31/10/2010 - 11:02

التحدي الجوهري الذي يواجه حماس / محمود الريماوي

التحدي الجوهري الذي يواجه حماس / محمود الريماوي
أياً كان تقييم نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة، فإن العبرة هي في ما تحمله من مشروع سياسي معلن، يتمثل في السعي الى فرض “حل” أحادي الجانب وفق التعبير شبه الأكاديمي.وهو ما كشف عنه اولمرت قبل الانتخابات بأسابيع، وبالتحديد منذ ذهب شارون في غيبوبته، وقد دأب على ترديده، ثم شدد عليه بعد فوز كاديما ب 28 مقعداً. ويقوم هذا المشروع على إدامة السيطرة على منطقة الأغوار المحاذية للأردن بطول مائة وخمسين كيلومترا، وضم القدس الشرقية ومحيطها، وقد تم البدء بذلك بوضع معبر حدودي “دولي” أي كالذي يقوم بين الدول بين القدس ورام الله. أما الجدار الشهير بطول سبعمائة كيلومتر في عمق الضفة الغربية، فيشكل حسب المشروع حدوداً دائمة، فما هو خارج الجدار للفلسطينيين، وما هو داخله للمحتلين. وذلك يستلزم إخلاء مستوطنات صغيرة مبعثرة.

يستلهم اولمرت هذا المشروع من أستاذه المحتضر شارون الذي أخلى قطاع غزة، وأبقاه تحت الحصار، والسيطرة على منافذه بما في ذلك مع الضفة الغربية.ومن شأن هذا المشروع في حال تنفيذه، توجيه ضربة أخرى للمشاريع السلمية المستندة إلى اتفاقيات وقرارات دولية، بما في ذلك “خريطة الطريق”. فتغدو تل أبيب هي وحدها المرجعية، هي التي تقرر منفردة الحلول وتنفذها أو لا تنفذها، في الوقت الذي تشاء وبالكيفية التي تختارها. وعلى ما قال اولمرت بعد فوز حزبه، فإنه يمكن للفلسطينيين التفاوض مع تل ابيب حول المشروع.والمقصود أنه يمكنهم قبول المشروع فيجري تنفيذه، ويسعهم كذلك رفضه فيتم تطبيقه أيضاً.

وكما أمكن لشارون محاصرة الاعتراضات المحدودة في العام الماضي، داخل حكومته على مشروعه بشأن قطاع غزة، فإن الظروف مهيأة بصورة أفضل لخليفته لتمرير المشروع، بعد أن تحسنت حظوظ حزب العمل، والحزب الأخير لا يعارض مشروعاً كهذا، ولكنه يرغب بتمريره مع بعض تعديلات، عبر فتح باب التفاوض مع الجانب الفلسطيني. وبعدئذ ومع الشروع في عملية “الفصل” فإنه يمكن البدء بإعلان قيام دولة فلسطينية على اقل من نصف مساحة الضفة الغربية، وبغير أي اتصال حدودي مع العالم الخارجي، حتى مع قطاع غزة، وباعتماد تام على “اسرائيل” في مختلف جوانب الحياة.

والمشروع على الأرض هو في مراحله الأخيرة، وسوف يتم استهلاك الوقت المتبقي الى ما قبل نهاية العام الجاري، بشن الحملات السياسية اليومية على حكومة حماس وتقاعس محمود عباس، وإدامة الاجتياحات المتنقلة بما في ذلك على رام الله العاصمة السياسية المؤقتة للسلطة، ومطاردة “مطلوبين” واختطاف “مشبوهين”. وهو السلوك الذي وعد شاؤول موفاز بإدامته في جميع الظروف، وكما تتعرض له غزة بعد إخلائها.

لقد رفضت قمة الخرطوم هذا المشروع، وهو رفض لا يقدم ولا يؤخر، ما دام غير مقترن بأية مواجهة سياسية من أي نوع مع أصحابه. وهو ما تدركه واشنطن التي بدأت بإرسال إشارات “إيجابية” نحو الخطة مع التذرع بفوز حماس وقيادتها لحكومة السلطة، وكان اولمرت قد تحدث عشية فوزه عن تنسيق سوف يتم الشروع به مع الولايات المتحدة لدعم تنفيذ المشروع، خاصة أن هناك أكثر من سنتين لبقاء بوش وإدارته، وهي فترة كافية لتنفيذ المشروع بتغطية “دولية” أمريكية أساساً، تماماً كما جرى لدى إخلاء قطاع غزة، حيث انهال الثناء من كل حدب وصوب على تلك الخطوة “الشجاعة”.

رئاسة السلطة بدأت في التحذير من هذا المشروع والإعراب عن رفضه، والإعلان عن الاستعداد لمفاوضات حول الوضع الدائم وفق المرجعيات الدولية، وهو ما لا يعيره اولمرت أذناً صاغية، فالتفاوض بالنسبة اليه، وكما سبقت الاشارة، يتعلق بسبل تنفيذ مشروع الفصل، الذي يمنح الفلسطينيين عملياً حكماً ذاتياً دائماً في المناطق التي كانت تسمى “أ” في اتفاقية اوسلو، أي المدن والبلدات وأجزاء من الريف، باستثناء القدس والأغوار ومواقع المستوطنات الكبيرة، وهذه بحجم مدن عصرية ذات خطوط اتصال مباشر مع “اسرائيل”.

هذا هو في واقع الأمر الخطر المباشر الذي يرتسم في الأفق القريب. ومن الملاحظ أن حكومة حماس، لا تبدي في أيامها الاولى اهتماماً به، فهي تترك لرئاسة السلطة -كما قال رئيس الحكومة اسماعيل هنية بعد أدائه القسم - فرصة التفاوض ولن تعيق ذلك! وفي ذلك رسالة بأن الحكومة لن تنخرط، أقله في المدى القريب بالشأن السياسي المتعلق بالمواجهة السياسية أيضاً مع مخططات الاحتلال، وذلك لتفادي “التلوث” بالتفاوض أو الالتزام باتفاقيات سابقة.غير أن ذلك يعني في النتيجة ترك المخططات تمر، وعدم التوحد في مواجهة خطر حسي واستراتيجي. ولا تزال الفرصة متاحة من أجل بلورة سياسة مشتركة بين رئاسة السلطة وحكومتها، لوضع مخططات للتعامل مع الخطر الناشىء والداهم، فقد مضى الوقت الذي كان يقال فيه إن الزمن يلعب لمصلحة العرب، فالصحيح أن الطرف الآخر المعادي يستثمر الوقت للحد الأقصى لمصلحة مشاريعه التوسعية، ووضع العالم أمام وقائع جديدة أو أمر واقع جديد.

التعليقات