31/10/2010 - 11:02

التهدئة: تثبيت الأمر الواقع انتظاراً للتطورات المقبلة../ هاني المصري

التهدئة: تثبيت الأمر الواقع انتظاراً للتطورات المقبلة../ هاني المصري
بعد أشهر من الـمفاوضات التي عقدتها حركة حماس مع اسرائيل بوساطة مصرية تم التوصل الى اتفاق يقوم على "تهدئة مقابل تهدئة" لـمدة ستة اشهر في غزة تنتقل بعد ذلك الى الضفة على أن يتم رفع الحصار بشكل تدريجي، والشروع بمفاوضات حوار حول معبر رفح وحول إتمام صفقة تبادل الأسرى.

لقد حققت "حماس" إنجازاً مهماً، لأن اتفاق التهدئة يشكل اعترافاً بدورها، وكونها صاحبة القرار في غزة، وهو خطوة على طريق الاعتراف الإسرائيلي بها، ويفتح ثغرة للاعتراف الدولي بها. فمن الصعب الآن على اسرائيل أن تعارض الاتصالات الأوروبية مع حركة حماس ما دامت هي تعقد اتفاقاً معها، وتنوي عقد اتفاقات أخرى.

إن اتفاق التهدئة يعني فشل سياسة العدوان والحصار والإلغاء والاستعداد للتعامل مع الأمر الواقع. ولكن هذا الاتفاق يمكن أن يكون مجرد هدنة مؤقتة، ومحطة لانتظار التطورات الإسرائيلية والإقليمية والدولية القادمة، خصوصا بالنسبة لـمصير حكومة أولـمرت، ومن سيأتي بعد بوش، وماذا سيفعل بوش قبل انتهاء فترة رئاسته، وهل يعقد صفقة مع إيران أم يوجه ضربة عسكرية لها، ضربة موجعة لا تصل الى حد الاحتلال ولكنها تقدم رسالة قوية لها تحذرها من مغبة مضيها في برنامجها النووي، وتضع خليفته، خصوصاً إذا كان باراك اوباما، أمام أمر ورثه من سلفه أي أمر واقع لا سبيل للتهرب منه.

إن التهدئةَ هي رغم عدم وجود هذه الكلـمة في قاموس الحروب العسكرية والصراعات بين الدول، حيث هناك كلـمة هدنة أو اتفاق متبادل لإطلاق النار أول اتفاق ثنائي فلسطيني ــ إسرائيلي يعقد في داخل فلسطين يعكس نوعاً من الندية، وهو يجسد مصلحةً متبادلة فلسطينية إسرائيلية، وحل وسط، فـ"حماس" تراجعت عن شمول الضفة وعن رفع الحصار كلياً وفوراً وبالتزامن مع التهدئة، فمعبر رفح خارج الاتفاق، وإسرائيل تراجعت عن مطلبها بشمول إطلاق جلعاد شاليت باتفاق التهدئة كما تنازلت عن مطلبها وقف تهريب وتطوير السلاح.

ولكن على "حماس" أن لا تغالي بانتصارها فهو انتصار محدود وفئوي ويمكن أن يصب في سياق تعميق الانقسام بدلاً من أن يخدم الحوار الوطني والوحدة. فلا يمكن أن تختزل القضية الفلسطينية، التي هي مسألة سياسية من الدرجة الاولى بالتهدئة. والتهدئة مع من، مع الاحتلال بدون أي مسار سياسي جدي قادر على إنهاء الاحتلال. في الضفة اختزلت القضية الفلسطينية بالأمن الداخلي والاقتصاد، وفي غزة اختزلت في التهدئة ورفع الحصار، وهذا وذاك أمران أعجب من بعضهما.

وفي هذا السياق نستطيع أن نفهم لـماذا لـم تكن "حماس" متلهفةً لالتقاط مبادرة الرئيس للحوار، حيث اكتفت بالترحيب بها بدون الإقدام على خطوة مقابلة بل استمرت بموقفها القاضي بالحوار بلا شروط مع وعد بأنها ستقدم مفاجآت على طاولة الحوار كما صرح إسماعيل هنية. فـ"حماس" راهنت ولا تزال تراهن على إتمام التهدئة ورفع الحصار وفتح الحدود والـمعابر وإتمام صفقة تبادل الأسرى لأنها إذا نجحت في كل ذلك تفرض نفسها محلياً وعربياً ودولياً وحتى إسرائيلياً كلاعب فلسطيني رئيسي، وهذا من شأنه أن يقوي موقفها الداخلي إزاء الحوار والـمصالحة.

