31/10/2010 - 11:02

الحدث في السعودية امرأة../ د. مضاوي الرشيد

الحدث في السعودية امرأة../ د. مضاوي الرشيد
بعد أن صمتت الأصوات السعودية المطالبة بالإصلاح السياسي نتيجة الضغط والقمع والتضييق على المنادين به يتصدر اليوم موضوع المرأة قائمة الموضوعات التي تصنع الحدث عالميا وداخليا، حيث تنشغل اكبر وسائل الإعلام وأوسعها انتشارا ومصداقية في العالم بأخبار نساء السعودية والمعارك الدائرة حول حقوقهم وانجازاتهم والمجالات الجديدة المفتوح أمامهن. فتتحول الصور الفوتوغرافية لأعمدة النظام مع جمع من النساء إلى رموز يحاول المعلقون والكتاب فك طلاسمها. ويستنتج المحللون بداية مرحلة جديدة ونقلة جذرية لنصف المجتمع السعودي خاصة وان القيادة الحالية تسعى جاهدة لتقليم أظافر القوى القديمة واستبدال خطابها المتزمت بخطاب جديد. ويعتبر ذلك من انجازات المرحلة الحالية التي توجتها القيادة خلال الأعوام القليلة السابقة.

لقد تلاشت كل الأحداث المتعلقة بالسعودية وانحصرت في موضوع واحد هو الشأن النسوي وتفعيل دور المرأة في المجتمع السعودي تحت ظل القيادة الحالية لدرجة أن صحافة العالم تجد صعوبة في البحث عن موضوعات جديدة تتداولها عالميا عن السعودية وسياستها ما عدا الموضوعات المتعلقة بالمرأة ومنها معارك تدور حول محاور متعددة كزواج القاصرات والاختلاط وقيادة السيارة والسفر بدون محرم إلى ما هنالك من موضوعات تجترها وسائل الإعلام المحلية والعالمية. من الجميل أن تصبح المرأة حدثا جوهريا في السعودية، ولكن يأتي هذا الاهتمام المفاجئ مقترنا بغياب السعودية عن الساحة العربية حيث يبدو أنها لا تصنع حدثا ولا تحرك قضية ولا تؤثر في مسيرة.

ورغم خطابها القديم أنها قلب العالم العربي والإسلامي إلا أن قضاياها الملحة اليوم تنحصر في شأن داخلي يجب أن يحسم على مستوى الساحة السعودية وليس بتدخل النظام العالمي وصحافته. ولكن خروج السعودية سياسيا من قضايا العرب قد حول الأنظار إلى دول الجوار التي يبدو أنها تلعب دورا جديدا على الساحة الدولية وتختطف الأضواء والمبادرة في ظل الغياب السعودي.

خذ مثلا الحدث المهم في إيران والمرتبط بمفاعلها النووي أو دور تركيا في المفاوضات العربية ـ الإسرائيلية والإيرانية ـ الدولية، وسنجد أنفسنا أمام أحداث مصيرية قد تقلب المعادلات في المنطقة، وهي من القضايا التي دخلت على الساحة الإعلامية وجعلت من الدولتين المذكورتين محور اهتمام النظام العالمي.

أما السعودية اليوم فهي تصنع الحدث إن هي أقرت بحقوق المرأة في ممارسة مهنة ما أو رفعت بعض القيود عن تنقل المرأة أو افتتحت فندقا نسائيا. وبينما تظل أنظمة العالم العربي ومستقبلها الشغل الشاغل للمحللين والمراقبين يظل هؤلاء مشغولين بالمرأة السعودية ووضعها المزري حسب تعريفهم لمبدأ الحقوق والحريات. وتفضل السعودية نظاما وقيادة أن تبقى المرأة الشغل الشاغل للمجتمع الدولي حتى يمتص هذا الاهتمام الاطلاع على أمور أكثر إلحاحا وأهمية قد تكشف خفايا النظام والثغرات الحالية التي يعاني منها.

لقد استغل النظام السعودي الجدل واللغط الحاصل في الشأن النسوي المحلي ليصرف النظر عن أمور جوهرية لو قدر لها أن تناقش وتفتح ملفاتها لما استطاع النظام أن يغلق الأبواب على التكهنات واستشرافات المستقبل.

إن المتاجرة بموضوع المرأة على حساب تغطية شاملة للحدث في السعودية أصبح لقمة سائغة يسكب عليها من الحبر ما يسكب من اجل صرف النظر عن قضايا معلقة منها مصير القيادة السعودية خلال الأعوام القادمة وتطور نظام الحكم فيها. وهي من الأمور التي يحاول النظام إقفال ملفاتها حاليا، ناهيك عن حالة الصمت المطبق على ملفات حقوق الإنسان والمشاركة الشعبية والشفافية وهي من الأمور التي لا يراد لها أن تصبح حدثا مركزيا في أي تغطية إعلامية محلية أو عالمية.

وطالما ظلت موضوعات المرأة موضوعات ساخنة كلما ابتعدت التغطية الإعلامية عن مناقشة هذه الأمور وإعطائها الأهمية التي تستحقها. فهناك على ما يبدو تقارب في المصلحة بين النظام السعودي والإعلام العالمي. فالاول يريد حصر المملكة ومستقبلها السياسي في مخبأ لا تناله أقلام الصحافة التي تنشغل بالمرأة حيث أن موضوعها يخدم هدفا واحدا يدور حول تقدمية القيادة وجهدها في كبح جماح القوى المتطرفة، ونجاحها الباهر في تجاوز محاور التحريم والتشدد والتطرف. وليس من مصلحة النظام أن يعود الاهتمام العالمي وينشغل بأسئلة مهمة عن طبيعة النظام ومستقبله.

