31/10/2010 - 11:02

الحوار الفلسطيني في برلين../ أحمد الحيلة

الحوار الفلسطيني في برلين../ أحمد الحيلة
تساءل العديد من المراقبين عن سبب تعثر التقدم نحو الحوار الفلسطيني الداخلي بين حركتي فتح وحماس؛ فمنهم من ذهب إلى أن بعض الدول العربية ذات العلاقة مثل مصر، والسعودية، و.. قد تكون متحفظة على هذا الطرف أو ذاك، ومنهم من أرجع السبب إلى تمسك كل من حركتي فتح وحماس بمواقف متشددة، لجهة شمولية أو محدودية الحوار، أو لجهة وضع شروط مسبقة من هذا الطرف ورفض الطرف الآخر، أو لاختلاف رؤية كل منهما إلى آلية الحوار وإلى تفسير الموقف من المبادرة اليمنية أو ما عرف بإعلان صنعاء..

بالعودة إلى خطاب الرئيس عباس الذي دعا فيه إلى الحوار في 4/6/2008، نجد أن خطابه جاء بلغة تصالحية خالية من الشروط المسبقة، متوافقاً في ذلك مع توجهات حركة حماس التي انعكست في خطاب السيد إسماعيل هنية بتاريخ 5/6/2008،وهذا يقودنا إلى الاستنتاج بأن الطرفين قبلا في حينه، حواراً مفتوحاً غير مشروط على قاعدة ما اتفق عليه في صنعاء، وذلك بترحيب عربي لافت، كان ينتظر منه أن يتحول إلى مظلة راعية للحوار..

وهذا يقودنا إلى السؤال: إذا كانت الأطراف المعنية مرحبة بالحوار غير المشروط، فما المانع في استئنافه لحد الآن؟!
للإجابة على هذا السؤال وبشكل مباشر، ننتقل إلى العاصمة الألمانية "برلين" التي ضمت مؤخراً (24/6) مؤتمراً للدول المانحة لحكومة رام الله، حيث شهدت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر تراشقاً في التصريحات كشفت عن سبب تعثر الحوار الفلسطيني لحد الآن، وذلك عندما وجه الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى قوله إلى أعضاء الرباعية والحضور: "يجب رفع الفيتو عن المصالحة بين حركتي فتح وحماس" مضيفاً أن الجامعة العربية لا توافق على منع الحوار، وذلك في معرض تعليقه على موقف المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي رحبت بدعوة الرئيس عباس للمصالحة الوطنية، ولكن شريطة "أن لا ينسينا ذلك شروط الرباعية" (أي مطالبة حماس الاعتراف بالاحتلال، والاعتراف بالاتفاقيات السياسية الموقعة "أوسلو"، ونزع سلاح المقاومة). الأمر الذي دفع وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس إلى الرد على السيد عمرو موسى بالقول: "إن المصالحة بين حركتي فتح وحماس، يجب أن تتم على أساس مراعاة الاتفاقيات السياسية التي وقع عليها الفلسطينيون أنفسهم".

دلالة هذه التصريحات واضحة، وازدادت وضوحاً عندما جاءت على طاولة الدول المانحة، وهذا بالمناسبة ينسجم تماماً مع توجهات وزارة الخارجية الإسرائيلية التي تدير حملة دولية مكثفة في (70دولة) ـ صحيفة معاريف 22/6 ـ ، للحفاظ على مقاطعتها لحركة حماس بعد اتفاق التهدئة. الأمر الذي ينعكس بدوره ضغطاً مباشراً من الدول المانحة على الرئيس عباس، لجهة ربط المساعدات برفض الحوار مع حماس إلا إذا التزمت الأخيرة بشروط الرباعية.

تلك التوجهات الدولية ـ وخاصة الأمريكية منها ـ والتي تشكل في ظننا السبب الرئيس لتعثر الحوار الفلسطيني، ليست مبتورة؛ فمن المعلوم أن هناك تياراً مؤثراً بين مستشاري الرئيس عباس يرفضون الحوار منذ اليوم الأول لدعوته للمصالحة الوطنية، ظناً منهم أن المصالحة الوطنية أو الحوار مع حركة حماس سيذهب بـ "الامتيازات" السياسية والمادية التي يحظون بها من قبل الأطراف الدولية "الصديقة"، رغم انسداد أفق المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي.

ومن الشواهد التي نقدمها في هذا السياق، نذكر على سبيل المثال: التصريحات الإعلامية المتشددة والسلبية، المفسرة لدعوة الرئيس للحوار والمصالحة، والتي جاءت على لسان المستشار نمر حماد، ومسؤول ملف المفاوضات السيد صائب عريقات، عندما أعلنا أن "لا تغيير في موقف رئيس السلطة من الحوار، وأن التراجع عما أسمياه بـ "الانقلاب" لا يزال شرطاً واجب التنفيذ قبل الحوار" (عــ48ـرب، 7/6)، وهو أمر لم يتحدث عنه عباس في خطابه. مما يعكس وجود تيار فتحاوي رافض للحوار والمصالحة الوطنية، وهو تيار تحدث عنه السيد جبريل الرجوب (صحيفة فلسطين 22/6)، بالقول: "إن التيارات الفتحاوية الرافضة للحوار مع حماس، محاصرة ومعزولة، وأن المستنقعات التي تغذي هذه التيارات جفت، وأي حركة تصعيدية بين فتح وحماس ستكون محرجة لصاحبها" مؤكداً على ضرورة الاحتكام إلى لغة الحوار.

وفي شاهد أخر دال على مدى التردد لدى قيادة رام الله، نذكر ما تردد من معلومات عن زيارة وفد حركة فتح لغزة مؤخراً بقيادة السيد حكمت أبو زيد، حيث التقى هذا الوفد كلاً من الدكتور غازي حمد، والدكتور أحمد يوسف في فندق الديرة، للتحدث حول مفردات الحوار، وقد طلب الوفد الفتحاوي لقاءً مع رئيس الوزراء إسماعيل هنية، ووزير الداخلية سعيد صيام، وغيرهما من قادة حركة حماس، حيث جرى تحديد موعد اللقاء في الساعة التاسعة مساءً من يوم الخميس الموافق 19/6، في مقر مجلس الوزراء، ولكن قبل نصف ساعة من الموعد، اتصلت إحدى الشخصيات الفتحاوية الوسيطة بوفد حماس لإلغاء الموعد بناءً على أوامر الرئيس عباس المتواجد في صنعاء.

يبدو أن بعض العرب والفلسطينيين ما زالوا من الضعف بمكان لا يسمح لهم بالانفكاك عن قوة جذب الإدارة الأمريكية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وإلى أن يتحلى هؤلاء بالإرادة والحرية السياسية، سنبقى نبحث في خطايانا.

التعليقات