31/10/2010 - 11:02

الجسر إلى الحرية والاستقلال../ فيصل جلول

الجسر إلى الحرية والاستقلال../ فيصل جلول
لم يبدل الانسحاب الأمريكي من المدن العراقية شيئاً يذكر في مصير العراق والعراقيين، فالمقاتل الطائفية الشنيعة ما برحت مستمرة، والأمن مازال مفقوداً والهجرة القسرية ما انفكت خياراً وحيداً للفئات القاصرة عن حماية نفسها بوسائلها الذاتية، ولم يسجل تطور جدير بالذكر في مجال الخدمات والعمل وكل ما يتصل بالحياة اليومية لعموم الناس. وإن جاز اختصار الحال بعبارة مكثفة يمكن القول إن العراق قبل خروج الأمريكيين من المدن هو نفسه بعد خروجهم منها، وإن الاحتلال هو الأصل في مشاكل بلاد الرافدين منذ سقوط بغداد ربيع العام 2003 وإن خروج المحتل أو إخراجه من هذا البلد هو الممر الإجباري لرسم حلول مفيدة لمشاكله.

ينتمي هذا الاستنتاج إلى ما يشبه الإجماع على توصيف واقع الحال الذي صنعه المحتل عن سابق تصور وتصميم خلال السنوات الفائتة، إذ هدم الدولة العراقية وشتت العراقيين “أيادي سبأ” وهو يشرف اليوم من “خارج المدن” على بؤسهم ومقاتلهم ومآسيهم.

ولئن بدا خلاص العراق مشروطاً بتوفير “كتلة تاريخية” مناهضة للاحتلال وجديرة بانتزاع ثقة الرأي العام العراقي، فمن المنتظر أن يسعى المحتل إلى حرث التربة التي تتيح انبثاق هذه الكتلة في كل مرة تلوح فيها بوادر أولية على إمكان ظهورها.

ولعل المحاولات الجهيضة لجمع العرب الشيعة والسنة المناهضين للاحتلال وبخاصة التيار الصدري وهيئة علماء المسلمين تنتمي بأسبابها إلى مناورات ناجحة صنعها النافذون في أجهزة النظام أو ممثلو الاحتلال المباشرون في بلاد الرافدين. وهذه الخلاصة ليست من أثر “نظرية المؤامرة” وإنما من أخبار منسوبة إلى مصادر مقربة من الطرفين، حيث يروى أن المحتل سرب “أشرطة مفبركة” للتيار الصدري تتحدث عن عرض تقدمت به “هيئة علماء الملسمين” للإدارة الأمريكية باستبعاد الائتلاف الحاكم كشرط لحكم العراق بإشراف أمريكي وقواعد عسكرية ثابتة، الأمر الذي أدى إلى نفور صدري من الهيئة، وبالمقابل سرب المحتل معلومات للصدريين والائتلاف الحاكم تفيد بأن المجرمين الذين فجروا مرقد سامراء ينتمون إلى “الهيئة” أو إلى مقربين منها، وأن العمليات الانتحارية أثناء مواسم زيارة الأماكن الشيعية المقدسة يقوم بها أشخاص ينتمون إلى المقاومة العراقية أو”سلفيون” يتمتعون بعطف “العلماء المسلمين”.

الواضح أن “الأجهزة الحكومية” العراقية المشكلة من منافسين طائفيين للتيار الصدري و”علماء المسلمين” معاً لا تعدم الوسائل الكفيلة بتوسيع الشقاق بين الطرفين كلما لاحت بوادر على تقاربهما، وذلك عبر شد الأعصاب الطائفية التي تباعد بينهما وتتيح لكل طرف من أطراف الحكم الزعم بأنه حامي طائفته من خطر الطائفة الأخرى، وبالتالي اللجوء إلى “المرجعية” الأمريكية لتوفير أسباب الحماية، الأمر الذي أدى ويؤدي إلى زج العراق والعراقيين في حلقة مفرغة تسمى “العملية السياسية” مفيدة حصراً للمحتل وللذين يدينون له بمناصبهم ومصالحهم.

ثمة من يتساءل محقاً عن ضعف مناعة “الصدريين” و”علماء المسلمين” في مواجهة مؤامرات المحتل وأعوانه. فإذا كان مصير العراق الحر معلقاً على انبثاق محور الصدر حارث الضاري، فلماذا يقع الطرفان دائماً في شراك المحتل ولماذا تبوء بالفشل مساعي التقارب بينهما وأحياناً بسهولة مثيرة للذهول؟

الراجح أن ذلك يرجع لأسباب متعددة بعضها يتصل بالبيئات الطائفية التي حفرت حدودها بالدم، وشدت كل العراقيين اليها طوعاً أو قسراً، والبعض الآخر متصل بأدوار خارجية تلعبها الدول المحيطة بالعراق حيث يعمد كل منها إلى التعاطي مع العراقيين بحسب انتمائهم الطائفي، وبالتالي حثهم على الانتظام المذهبي، وبعضها الثالث يتصل بضعف التصميم لدى قيادات الطرفين على رسم استراتيجية عراقية طويلة الأمد تتيح مناعة كافية في مواجهة النزعات المذهبية والطائفية، وتساعد على استعادة الثقة في العمل العراقي العابر للطوائف والمذاهب والاثنيات في سياق النضال لإخراج المحتل من الأراضي العراقية.

لا ينطوي المشهد السياسي العراقي على قوى سياسية مؤهلة لإعادة اللحمة إلى العراق والعراقيين خارج التيارين المذكورين اللذين انبثقا من المواجهة المستمرة مع المحتل، ورفضا العمل وفق شروطه ومغرياته، وإذا كان التيار البعثي يشكل الضلع الطبيعي الثالث في هذا المحور فهو ينوء بأثقال الماضي، وبالتالي يحتاج إلى بذل جهود استثنائية للتموضع بشروط مختلفة في البيئة السياسية العراقية، ما يعني أن محور الصدر الضاري هو الجسر الوحيد الذي يتيح عبور العراقيين من ضفة الاحتلال إلى ضفة السيادة والحرية والاستقلال.

عندما يكون المصير العراقي برمته معلقاً على انبثاق هذا المحور لا يحق للصدريين ولعلماء المسلمين مواصلة العزف السياسي المنفرد، فالخلاص يتم بجهود متعددة المصدر أو لا يتم.
"الخليج"

التعليقات