31/10/2010 - 11:02

السدود التركيّة والمشاريع الإيرانيّة تصحّر العراق../ علاء اللامي*

السدود التركيّة والمشاريع الإيرانيّة تصحّر العراق../ علاء اللامي*
لكأنّ ما في العراق من مصائب لا يكفيه حتى تفاقمت كارثة جديدة ـ قديمة، وهدّدت وجوده الكياني هذه المرّة، كوطن وشعب وحضارة عريقة ارتبطت منذ البدايات الأولى بوجود نهريه العتيدين، دجلة والفرات، اللذين منهما استمدّ اسمه القديم «ميزوبوتاميا» أي بلاد بين النهرين. فقد تسارعت الأنباء أخيراً ناقلة تطورات خطيرة تشي بالتحوّل تدريجياً إلى كارثة وطنية شاملة: انتهت السلطات الإيرانية من حجز مياه نهر «ألون» الذي ينبع من جبال «دالاهو» داخل أراضيها، وجففت امتداده العراقي ولم يبقَ إلا رافد واحد يزوّد نهر ديالى هو «سيروان» المهدد هو الآخر بالجفاف، ليتم هكذا محو واحد من أهم أنهار العراق من الوجود. الجدير بالتذكير أنّ مشروع تجفيف نهر ديالى هو مشروع إيراني قديم، بدأ نظام الشاه تنفيذه في السنوات الأولى لقيام الجمهورية العراقية، كجزء من حرب الغرب الإمبريالي ضد النظام العراقي الوطني الجديد آنذاك.

هذا بخصوص «الجبهة» الإيرانية، أما المشاريع الإروائية التركية وشبكة السدود العملاقة التي باشرت الحكومات التركية المتعاقبة بإنشائها منذ عقود عدة، فتمثّل خطراً أكبر بما لا يقاس من الخطر الإيراني. فإذا كان هذا الأخير يتهدّد وجود رافد هنا ونهر هناك، فإن مشاريع تركيا الأطلسية تستهدف وجود الرافدين العظيمين، دجلة والفرات كليهما، بدعوى معادية معلنة لا سرية، قالها رئيس تركيا الراحل سليمان ديميريل في مؤتمر صحافي عام 1992 ومفادها: إذا كان النفط ملك للعرب، فمياه دجلة والفرات ملك لتركيا!

ولكي يأخذ القارئ فكرة وافية عن فداحة الخطر المحدق بالعراق وشعبه، نسوق هذه الباقة من الحقائق والمعطيات عن الوضع المأساوي الذي آل إليه الوضع الإروائي والزراعي والإنساني في العراق، بسبب حبس مياه الرافدين خلف السدود التركية العملاقة والمعدة لتحويل المياه إلى سلعة نافقة تصدّر إلى دول الخليج وإسرائيل عبر ما يسمى «أنفاق مياه السلام»، لتدر المليارات على حكام تركيا، وليدفع العراقيون الثمن باهظاً، فيُصحّر بلدهم:
يتوقع الخبراء والمتخصصون تراجع منسوب المياه في دجلة والفرات بسبب نقص في مواردهما الآتية من تركيا إلى العراق، إلى جانب انخفاض معدل الأمطار في البلاد، إلى ما دون 50 في المئة عن معدلاتها الطبيعية.

أما وزير الموارد المائية العراقي، عبد اللطيف جمال رشيد، فتوقع أن تصل نسبة العجز في مياه الأنهار المشتركة الواصلة إلى العراق من هذه الدول إلى أكثر من 33 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2015، بعد انخفاض منسوب مياه نهر دجلة عند اكتمال مشروع سد «اليسو» التركي المتوقع انتهاء العمل به عام 2010. ومن خلال مشروع الغاب، ستتأكد قدرة تركيا على التحكم بمياه نهر الفرات وتراجع الواردات المائية لسوريا والعراق جراء انخفاض منسوب هذا النهر، حيث يتوقع الخبراء تراجع حصة العراق من 29 مليار متر مكعب في العام إلى ثلاثة مليارات متر مكعب فقط عام 2010، أي بنسبة 90 في المئة».

ليس الموضوع بعيداً عن السياسة كما قد يظن البعض، فنجم عودة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ذي قار، ينظر إلى المشروع التركي على أنه «ورقة ضغط سياسية لا تمثّل مفاجأة ما دامت تركيا منذ عشرينيات القرن الماضي ترفض توقيع أي اتفاقية لتقسيم المياه». وقد نقلت وكالة الأنباء الكويتية عن بيان للحكومة العراقية أن هناك نقصاً حاداً بالموارد المائية للعام الحالي، حيث بلغت نسبة الموارد المائية لنهر دجلة وروافده 45 في المئة من المعدل العام، و69 في المئة لنهر الفرات من المعدل العام.

خبير المياه العراقي المعروف، حسن الجنابي، قال إن الأمر يزداد حراجة مع الوقت بسبب الحاجة المتزايدة إلى المياه في هذه الدول، حيث أعلنت تركيا أنها ستستخدم 21 مليار متر مكعب سنوياً من مياه دجلة والفرات، وقدرت سوريا حاجتها من الفرات بأكثر من 8 مليارات متر مكعب في السنة، فيما تستمر إيران بوتيرة عالية في إنشاء سدود حجبت وتحجب مليارات أخرى، وحيث إنّ هذه الكميات الكبيرة من المياه كانت من حصة العراق منذ الأزل، وهو ما يهدد حياة ثلث سكان العراق.

وأخيراً، فقد توقعت مصادر مائية عراقية أن يشهد العراق عجزاً مائياً بمقدار 33 مليار متر مكعب عام 2015، وفقدان 40 في المئة من أراضيه الزراعية وعودة الجفاف إلى أهواره...
كيف ردّ الحكم العراقي على هذه التحديات الخطيرة؟ حتى الآن لم تخرج ردود أفعال الحكم من دائرة التصريحات الآنية المتباينة المضامين، والإجراءات الترقيعية، والمناشدات البلاغية الموجهة إلى الجانب التركي.

أما الإجراءات الإيرانية فقد جرى تناسيها، ولم يعلق عليها إلا بعض النواب والمصادر الصحافية في إقليم كردستان، وهذه كلها ردود واهية، لا تنسجم مع فداحة الخطر المحدق بالعراق ورافديه. كما أن إصرار تركيا على رفض عقد اتفاقية دولية لتقاسم مياه دجلة والفرات، ورفضها تدويل الخلاف، واعتباره شأناً داخلياً تركياً، تأسيساً على اعتبارهم النهرين تركيين عابرين للحدود وليسا نهرين دوليين قابلين للقسمة المتساوية بموجب القوانين الدولية، يزيد من حراجة الخطر ويحوله إلى عدوان تركي شامل على العراق.

هذا أمر يوجب على أي حكم وطني عراقي منشود، وبالتعاون والتنسيق مع الحكم السوري كطرف متضرر من العدوان التركي، تغيير قواعد اللعبة الجارية، والتخلي أولاً عن الحلول الترقيعية ولغة المناشدات، ونقل الخلاف ثانياً إلى الهيئات الدولية كمحكمة العدل الدولية وهيئة الأمم المتحدة، وثالثاً، وهو الأهم، التوقف فوراً عن تصدير النفط العراقي عبر خطوط النقل التركية، والاستعاضة عنها بموانئ الجنوب وبخط بانياس السوري المعطل منذ عقود، ورابعاً وأخيراً تحويل القضية إلى قضية رأي عام مصيرية وتثقيف الرأي العام العراقي والعربي والعالمي بخلفياتها وآفاقها.
"الأخبار"

التعليقات