31/10/2010 - 11:02

الخروج من عنق الزجاجة ../ بقلم : د . محمد أيوب

-

الخروج من عنق الزجاجة ../ بقلم : د . محمد أيوب
من حقنا أن نتساءل بعد مرور أكثر من ستة أشهر على أحداث غزة الدامية : هل فكرت حماس وخططت لما حدث ؟ أم أن ما حدث كان اعتباطيا ومرتجلا دون تخطيط مسبق كما يؤكد بعض قادة حركة حماس حين يقولون إن الأمور تدحرجت وأن ما حدث كان مفروضا على حماس أم أن الحركة لم تخطط لما حدث ؟ ولو افترضنا جدلا أن ما حدث كان مفروضا على حركة حماس ، فقد كان من واجب قادة الحركة أن يفكروا مليا قبل أن تتسع دائرة الاشتباكات حتى لا نصل إلى ما وصلنا إليه من قطيعة بين شطري الوطن ، كان من الواجب أن تتوفر إجابة واضحة لسؤال يفترض أن يوجهه كل عاقل إلى نفسه قبل الإقدام على أي عمل حتى ولو كان هذا العمل ضئيلا جدا وليس بحجم الكارثة التي حلت بغزة وكل سكانها، ألم يكن من واجبنا أن نسأل أنفسنا : وماذا بعد ؟ وكيف ستتطور الأمور ؟ أم أن الفعل هو الذي سيطر على العقول ومن بعد ذلك يتم تدبر الأمور وبالتالي أصبحت الحركة في غزة في وضع رد الفعل الدائم.

هناك حوالي مليون ونصف مليون مواطن يقيمون في غزة باتوا اليوم يعيشون في وضع لا يحسدون عليه، هؤلاء المواطنون بحاجة إلى تصريف أمور حياتهم اليومية وتسهيل أسباب معيشتهم ، فهل فكرت حركة حماس في ذلك وهل كانت لديها توقعات لردود الأفعال الفلسطينية والعربية والدولية على ما قامت به من حسم عسكري في غزة ، لم يعد سكان القطاع بحاجة إلى المزيد من التصريحات أو إلى مشاجب لتعليق أسباب الوضع عليها ، على الجميع وفي مقدمتهم حركة حماس أن يبحثوا عن طريقة للخروج من عنق زجاجة غزة المحكومة بالحصار بدلا من الإصرار على أن الآخرين على خطأ، سكان غزة لا يحتاجون إلى التراشق بالتهم ولا إلى التبريرات مهما بلغت من الصدق أو الكذب ، الناس يحتاجون إلى عمل ، ويحتاجون إلى سيادة القانون وحرية التعبير عن الرأي ، الناس يحتاجون إلى مؤسسات توفر الخدمات لهم بدلا من تعطيل القضاء وعرقلة عمل المحاكم ، الناس لا تريد صراعات فئوية لأنهم بحاجة إلى أن يسود مبدأ الأخوة وأن يتوقف هذا التدحرج الذي يتحدث البعض عنه، لا يمكن أن تظل الأمور تتدحرج حتى تتعطل كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية عن العمل، فقد أصبح معظم الموظفين عاطلين عن العمل بسبب سياسة الإقصاء والإحلال ، كيف يمكن التخلص أو استبعاد موظف عن عمله وإحلال موظف مكانه وهو لا يعرف شيئا عن طبيعة هذا العمل .

