31/10/2010 - 11:02

الحكم بعيداً عن خيار "شمشوم"../ فيصل جلول

الحكم بعيداً عن خيار
منيت المعارضة اللبنانية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بخسارة نسبية مقابل انتصار نسبي لقوى الموالاة الحالية. فقد بينت صناديق الاقتراع أن الفارق في عدد النواب الفائزين من الطرفين هو 12 نائباً لصالح تحالف 14 آذار والمستقلين لكن الفارق نفسه يجب أن يقسم على اثنين في احتساب اكثرية المجلس النيابي العددية. بعبارة أخرى تحتفظ الموالاة بفارق ستة نواب فقط عن الاكثرية العددية المطلوبة لاسقاط الحكومة أو لمنحها الثقة علماً أن عدد مقاعد المجلس النيابي هو 128 نائباً تحتسب اكثريتها العددية البسيطة ب65 نائباً على اساس النصف زائد واحد واذا كانت الموالاة قد حصلت على 70 نائباً فهذا يعني انها تحتفظ بستة نواب هم الفائض عن الاكثرية المطلوبة.

إن نظرة معمقة في طبيعة هذا الفارق أي النواب الستة تتيح تقييم الانتصار الأكثري بتواضع اكبر إذا ما اخذنا بعين الاعتبار كتلة النائب الفائز نجيب ميقاتي المؤلفة من نائبين وهو الذي خاض الانتخابات كمستقل متحالف مع 14 آذار وليس من نسيجها، وكان حريصاً على اعلان استقلاله طيلة حملته الانتخابية ومثله فعل النائب ميشال المر، وفي هذه الحالة تنخفض الاكثرية العددية لتيار 14 آذار الى 3 نواب فقط وهي كافية لتشكيل حكومة والفوز بثقة المجلس النيابي لكنها ليست كافية لفرض خيارات مصيرية على اللبنانيين، وبالتالي اجراء تعديل جذري في موازين القوى اللبنانية.

ومن المفيد في هذا الصدد العودة الى الانتخابات الرئاسية اللبنانية للعام ،1970 فقد فاز الرئيس الراحل سليمان فرنجية في الانتخابات الرئاسية بفارق صوت واحد على منافسه الياس سركيس وافترض أن هذا الفوز يتيح له اعتماد خيارات مصيرية وفرضها على اللبنانيين ومن بينها الغاء مفاعيل الاتفاقات المعقودة مع المقاومة الفلسطينية وإخراج لبنان من الصراع مع “اسرائيل” واذ خضع لضغوط ناخبيه وحلفائه للسير بهذا الخيار وبالتالي خوض مجابهة عسكرية مفتوحة مع المنظمات الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين المعارضين فقد اكتشف في وقت متأخر انه ساهم في دفع لبنان نحو الحرب الأهلية التي اصابته في صميم عائلته عبر اغتيال نجله وخليفته النائب طوني فرنجية لينتقل من بعد الى صف معارضيه وليبقى ورثته في هذا الصف حتى اللحظة.

تفيد المؤشرات الاولى بعد اعلان النتائج أن الموالاة ليست مستعجلة لاعتماد خيار هو اشبه بخيار “شمشوم” وذلك للاسباب التالية:

اولاً: لأن النائب وليد جنبلاط استخلص مبكراً نتائج مجابهات 7 أيار/مايو للعام 2008 وقرر الابتعاد عن هذا الخيار، وبالتالي اللعب على مسافة بعيدة من 14 آذار اذا ما قررت الصدام مع المقاومة أو استجابت لمغريات خيار “شمشوم”.

ثانياً: يميل النائب جنبلاط ومعه النائب سعد الحريري الى الاقتراع للرئيس نبيه بري وهو أحد أبرز قادة المعارضة لولاية جديدة في رئاسة المجلس النيابي وذلك بما يخالف الرغبة الامريكية والغربية عموماً.

ثالثاً: لن تؤثر نتيجة الانتخابات في موقف الجيش اللبناني من المقاومة وهي لن تحمل رئيس الجمهورية على الانحياز لخيار “شمشوم” بل ربما أدت الى تمسك الرئيس أكثر فأكثر بموقفه الكابح لمثل هذا الخيار الذي يهدد السلم الأهلي ويغرق البلاد في حرب دموية.

رابعاً: على الرغم من خسارتها “عددياً” للانتخابات النيابية فإن المعارضة اللبنانية ما زالت تحتفظ بالأكثرية الشعبية في لبنان بحساب الاصوات وليس المقاعد، ناهيك عن انها تحتفظ بوسائل معتبرة للدفاع عن نفسها بمواجهة خيار “شمشوم” ذلك أن نتائج الانتخابات لم تلغ مفاعيل 7 أيار/مايو 2008 على الارض وهي الاصل في الابتعاد او الاقتراب من الخيار المذكور.

خامساً: لقد بينت نتائج الانتخابات أن اللبنانيين يتوزعون على اكثريات طائفية كل في طائفته، واذ تدافع هذه الاكثريات عن مصالح طوائفها فإنها لا تتيح لأي منها تغيير ميزان القوى الطائفي بالوسائل البرلمانية ما يعني أن الحكومة المقبلة ستكون بالثلث الضامن وبغيره مجبرة على الحكم بالتوافق لحفظ الاستقرار والسلم الاهلي وأن خيار “شمشوم” سيظل في الثلاجة حتى اشعار آخر.
"الخليج"

التعليقات