31/10/2010 - 11:02

الدوران في الحلقة المفرغة فلسطينياً../ راسم عبيدات

الدوران في الحلقة المفرغة فلسطينياً../ راسم عبيدات
.... على الساحة الفلسطينية "اختلط الحابل بالنابل"، وكل يوم نسمع "سيمفونيات" واسطوانات مشروخة عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني، والتأكيد على الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال، وأن الحوار هو الطريق الوحيد لإعادة اللحمة والوحدة للشعب الفلسطيني.

ولكن على أرض الواقع، وكما يقول المأثور الشعبي" الميه بتكذب الغطاس" وسائل إعلام من كلا الفريقين المتصارعين (فتح وحماس)، متخصصة في الردح والقدح والتشهير والتخوين، وعقد المؤتمرات الصحفية الأسبوعية، والمواطن الغلبان على أمره، أصبح تائها ولا يعرف الحقيقة هل ما جاء في هذا المؤتمر الصحفي أو ذاك من معلومات له علاقة بالحقيقة؟،أم ما ورد فيها هو مجرد أفلام ودعايات ومسرحيات مفبركة تندرج في إطار الصراع القائم بين الفريقين(فتح وحماس)، والهدف منه في الكثير من الأوقات والمناسبات التي يعقد فيها، هو منع أية حالة من التوافق والحوار، وخدمة لهذا الطرف الإقليمي أو الدولي،؟ ولماذا تتم شخصنة وحزبنة تلك الأمور..

وبالتالي"تضيع الطاسة"وحينها لا نستطيع فرز القمح من الزوان، وتصبح الساحة مرتعاً خصباً لكل المشبوهين والفاسدين والمقامرين والمتآمرين على الشعب، لتنفيذ مآربهم ومخططاتهم، دون حسيب أو رقيب، مستفيدين من حالة التشرذم والانقسام تلك. فحتى المجرم أو المشبوه الحقيقي يستطيع الإفلات من أي محاسبة أو مسؤولية، متستراً ومحمياً من هذا الطرف أو ذاك، حيث يغيب القانون والقضاء والمساءلة والمحاسبة وغيرها.

وأضف لذلك كله تصريحات شبه يومية نارية لقيادات تسمى مسؤولة، وهي في الحقيقة أبعد أو براءة من المسؤولية، كلها تصب في مصلحة الاحتلال بقصد أو بدون قصد وتصب النار على الزيت، وتؤجج من العنف والاحتراب الداخلي، وتؤسس لبناء وإقامة التجييش المليشياتي والعشائري والقبلي على نحو واسع، وبما يفضي إلى حالة من التفكك والتحلل المجتمعي، والتي بلغت معدلاتها القياسية، حتى باتت العديد من العصابات تسرح وتمرح تحت سمع وبصر الطرفين، مدعومة ومجازة نشاطاتها وزعرناتها من قمة الهرم وأجهزته، بل أنك تجد أن كل الجرائم والموبقات التي ارتكبتها وترتكبها تلك العصابات، لم تؤد إلى اعتقال أو إدانة حالة واحدة فيها، وطبعاً هذا حرصاً على "المصالح العليا للشعب الفلسطيني".

وتوفير الغطاء والحماية لتلك العصابات المجرمة، دفع بها لإقامة هياكل ومؤسسات لها تعمل بشكل ممنهج ومبرمج على هتك وتدمير النسيج المجتمعي الفلسطيني، وبث ثقافة الإستزلام والزعرنة والبلطجة والجهوية والعشائرية والفئوية في صفوفه، وصولاً إلى تصفية واغتيال المناضلين وغيرها، ومن ثم التصفية والمسح الكامل للهوية الوطنية الفلسطينية، وما قام به بعض المسلحين المتسترين بالدين الإسلامي، والذين هم براء من الدين، من هجوم وبلطجة على مقر جمعية الشبان المسيحية في غزة، يتطلب لإثبات المصداقية وإعادة الهيبة، العمل بشكل حازم وجدي لاجتثاث وتصفية تلك العصابات المجرمة، والتي تلحق أفدح الضرر بالنضال الوطني الفلسطيني، ولا تجلب له إلا المصائب والويلات.

