31/10/2010 - 11:02

التهدئة.. متطلب مرحلة../ أحمد الحيلة*

التهدئة.. متطلب مرحلة../ أحمد الحيلة*
انعقدت التهدئة بعد أشهر من المحادثات واللقاءات عبر الوسيط المصري الذي قام بدور مركزي بين طرفي الاتفاق (حماس ـ إسرائيل). هذا الاتفاق مثل بلا شك نقطة تقاطع مصلحية غير عادية للأطراف ابتداءً من الفلسطينيين المحاصرين، ومروراً بمصر القلقة، وانتهاءً بإسرائيل المرتبكة؛ فكل طرف معني بجني الثمار من هذا الاتفاق الذي يمكن أن نصفه بأنه مجرد "استراحة محارب" في إطار المواجهة المستدامة بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، أي أن التهدئة متطلب مرحلة فرضته الظروف على جميع الأطراف لالتقاط الأنفاس، ولإعادة ترتيب الأوراق بعد شوط طويل من المواجهة القاسية والعنيفة..

ويعنينا في هذه العجالة أن نسلط الضوء على انعكاسات التهدئة على الفلسطينيين، وعلى واقع الصراع مع الاحتلال، وذلك كما يلي:

• أولاً: مثّل قبول الاحتلال للاتفاق مع حماس على التهدئة والالتزام المتبادل، اعترافاً إسرائيلياً بواقع حماس المقاومة، وبشرعية حماس المنتخبة. وهذا يعد أكبر ثمن دفعه الاحتلال جراء هذا الاتفاق.

وأهمية ذلك تكمن في أن الاحتلال هو نفسه من اضطر أخيراً لأن يفتح الكوة في جدار الحصار السياسي والاقتصادي العالمي الذي يعاني منه قطاع غزة وحركة حماس. وهذا بدوره سيحفز الدول الأوروبية أو يمنحها الجرأة لأن تجري اتصالات مع حركة حماس في المستقبل المنظور، فلم يعد لدى إسرائيل الحجة بأن تطلب من العالم أن يبقي على حصاره ومقاطعته لغزة وحركة حماس، في الوقت الذي تجري فيه هي اتصالات غير مباشرة معها، وتفتح فيه معابرها لمرور البضائع والاحتياجات المعيشية.

• ثانياً: التهدئة أيضاً أطلقت رسالة هامة، مفادها بأن المقاومة المسلحة، والصبر على الألم، في ظل وضوح الرؤيا، يمكن له أن يحقق النصر وأن يحرز تقدماً على صعيد المواجهة مع الاحتلال، بهدف استعادة الحقوق؛ فالناظر إلى المسألة بعمق وبقراءة بعيدة المدى، يرى مدى القفزة التي حققتها المقاومة وسط حالة الإحباط والتشرذم العربي؛ فبالأمس استطاعت المقاومة في لبنان أن تدحر الاحتلال عن جنوب لبنان، وبالأمس استطاعت المقاومة أن تدحر الاحتلال ـ وإن بشكل غير ناجز كلياً ـ عن قطاع غزة، وها هو الاحتلال يُضطر مكرهاً لأن يعقد اتفاقاً لوقف إطلاق النار مع حماس والمقاومة الفلسطينية وبشكل متزامن ومتبادل، وغداً قد تستطيع المقاومة أن تفرض شروطها على الاحتلال في صفقة لتبادل الأسرى مع الجندي جلعاد شاليط..

• ثالثاً: الاحتلال لا يقر إلا بواقع القوة ولا يحترم الضعفاء، وهذا شيء طبيعي فيمن بنى دولته ومجده على إيديولوجيا القوة. فلولا أن الاحتلال عجز وفشل فشلاً ذريعاً في التصدي لصواريخ المقاومة التي قيل عنها يوماً ما بأنها "عبثية"، لما اضطر لعقد التهدئة مع المقاومة..، وذلك مقابل ابتزازه للطرف الفلسطيني المفاوض، خدمة لمشاريعه الاستيطانية التي نهبت الأرض في الضفة الغربية والقدس.

• رابعاً: التهدئة، فرصة سانحة لإعادة تقييم المسار الفلسطيني الداخلي، خاصة بعد السنة الأخيرة التي شهدت انقساماً حاداً بين أخوة الوطن، وفشلاً ذريعاً للتسوية السياسية. وما البدء برفع الحصار عن غزة إلا ورقة سقطت من يد من راهن على الحصار والتجويع إن كان فلسطينياً أو عربياً، مما سيمهد الطريق أمام الحوار ولا شيء غير الحوار، أملاً في الوصول إلى وحدة الوطن والموقف، بعد أن فشلت المراهنات، وانتصرت الأمعاء الخاوية على جلاديها.

• خامساً: رغم حالة الانفراج النسبي الذي ستحدثه التهدئة، على صعيد التقاط الأنفاس، وعلى صعيد كسر الحصار، إلا أن معبر رفح ما زال مغلقاً، وهذا يشير أن التهدئة قد تبقى حبيسة الاتفاق حول معبر رفح الذي يجسد النافذة الوحيدة للفلسطينيين في غزة على العالم. وهو أمر حرص الاحتلال على التمسك به كورقة ضاغطة أثناء التفاوض حول الجندي الأسير جلعاد شاليط. وفي تقديرنا أن فتح معبر رفح "كلياً" يمكن أن يكون بإحدى طريقتين، الأولى: بنجاح صفقة الأسرى. الطريقة الثانية: الاتفاق الفلسطيني ـ الفلسطيني الأمر الذي سيضع القاهرة، ورام الله أمام استحقاق فتح المعبر.

في كل الأحوال، وعلى الرغم من أن التهدئة مثّلت حاجة لجميع الأطراف، إلا أن انعكاساتها في ظل المعطيات الراهنة محلياً ودولياً، كانت إيجابية على الفلسطينيين والمقاومة التي رفضت التنازل عن الحقوق والثوابت الفلسطينية، والتي رفضت الانصياع لشروط الرباعية الدولية وخاصة الاعتراف بشرعية الاحتلال. أما القول عن عدم شمولية التهدئة للضفة الغربية، مما يعني التفريق بين الضفة وغزة، فقد يكون في الأمر شيء من المبالغة، لأن توصل حركتي فتح وحماس إلى مصالحة وطنية مرتقبة تضم لاحقاً جميع الفصائل، هو الأصل في وحدة الوطن، ووحدة المسار السياسي الفلسطيني. أضف إلى ذلك سؤالاً برسم المقاومة: لماذا لا يكون عدم التهدئة في الضفة الغربية، في الوقت الذي فشلت فيه مراهنات التسوية السياسية، مدخلاً وفرصة لتفعيل وتركيز المقاومة في الضفة لوقف سرطان الاستيطان ومصادرة الأراضي هناك، ولتحسين شروط الواقع السياسي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال؟

التعليقات