31/10/2010 - 11:02

الحلم بالتحرير والحلم بالوحدة../ مصطفى إبراهيم*

الحلم بالتحرير والحلم بالوحدة../ مصطفى إبراهيم*
طلب مني عدد من زملاء في الهيئة الفلسطينية لحقوق المواطن ان أكتب حول تراجع الحريات العامة في الأراضي الفلسطينية، بدأت في الكتابة، خاصة أن العاملين في صحيفة "الأيام" وجهوا دعوة للتضامن معهم في مقر الصحيفة في مدينة غزة، احتجاجا على منع توزيع الصحيفة في قطاع غزة من قبل حكومة حماس.

لكن الانقطاع المستمر للكهرباء أجل الموضوع أكثر من مرة، إلى أن كتبت في أكثر من فكرة. فكان من المناسب أن يكون الحديث حول زج وسائل الإعلام في الخلاف السياسي، وحال الانقسام التي أصبحت تسيطر على جميع مناحي الحياة لدى الفلسطينيين، حضر العديد من الزملاء للتضامن مع العاملين والمطالبة بعودة صحيفة "الأيام" إلى قطاع غزة، كما يجب ان تعود صحيفتا "فلسطين" و"الرسالة" إلى التوزيع في الضفة. الأحداث تمر سريعة ولا يستطيع المرء من سرعتها ان يركز في موضوع محدد. فالفلسطينيون في القطاع كعادتهم لا يستطيعون إحصاء شهداءهم ولا يستطيعون منع دموعهم المنهمرة على فقدان أعز الناس لديهم، يومياً.

الأربعاء الثامن والعشرون من شباط ( فبراير) 2008، ودع الفلسطينيون خمسة شهداء سقطوا في مدينة خان يونس، وتوالت الأحداث، وقتل إسرائيلي جراء إصابته بشظايا صاروخ محلي الصنع، رداً على استشهاد الفلسطينيين الخمسة، ليصبح عدد القتلى الاسرائيليين من شظايا الصواريخ محلية الصنع 11 قتيلا منذ بداية الانتفاضة الحالية.

وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة جندت نفسها لبث تقارير وأخبار عاجلة حول الهجمات الصاروخية الفلسطينية وأصيبت بحال من الهستيريا والتحريض لضرب الفلسطينيين بكل قوة، وفتحت موجات بث مباشرة لجنرالات الاحتياط في الجيش ووزراء وأعضاء كنيست، وتوحدت بعض المحطات الإذاعية لتبث بشكل مشترك للتضامن مع الاسرائيليين الذين يتعرضون لما وصفته "حرب استنزاف وتصعيد غير مسبوق من الفلسطينيين" حسب زعمها، واخذ بعض المراسلين يحصون عدد الصواريخ التي تسقط على المدن المحيطة بقطاع غزة، وتتعرض لحرب ابادة.

وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تكتف بذلك، بل كانت تذيع أرقام هواتف الطوارئ ومراكز العلاج النفسي للمصابين بحالات خوف ورعب جراء سقوط الصواريخ، وكيف يتم الوصول إليها.

سقوط قتيل إسرائيلي خلق حال طوارئ لدى وسائل الإعلام الإسرائيلية وتجند الكل الإسرائيلي لدعم الإسرائيليين القاطنين في المدن المحيطة بقطاع غزة، وتوحدت وسائل الإعلام ضد الشعب الفلسطيني، في حين غردت وسائل إعلام فلسطينية خارج السرب.

في المقابل استشهد حتى يوم الخميس 29/2/2008، أكثر من 30 فلسطينياً، من بينهم ثمانية أطفال، أحدهم لم يبلغ ستة أشهر، فكان الإعلام الفلسطيني منقسماً على نفسه، باستثناء المحطات الإذاعية المحلية في القطاع، وفضائية الأقصى، في حين كان تلفزيون فلسطين منذ استمرار الهجمة وشدتها يذيع برامجه كالمعتاد الترفيهية تارة والهابطة تارة أخرى، ولم يتطرق إلى ما يجري في القطاع من مجازر وقصف ليلي ونهاري، وزاد الطين بله عندما بث على الهواء مباشرة صباح الخميس مع فلسطيني مرشح للمشاركة في برنامج غنائي في لبنان، في وقت كانت فيه الطائرات الإسرائيلية تشن غارة كل 45 دقيقة تقريباً.

ليس مطلوباً من تلفزيون فلسطين أن يبيعنا الهم، لكن مطلوب منه أن يقوم بدوره الوطني لفضح ممارسات الاحتلال ومجازره. بالمناسبة، يبدو أن احدا ما لفت نظر القائمين على التلفزيون فشرع بعدها ينقل عن رامتان ما يجري في القطاع. صح النوم!

الفلسطينيون في ظل الانكسارات والانتكاسات الكبيرة والمؤلمة التي شملت جميع مناحي حياتهم، أصبحوا معها لا يستطيعون التمييز بين تحقيق أهدافهم الإستراتيجية والتكتيكية، وبدلا من العمل على تحقيق الأولويات في حياتهم أصبحوا من دون أهداف، وبدلا من أن يحلموا في التحرير أصبحوا يحلمون بالوحدة الوطنية.

حديث الفلسطينيين مليء بالشجن والحزن والألم على الحال التي وصلوا إليها من استمرار الاحتلال وبطشه ومجازره، إلى تعميق الانقسام، ونتائج تعليم سيئة و كارثية، ومستقبل غامض لهم ولأطفالهم.

فمن الحلم بالتحرير إلى الحلم بالوحدة أصبح الشعار الذي يرفعه الشعب الفلسطيني، ففي مدينة غزة بالقرب من النصب التذكاري للجندي المجهول الذي اقتلع من مكانه والقي في مكان مجهول، علقت في العام 1996، صورة كبيرة للشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات كتب عليها مقولته الشهيرة " لا ولن يكتمل حلمي إلا بك يا قدس"، فمن حلم الرئيس الراحل والشعب الفلسطيني بالتحرير والحرية والقدس عاصمة لفلسطين، أصبح الحلم الصعب هو الوحدة.

في غزة أصبح الوضع لا يطاق ويزداد قتامه ومأساوية. مجازر متنقلة، وحصار شامل وظالم، وهناك من الفلسطينيين من يدفع شعبهم إلى التراجع سنوات إلى الوراء، فالفلسطينيون في تلقي الضربات والقتل اليومي ومواجهة الاحتلال سواء، فالاحتلال لا يميز بين فلسطيني وآخر، إذا كان في الضفة أو غزة، فعليهم ليس الاستمرار في الحلم بالتحرير بل العمل البناء والدؤوب من أجل التحرير والحلم في بناء وطن خال من الاحتلال والمناكفات السياسية المقيتة التي تبعدهم عن تحقيق أحلامهم.

التعليقات