علينا بداية أن يتوقف الجميع عن المناكفات غير المجدية ، على سبيل المثال لا الحصر : لماذا تم تعطيل عمل موظفي لجنة الإحصاء المركزي وإضاعة شهر ديسمبر الذي كان محددا للانتهاء من عملية الإحصاء ، لمصلحة من يتم هدر الزمن وتعطيل عملية الإحصاء ، ولمصلحة من يتم الاحتراب حول ما إذا كانت الإجازة يوم الخميس أو يوم السبت ، والحقيقة أننا لسنا بحاجة إلى أكثر من يوم إجازة واحد ، لأن معظم موظفينا يمارسون بطالة مقنعة ولا ينتجون شيئا ، لقد تراكم لدينا كم من الموظفين يجلسون في مكاتبهم ويشكلون عبئا على ميزانية مجتمع في طور البناء والنهوض ، فهل يحتاج هذا المجتمع إلى يومي إجازة ، ولماذا يتم رفض عرض رئيس الوزراء السيد سلام فياض بفتح معابر غزه واستعداده لتسييرها والإشراف عليها ، يجب على الجميع أن يضعوا مصالح المجتمع الفلسطيني فوق كل المصالح الحزبية الضيقة ، وليتم فتح معابر غزة للتخفيف عن سكان القطاع الذين باتوا يئنون من وطأة الحصار وبعد أن اختفت معظم الضروريات من الأسواق المحلية ، هل هذا هو جزاء سكان غزة على صمودهم وتحملهم ، يجب غض الطرف عن مثل هذه الأمور الصغيرة لأنها تفتح الطريق أمام التفاهم على الأمور الكبيرة بما يحفظ ماء وجه الجميع ويحافظ على أواصر الأخوة بين الجميع . لا بد من وقفة مع النفس ومراجعة المواقف ولا ضير في أن نعترف بأننا أخطأنا في كذا وأصبنا في مجال آخر لأن من يعمل يخطئ ويصيب ولا بد من محاسبة المخطئ ومكافأة من لم يخطئ في عمله.
علينا أن ندرس تجارب الشعوب الأخرى وأن نستخلص منها العبر ، لأن ما حدث في غزة لا يفيد إلا الخصوم الذين يفركون أيديهم فرحا وهم يرون حالة التمزق بين شطري الوطن الذي لم يتحرر بعد ولن يتحرر إلا إذا تلافينا الصراعات وتجاوزنا حالة الانقسام دون اهتمام بالمصالح الحزبية ، ودون مكابرة أو تقديم لكرامة الحزب أو الحركة على كرامة الوطن وإلا قتلنا الكبرياء الزائف الذي يقدمه البعض على كرامة الوطن والمواطن .

سأقدم هنا مثالين من تجارب الشعوب في معارك تحررها ، الأول من فيتنام قبل انتصار الثورة على الغزاة الأمريكان ، فقد استمر القتال في فيتنام الجنوبية بينما كانت المفاوضات تجري في باريس طيلة خمسة أعوام إلى حين انتصار الثورة ، كانت جبهة التحرير الفيتنامية " الفيتكونغ " تفاوض في بار يس وتقاتل في فيتنام ، ولعل الأجيال الشابة في فلسطين لا تعلم أن جبهة التحرير الفيتنامية كانت تتكون من أربعة وأربعين حزبا ثوريا كانت كلها تقاتل في إطار جبهة تحرير فيتنام الجنوبية ، تنازلوا عن خصوصياتهم وعن أنانيتهم الحزبية من أجل الوطن وتحريره ، لم يختلفوا لأنهم يدركون أنه لا مجال للاختلاف في مراحل التحرر الوطني فما بالنا إذا تجاوزنا مرحلة الاختلاف في الرأي إلى حالة من الصراع الدموي التي تبعد النصر وتجعله مستحيلا ، وبعد ، أليس من واجبنا أن نتساءل : لماذا نتحدث عن تمثيل منظمة التحرير لنا دون أن نطبق ذلك عمليا ودون أن ننصهر في بوتقتها، وبعد اكتمال التحرير يكون لكل حادث حديث.
المثل الآخر من تركيا المستقلة، فقد اختلفت وجهات النظر في تركيا بين العلمانيين وبين حزب العدالة التركي ، ذلك أن الدستور في تركيا يؤكد على علمانية الدولة، وقد دخل حزب العدالة الانتخابات على هذه الأرضية تماما كما دخلت حركة حماس الانتخابات وهي تدرك أنها من إفرازات اتفاقية أوسلو وقبلت بدولة في حدود 1967م ، واجه حزب العدالة صعوبات جمة في ترشيح عبد الله غول لمنصب الرئاسة في تركيا ، فقد قرر الحزب بعد تكرار الفشل في ذلك أن يتوجه إلى انتخابات مبكرة وفاز الحزب بالأغلبية التي تتيح له انتخاب عبد الله غول رئيسا لجمهورية تركيا العلمانية والذي تعهد بأن يحافظ على علمانية الدولة على الرغم من أن الجيش رفض أداء التحية لزوجته المحجبة ولم يتحسس من ذلك ، فلماذا لا نحاول أن نتفق على التوجه إلى انتخابات مبكرة وليفز فيها من يمنحه الشعب ثقته حتى لا نظل ننطحن بين شقي رحى الصراع الفلسطيني الفلسطيني الذي سيؤدي إلى شطب قضيتنا من أجندة اهتمامات العالم بعد أن حققنا هذا العام تواجدا ملموسا في الساحة الدولية، من واجبنا أن نطور هذا التواجد وان نجعل من العالم ظهيرا لنا في نضالنا السياسي والإبقاء في الوقت ذاته على خيار المقاومة مفتوحا إن فشلنا في نضالنا السياسي مع ضرورة أن نقوي جبهة المفاوضات حتى لا يحدث أي تنازل عن الثوابت الوطنية بدلا من التراشق بالتهم وتخوين من يفاوضون .

