31/10/2010 - 11:02

الذكرى الأولى لانتصار الإرادة والصمود../ عبدالله علي العليان

الذكرى الأولى لانتصار الإرادة والصمود../ عبدالله علي العليان
حلت منذ عدة أيام الذكرى الأولى لانتصار المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله على الكيان “الإسرائيلي” الذي يمكن أن يهزم ويقهر على يد كل من يريد أن ينال حريته وسيادته وقراره الحر المستقل.

وهذا الوهم الذي ساد بأن “إسرائيل” لا تقهر كان يتكئ على الانتصارات التي حققتها في حروبها السابقة على الدول العربية خاصة في حرب 1967 التي لم تكن حرباً بالمعنى التقليدي للحروب، إنما كانت هزيمة قبل أن تتلاقى الجيوش العربية مع الجيش “الإسرائيلي”، ومن الخطأ أن تتحمل الجيوش العربية الهزيمة جراء قصر نظر القادة العسكريين وارتباكهم وضعف قدراتهم، وتلك مسألة لها تقييمها الخاص، ولذلك فان “إسرائيل” لا تزال تعيش في الوهم القديم بأنها قادرة على الردع والقهر والسحق بالحرب الخاطفة السريعة، خصوصاً لجهة تفوقها الجوي المدعوم أمريكياً.

لكن حرب يوليو/ تموز 2006 “الإسرائيلية” على لبنان قلبت الموازين والمقاييس رأساً على عقب، إذ بينما كانت “إسرائيل” تهاجم المدنيين وتدمر القرى والبلدات والبنى التحتية فإن المقاومة اللبنانية ردت بقصف المستوطنات والمدن بالصواريخ، وذلك لأول مرة في تاريخ “إسرائيل” العسكري، وبرز للمتابع ذلك الصمود البطولي والتكتيك العسكري للمقاومة في هذه الحرب، وهذه بلا شك مرحلة لم تعرفها “إسرائيل” في المواجهات العسكرية من قبل مع العرب.

كان هدف “إسرائيل” العسكري من هذه الحرب -كما يقول عزمي بشارة- هو استعادة “هيبة الردع”، وهي من أسس العقيدة الأمنية “الإسرائيلية”. وهذه لم تستعد ولم ترمم، بل تضررت في هذه الحرب، إذ تبين أن اعتمادها على سلاح الطيران يخرب ويدمر ولكنه لا يردع مقاومة حفرت وتخندقت عميقاً في الأرض.

واضح أن النموذج المفضل لرئيس أركان العدو السابق دان حالوتس هو نموذج قصف صربيا بطائرات الناتو لمدة 72 يوماً أو قصف العراق. وفي الحالتين لم تكن هناك مقاومة بل ديكتاتوريات لا تتحمل شعوبها ثمن الصمود للدفاع عنها.

والاتفاق الذي تم بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” على تمديد هذه الحرب لم يفلح أيضاً، واشتعلت روح المقاومة، وازداد سقوط الصواريخ على “إسرائيل” مما أربك العالم كله، ولفت أنظاره إلى قدرة المقاومة على الصمود وهو ما لم تحققه دولة عربية أخرى في الحروب السابقة.

والغريب أن توماس فريدمان عندما تحدث بعد الحرب عن الدمار الذي لحق بلبنان وشعبه جراء الحرب “الإسرائيلية” المفتوحة والمعاناة التي ترتبت على هذا القصف والتدمير والتهجير.. لم يسأل نفسه: هل هذه هي أخلاق الحرب؟ هل هذا التدمير سيجعل اللبنانيين يركعون أمام “إسرائيل” ويذعنون لشروطها ويسلمونها الأسرى ويطردون المقاومة من أرضهم، ويبدأ بعد ذلك تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يجعل “إسرائيل” قائدة للمنطقة ومحدداً لخياراتها وأسلوب حياتها ونموذج ثقافتها.

وبعد ذلك من قال إن التدمير والقصف والأهوال تجعل من أي شعب من الشعوب يستسلم للعدو، أياً كان هذا العدو؟

إن المملكة المتحدة في الحرب الكونية الثانية تعرضت للقصف العنيف من قبل القوات النازية، وكانت الغارات الجوية متواصلة على العاصمة لندن، ويذكر البعض الذين تحدثوا عن هذا الهجوم العنيف على المملكة المتحدة في هذه الحرب أن نصف مدينة لندن دمر تماماً. ولكن القائد البريطاني الشجاع تشرشل رفض الاستسلام كما استسلم غيره في هذه الحرب، واستطاع الصمود والدفاع والمقاومة، على الرغم من الأهوال التي حصلت لبريطانيا، وفي النهاية انتصرت بريطانيا وتحقق النصر للحلفاء وهزمت ألمانيا.

إن التدمير والخسائر والدماء لا يمكن أن تجعل شعباً من الشعوب يطأطئ رأسه للعدو لمجرد التفوق العسكري أو القمع اللا إنساني.. والمقاومة اللبنانية على الرغم من البون الشاسع في قدراتها العسكرية مع ما تمتلكه “إسرائيل” استطاعت أن تهزم الغطرسة وغرور القوة، وأن تحقق الردع العسكري مع التفاوت في القدرات والإمكانيات. ان إرادة الصمود والثبات على الحق جعلت المقاومة قادرة على منازلة “إسرائيل” بل وإعطائها دروساً حتى في العسكرية التقليدية، كما حصل في معارك الجنوب.

أما الأمم المتحدة فلم تقم بواجبها السلمي على الوجه الأكمل وأصبحت كأنها منحازة في هذه الحرب، ويرجع البعض السبب إلى هيمنة الولايات المتحدة على المنظمة الدولية. والإشكالية كما يقول د. حسن نافعة أن الفيتو أصبح مسلطاً على رقبة العدالة ولم يعد مجالاً للتوازنات الدولية، وهذا بلا شك يؤكد الخلل الذي أصاب هذه المنظمة وضرورة إصلاحها وتوسيعها.. وإلا فلماذا لم تقم بأداء فعالية كبيرة لوقف العدوان والبطش والتدمير وقتل الأبرياء والآمنين، وترويعهم في مناطق مدنية خالصة في ضواحي بيروت.

ونتائج هذه الحرب الباطشة تظهر لكل متابع أن هذا الكيان بدأ في الانحدار والتراجع السياسي والعسكري، والنصر الذي حققته المقاومة اللبنانية فيه الكثير من العبر والدروس يجب نحن العرب أن ندرسها جيداً في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، فإذا كانت المقاومة اللبنانية بإمكانياتها العسكرية المتواضعة -عدا الإيمان والإرادة والصمود- استطاعت أن تقهر “إسرائيل” وأن تردعها وتوقف جبروتها، فإن الأمة العربية قادرة على استعادة حقوقها بكل الأوراق المتاحة شريطة التوظيف الإيجابي والكامل لإمكانياتها وقدرتها وصمودها.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.


"الخليج"

التعليقات