ولكن "حماس" تنسى أن التهدئة مع الاحتلال إذا نجحت ومددت تؤدي الى تعايش مع الاحتلال، وتعني وقفا أو تعليقا للـمقاومة الى إشعار آخر، وتغطي على استمرار العدوان والاستيطان والجدار وتقطيع الأوصال في الضفة، وعلى تهويد القدس وفصلها عن بقية الأراضي الـمحتلة وإخراجها من أي حل بعدما أخرجت اسرائيل قضية اللاجئين عمليا من أي حل.

يمكن أن يقول قائل إن التهدئةَ استراحة محارب، وأنها مفيدة لالتقاط الأنفاس والتدريب والحصول على أسلحة جديدة وتطويرها، وتخفيف معاناة شعبنا في غزة، وأن الـمواجهة قادمة لا محالة.

وهذا أمر صحيح نسبياً ومحتمل، إلا أن الـمعطيات تشير الى أن ذلك مجرد احتمال، فكافة الاحتمالات مفتوحة، من ثبات التهدئة وتوسيعها الى العودة الى الـمواجهة والتصعيد لدرجة توجيه ضربات شديدة لـ "حماس" في غزة، خصوصاً أن هناك معارضة شديدة للتهدئة داخل الحكومة والجيش والأجهزة الأمنية إضافة الى الـمعارضة الإسرائيلية وهي معارضة تضغط باتجاه توجيه ضربة قاضية للفلسطينيين لاستعادة هيبة الردع الإسرائيلية مهما كان الثمن. ولكن نجاح التهدئة وترافقها مع اتفاق الدوحة واستئناف الـمفاوضات السورية الإسرائيلية، ومع تراجع احتمال الضربة العسكرية لإيران، وترجيح احتمال نجاح باراك اوباما في الانتخابات الاميركية، يدل على أن التهدئة يمكن أن تتواصل ويتم تعزيزها، فهي تثبيت للأمر الواقع انتظاراً للتطورات الـمقبلة.

وإذا كنت أفهم لـماذا تتريث "حماس" في الإقدام على الحوار والـمصالحة الآن، رغم أنني لا أوافق على ذلك لأن مصلحة الوطن بالوحدة أهم من مصلحة "حماس" الفئوية، إلا أنني لا أفهم لـماذا تتريث السلطة والرئيس في الإقدام على الحوار والـمصالحة. لقد اكتفى الرئيس بإطلاق الدعوة للحوار الوطني لكنه لا يزال متمسكا بشروطه لإنجاح هذا الحوار، وهذا يعني أن الحوار لن يقلع وإذا أقلع سيدور في حلقة مفرغة. فهل وراء الأكمة ما وراءها؟ أم أن الـمسألة ليست أكثر من انتظار قاتل لا أكثر؟.

من الضروري الدعوة للتوجه فوراً الى حوار وطني شامل جاد بدون شروط أو شروط مقابلة على قاعدة مبادرة شاملة تتضمن حماية القضية الوطنية وأسس ومرتكزات العمل الوطني والديمقراطي الكفيلة بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة.

إن التهدئةَ التي لـم يسبقها حوار وطني واتفاق على إنهاء الانقسام يمكن أن تؤدي إذا لـم نشرع بالحوار الوطني الشامل الجاد الى تعميق الانقسام.

إن التهدئة التي عقدتها اسرائيل مع "حماس" يجب أن تشجع السلطة على أن ترمي بكل قوتها لكي تشمل الضفة لأنه لا يعقل أن يكون هناك تهدئة في غزة، وعدوان شامل واستيطان وجدار وحصار وتقطيع أوصال واعتقالات يومية في الضفة.

إذا كانت اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، ووافقت على التهدئة مقابل وقف الصواريخ، على الفلسطينيين أن يقولوا لها إما التهدئة ووقف العدوان والاستيطان في الضفة وغزة وإطلاق مسار سياسي قادر على إنهاء الاحتلال، وإما مقاومة مثمرة قادرة على تحقيق الانتصار.
"الأيام"

التعليقات