أنها كانت ستكون الخاسر الأكبر في حالة نشوب الحرب بين أميركا وإيران، ولا تريد أيضا أن تكون الخاسر من «توافق «بين الطرفين يمكن أن يأتي على حساب المصالح العربية كالعادة. والأمر ليس سهلاً ويتطلب استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار المصالح العربية والمصالح الأخرى للأطراف المختلفة، وتستفيد من التوازنات الموجودة، وتحاول تعويض كارثة الغياب العربي عن الفعل لسنوات طويلة أتاحت لكل القوى الإقليمية أن توسع أدوارها وتزيد طموحاتها!

التحرك في هذه الظروف ينبغي أن ينطلق من المصلحة العربية أساساً، وأن يفتح الباب للتعاون مع طهران علي أرضية أن المكسب الحقيقي لإيران هو تحقيق أمنها وابتعاد خطر العدوان الخارجي عنها، وامتناع الولايات المتحدة عن العمل للإطاحة بالنظام هناك، والقبول بإيران كقوة إقليمية لها مصالحها ولكن بعيداً عن طموحات التوسع أو الهيمنة أو إثارة النزاعات الطائفية في العراق أو غير العراق.

والتحرك مع الولايات المتحدة ينبغي أن يرتكز على حقائق عديدة أولها أن تتحمل الولايات المتحدة كامل المسؤولية عما فعلته بالعراق، وأن يكون تقسيم العراق خطاً أحمر لا يمكن السماح به، وألا تكون الصفقات الإقليمية على حساب العرب، وألا يكون الجهد الأميركي الذي عاد للاهتمام بالقضية الفلسطينية هو مجرد وسيلة لتجميل الوجه القبيح للسياسة الأميركية، أو لفرض أمر واقع لمصلحة إسرائيل.

والمشكلة فيما يختص بالخليج أن واشنطن وطهران (رغم تباين الدوافع واختلاف المنطلقات) قد تريان أن الأوفق لهما أن يتعاملا مع دول الخليج العربية دون ارتباط بمحيطها العربي. وبعيداً عن ادعاءات قديمة وتصريحات لمسؤولين (حول البحرين على سبيل المثال) وقضية الجزر الإماراتية المحتلة، فإنه من الطبيعي أن تؤثر طهران أن تكون هناك محاولات لترجمة التأثير الديني إلى نفوذ سياسي.

وعلى الجانب الآخر فليس خافياً أن جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الأميركية في المنطقة يقوم على أساس فصل دول الخليج عن محيطها العربي وبسط الحماية العسكرية عليها. ولعل التطورات الأخيرة تثبت للفريقين خطأ هذا الطريق.. فطهران تدرك الآن أن انفتاحها على الشارع العربي وليس قوتها العسكرية هو الذي وفر لها الحماية في الظروف الصعبة التي مرت بها.

وتدرك أن وجودها كخطر على دول الخليج العربية لن تكون له من نتيجة إلا زيادة الوجود العسكري الأجنبي، أما وجودها كشريك وصديق من أجل حماية المصالح المشتركة وتنمية التعاون العربي ـ الإيراني فهو الذي يبني المستقبل المطلوب ويحقق الاستقلال والتنمية للجميع.

وواشنطن تدرك الآن حجم الكارثة التي قادتها إليها سياسة اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد بغزو العراق وتدميره، ولكنها مازالت تعتمد منطق «الصفقات» في محالة الخروج من المأزق وترتيب أوضاع المنطقة..

يستوي في ذلك الوضع في العراق أو فلسطين أو الخليج، ومازالت أسيرة استراتيجية لا تريد أن تعترف بعروبة العرب، وتقبل أن يكون لكل القوميات في المنطقة دورها ومصالحها إلا العرب الذين تريدهم فرادى. ولعل ما حدث في «أنا بوليس» وحرص الولايات المتحدة على حضور العرب جميعا يطرح سؤالاً مهماً: هل سيكون مطلوباً ـ من جانب واشنطن ـ أن يكون العرب حاضرين في تقرير مصير منطقتهم، أم أن دورهم يقتصر على أن يكونوا غطاء للمخططات الأميركية ـ الإسرائيلية.. وعندما يطلب منهم هذا الدور فقط؟

في ظل الظروف الدقيقة تتلاحق التطورات، ويبدأ حوار عربي ـ إيراني نرجو أن يتصل لتحقيق المصالح المشتركة للطرفين، وما أكثرها. كما تتواصل التحركات الأميركية سواء مع إيران أو مع العرب، وسوف تتوج بزيارة الرئيس الأميركي للمنطقة بعد أسابيع والتي لا أظن أنها ستقتصر على التدخل في المباحثات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، بل ستمتد لتبلور السياسة الأميركية في المنطقة في العام الأخير والخطير للإدارة الأميركية الحالية في السلطة.

إيران لها رؤيتها وسياستها. وأميركا تبلور تحركها في الفترة القادمة بعد استيعاب كل المتغيرات. وإسرائيل لها استراتيجيتها الثابتة. والكل يسعى وراء مصالحه. والعرب يتحركون بلا شك ولكن كأطراف منفردة دون استراتيجية واحدة يعبرون بها هذه الفترة العصبية من تاريخهم وتاريخ المنطقة.

نعم هناك محاولات التنسيق المستمرة سواء من الجامعة العربية، أو من أطراف عربية فاعلة. وهناك محاولات لم تنجح ـ للأسف الشديد ـ لعقد قمة ثلاثية بين سوريا والسعودية ومصر، ومحاولات أخرى بعد ذلك لقمة خماسية تنضم فيها الأردن وفلسطين للدول الثلاث.

ومع ذلك تبقى الحاجة لمواصلة الجهد لتذليل الخلافات بين دمشق والرياض، وعلى القاهرة أساساً الدور الأساسي في ذلك. فمثل هذا التوافق بين العواصم الثلاث على الأقل ضروري في هذا المرحلة كما كان ضرورياً على الدوام. وغيابه سوف يتيح الفرصة لاستمرار الأزمة في لبنان، ولاستمرار الغياب العربي في العراق، ولتدهور الأوضاع في فلسطين، ولافتقاد التوازن المطلوب في القوى مع باقي القوى الإقليمية في المنطقة.
"البيان"

التعليقات