أما المجتمع الدولي فهو أيضا يفضل أن لا تطرح الأسئلة الكبيرة والتي تفتح ملفات قديمة، فينشغل هو أيضا بتدويل قضية المرأة السعودية على حساب تقدم ملموس في المجال السياسي.

وربما تبتهج بعض النساء بتدويل قضيتهن، ولكن ذلك يأتي على حساب نقلة نوعية في طريقة التعامل مع المجتمع ككل بنسائه ورجاله. ويجب على النساء أن لا يربطن قضيتهن بالاهتمام العالمي إذ أن هذا الاهتمام يظل سطحيا غير قادر على انتشال النساء من مغبة تدويل حقوقهن والمتاجرة بهذه الحقوق محليا ودوليا.

وان كانت هناك معضلة حقيقية تعاني منها المرأة السعودية فحلها يجب أن يكون على المستوى المحلي وليس عن طريق اجترار المعضلة عالميا أو من قبل النظام نفسه. ويجب على المرأة السعودية أن تتعلم دروسا من تجارب الأمم حيث يتصدى بعض قياداتها إلى التخفي خلف مقولة تحرير المرأة من اجل تغطية تفاصيل القمع والشمولية.

ولنا عبرة هنا في نظامي شاه إيران واتاتورك حيث نذر هؤلاء أنفسهم كمدافعين ومحررين للمرأة لكن خطاباتهم أثبتت عدم مصداقيتها خاصة وأنها ارتبطت بحقبات تاريخية سوداء.

ولا بد أن نطرح علامة استفهام كبيرة على تلك المحاولات العقيمة ونتساءل لماذا تلجأ الأنظمة القمعية إلى التخفي خلف تحرير المرأة وحقوقها. أليست هذه العملية هي عملية هروب من المواجهة الحقيقية وكشف الغطاء عن أمور مستورة تفضل هذه الأنظمة أن تبقى دون جدل أو نقاش.

وطالما ظل الشأن السياسي يدار في الخفاء لن تستطيع المرأة أو الرجل أن يحصلا على مطامحهما لان قضية المرأة ليست بالقضية الجزئية بل هي محورية في صياغة المستقبل السياسي لأي مجتمع. ولن تحصل المرأة على حقوقها إلا ضمن عملية شاملة تعيد صياغة الأسس التي تقوم عليها الدول والمجتمعات. فالحقوق الجزئية التي توزع هنا وهناك من اجل صناعة الحدث لن تؤدي إلى نهضة شاملة بل هي آنية تستغل إعلاميا لأهداف وأسباب أصبحت معروفة للجميع.

فصور القيادة والنساء تتحول إلى حدث ومن ثم تتلاشى في أرشيف الصحافة دون تطور ملموس على الأرض. وان أفسح المجال اليوم لبعض النساء أن يتحدثن في الشأن العام فهن يستحضرن لمناقشة الشأن النسوي دون ان يخترقن هذا الحاجز، ويتجاوزن الخط الأحمر وهو الشأن السياسي والذي هو بدوره محظور على الرجال.

أما الرجال الذين ينذرون أنفسهم للحديث عن حقوق النساء فهم أيضا يركبون المركب الحالي بعد أن أقفلت في وجوههم منافذ العمل السياسي الذي ينتشلهم من حالة التهميش والإقصاء، فيتخفون خلف حقوق المرأة ويلبسون عباءتها من اجل بروز إعلامي سمحت به السلطة السياسية بعد أن حجرت على أي خطاب يتعلق بالأمور المصيرية، ويدخلون في معارك مع تيارات تعارض اتجاهاتهم لتصفية حسابات قديمة ويعتقدون بذلك أنهم رموز التنوير والتحرر.

أن المتاجرة بقضية المرأة من قبل النظام والمجتمع الدولي وصحافته هي مرحلة آنية ستهدأ عندما يحصل التغيير الشامل والنقلة النوعية عندما تتحول قضية المرأة من قضية رمزية نقيس بها تقدمية النظام وتطوره إلى قضية ملموسة ومعاشة على الأرض.

وقد آن للنظام السعودي أن يلتفت إلى مشاكله الداخلية وغيابه عن صناعة الحدث عربيا وعالمياً فيقيس انجازاته حسب معايير جديدة بدل أن ينشغل في تحويل الاهتمام العالمي إلى قضايا داخلية ليست من شأن المجتمع الدولي بل هي من آخر اهتماماته في المرحلة الحالية.

وليس تدويل قضية المرأة السعودية من مصلحتها إذ أن هذا التدويل يصطدم بمعطيات المجتمع السعودي وثقافته التي تظل رافضة لحقوق تعتبر مستوردة وليس من صلب التراث والتاريخ بل لهذا التدويل نتائج عكسية قد تؤدي إلى عكس ما يطمح إليه المجتمع وشرائحه النسائية.

وان كان النظام لا يستطيع حالياً صناعة حدث غير ذلك المتعلق بانجازاته في مجال النهضة النسائية فهو بالفعل نظام قد فشل في التعاطي مع متطلبات دوره المرتبط بموقعه في العالم العربي وموارده الاقتصادية، وها هو النظام يستنجد بالمرأة لتنتشله في حالة الغياب ويتحول انجازه إلى انجاز محدود يستهلك إعلاميا بعد أن تقلصت قدرته على التعاطي مع التغيرات السياسية المحيطة به أو القضايا الملحة في الداخل السعودي.
"القدس العربي"

التعليقات