وأخيرا ، لا بد من التأكيد على أن المقاومة لا تنحصر في شكل واحد ناجع ، لقد اعتمد الفلسطينيون الكفاح المسلح منذ بداية الاحتلال سنة 1967 م ، وقد تجاهل بعضهم أو جلهم الكفاح السياسي والفكري والنقابي ، لقد كنت أشعر بنشوة غامرة وأنا أسمع من السجن في بداية 1968 م صوت المتظاهرين عند مفترق شارع الجلاء وهم يهتفون بسقوط الاحتلال، لم نركز على التظاهرات والإضرابات والاعتصامات وصولا إلى العصيان المدني وهو المرحلة التي تسبق الكفاح المسلح وتحضر العقول والقدرات لبدئه ، فقد علا صوت البندقية على كل ما عداها ، ولعل الأناشيد الوطنية التي كانت سائدة في ذلك الوقت كان لها دور في ذلك ( مثل "أنشودة أصبح عندي الآن بندقية" وذلك على سبيل المثال لا الحصر ) ومع أننا أطول ثورة في التاريخ المعاصر إلا أن المزيد من التراجعات كانت حصاد نضالنا لأننا لم ندرك أن علينا أن نحدد لنا هدفا موحدا يتناسب مع قدراتنا على تحقيقه وأن تكون لنا رؤية مشتركة نحدد من خلالها وسيلة أو وسائل ناجعة لتحقيق هذا الهدف بدلا من أن يتم التراجع عن الهدف الذي نحدده بعد أن نكتشف عدم قدرتنا على تحقيقه ضمن المعطيات المحلية والعربية والدولية ، فأن تأخذ القليل اليوم لا يعني بالضرورة أنك ستقر بالنازل عن الكثير، كم من اتقاقيات تم توقيعها لتمزقها حنازير الدبابات علما بأن الفلسطينيين لم يوقعوا أية اتفاقية بل وقعوا اتفاق أوسلو فقط وهو ليس اتفاقية ملزمة لأي من الطرفين إلا إذا تحول إلى اتفاقية تعالج فيها قضايا الحل النهائي ، ولعل اتفاقية عدم الاعتداء التي وقعها هتلر مع ستالين خير مثال على ذلك ، فقد تم توقيع الاتفاقية سنة 1939 م و، وفي سنة 1941 كانت الجحافل الألمانية تدق أبواب موسكو لتنال بعدها هزيمة قاسية ليدخل الروس بعدها برلين في مقدمة جيوش الحلفاء .

التعليقات