هذه العصابات المجرمة، والتي تطرح نفسها على أنها غاية في التشدد والإيمان، وهي صاحبة الحق في التكفير والإفتاء وإهدار دم فلان أو علان من الكتاب والصحفيين والعلماء والمفكرين، تحت يافطة وشعار الإساءة للدين أو الرسول أو هذا الصحابي أو ذاك، كما حدث مؤخراً مع الكاتبة المصرية بنست رشاد، حيث أهدر عدد من المشايخ دمها، لأنها نشرت كتاباً عن (الحب والجنس في حياة الرسول)، وعدا أنها تريد تعطيل الاجتهاد والبحث عن الحقيقة، فهي في الحقيقة عصابات مجرمه وظلامية، هدفها بالأساس توفير الغطاء والمبررات للقوى المعادية لوسم نضال شعوبنا "بالإرهاب" ونخره وتشظيته وتجزئته داخلياً، ناهيك عن فرض رؤيتها وأجندتها وتصوراتها وأفكارها عليه بالإرهاب وأساليب البلطجة والزعرنة.

هناك فرق بين القوى المناضلة والتي لها بصماتها الواضحة في النضال والكفاح من حزب الله في لبنان إلى قوى الإسلام السياسي في فلسطين (حماس والجهاد الإسلامي) وغيرها من القوى الجهادية في العراق ..الخ، وبين تلك العصابات التي المجرمة من ما سمي بعصابات فتح الإسلام في لبنان، وما جلبته من دمار لشعبنا الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية هناك، وما ارتكبته من جرائم بحق الجيش والشعب اللبناني، وما تقوم به بعض القوى المشابهة من جرائم في العراق، حيث القتل على الهوية، والتفجيرات في المطاعم والأسواق الشعبية، وحتى في المآتم والأعراس وتفجير دور العبادة والمقدسات، وكل ذلك بهدف النيل وتشويه سمعة القوى المناضلة العراقية وعلى رأسها القوى البعثية والقومية والجهادية، والتي ترى أن النضال الحقيقي يجب أن يوجه لقوى الإحتلال وعلى رأسها الإحتلال الأمريكي، والقوى المأجورة والعميلة المرتبطة به.

وهذا طبعاً لا يتم من خلال الكليشيهات المعهودة بالشجب والإدانة والاستنكار ولجان التحقيق الشكلية والورقية، والتي ربما يكون جزء من القائمين والداعمين لتك الحالة جزءا منها، فالمسألة بحاجة إلى فعل وترجمات عملية على الأرض، تطول ليس فقط تلك الفئات المجرمة، بل والذين يوفرون لها الدعم والتغطية والاحتضان، والذين يعملون على بث سمومها وأفكارها في المجتمع، بحيث تنصب من نفسها الحسيب والرقيب على الناس، بل وممثلة لله على الأرض، فهي أصبحت المخولة بالتكفير والتخوين، وتوزيع الرتب والنياشين وشهادات الوطنية وغيرها.

إن استمرار الوضع الفلسطيني على ما هو عليه، من شرذمة وانقسام، ووضع اشتراطات للحوار واللقاءات بين الطرفين، وكذلك التصريحات والبيانات التوتيرية والمتشنجة، وما يرافقها من تخرصات إعلامية، فيها الكثير من الإساءة للكثير من رموز وقيادات الوطن، عبر وسائل الإعلام التي يملكها الطرفان، والتي باتت تكرس الكثير من أنبائها للقدح والذم والردح والتطاول والطعن في وطنية ونزاهة فلان أو علان، أكثر ما تتطرق إلى الجرائم اليومية التي يرتكبها الإحتلال بحق شعبنا الفلسطيني، مما يوفر له الغطاء للإمعان في تلك الجرائم، ناهيك عن أن الشرذمة والانقسام، وغياب البرنامج والإستراتيجية الموحدتين، باتت تشكل مخاطر جدية على المشروع الوطني الفلسطيني ومستقبله، فهناك الكثير من المشاريع المدفونة لتصفية القضية الفلسطينية، مثل الخيارين المصري والأردني، أخذت تخرج من الأدراج ويجري النقاش وعنها وحولها بشكل جاد، والاستمرار الفلسطيني في الحلقة المفرغة، وما يرافق ذلك من البعثرة والانقسام، من شأنه أن يمهد الطريق لتطبيق مثل هذه المشاريع، وتصفية القضية والمشروع الوطني.

التعليقات