غادر مصطفى العقاد حلب وفي جيبه مصحف كريم ومبلغ مئتي دولار، هي كل ما استطاع أن يوفره الأب البسيط لابنه الطموح.
ذات يوم منتصف الخمسينات حين قرر مصطفى أن يذهب إلى هوليوود ليصبح مخرجاً كان يسمع عبارات التهكم من حوله تقول له "احلم على قدك" ولكن أمام الإصرار للشاب العشريني المتحمس للسينما، والذي أنهى للتو دراسته الثانوية لم يجد والده سبيلاً إلى ردع ابنه عن فكرة السينما سوى بتوفير المئتي دولار ليغامر بعدها الشاب صوب المجهول مخترقاً عالماً صعباً في مدينة الأضواء حيث ينتشر اللوبي اليهودي انتشاراً قوياً داعماً السينما الموجهة لخدمة قضايا الصهيونية.
كان رد العقاد على ذلك بفيلمين دخل من خلالهما بوابة الأسطورة والحلم ففي عام 1976 قدم فيلم "الرسالة" وفي عام 1981 قدم فيلم "أسد الصحراء"، وقد تحول الفيلمان إلى قمتين من قمم السينما العالمية الجادة التي ترسخ في ضمير وذاكرة الأجيال.
حلم العقاد بفيلم ثالث عن صلاح الدين تبدد مرة لعدم توفر التمويل وأخرى لتشرذم الأمة وثالثة لأسباب محبطة وما أكثرها.
لقد رحل مصطفى العقاد (68) بطريقة تراجيدية صدمت مخيلة العالم فهو لم يكن شخصاً عادياً وكان له الكثير من الرصيد الإيجابي في قلوب الناس، ولم يخطر ببال أحد أنه سيكون هدفاً لأحد ما أو في مكان ما، لكن الإرهاب الذي يلاحق الأبرياء في كل مكان وجد في العقاد صيداً سهلاً، لكي يحصده مع العشرات في تفجير فندق "الحياة" مع ابنته.
ترى هل أدرك الانتحاري الذي فجر نفسه بالعشرات أية خدمة يقدمها لأعداء أمته ودينه، وهل أدرك أن هؤلاء الذين أقدم على قتلهم هم أبناء أوفياء لأوطانهم، وإنه لم يكن يعرف أحداً منهم، ولكنه يعرف طريقاً واحداً للموت، فقد أعماه البغض والحقد عن جميع الطرق الأخرى.
لقد قدم العقاد خدمات جليلة للعرب والمسلمين، فهو عبر فيلم الرسالة حول الشريط السينمائي إلى قصة روحية يتأثر بها كل من يشاهدها، وأسهم عبر ذلك الفيلم بتعريف الغرب بالإسلام ونقل إليهم روحانيات عالية وأخلاقاً كريمة تنهي حتى عن قطع شجرة، فما بال الإرهابي يقتل العشرات دون ذنب.
كما ساهم العقاد في تحويل قصة عمر المختار الشخصية المشهورة في التاريخ العربي من مجرد بطل في الصحراء الليبية إلى بطل في الحياة، منه تستلهم الأجيال عبراً وحكماً وأخلاقاً، وعلى خطاه سارت الملايين.
أي عمل جبان هو الذي يزهق أرواح الناس دون حق، وأي خدمة لقضية عادلة لا تقوم إلا بقتل الأبرياء ومن يقبل بعمل كهذا في أي دين أو عرف.
لا أحد في ظني يفعل ذلك سوى الذين يخدمون مصالح أعداء وطنهم ويقدمون لهم الخدمات المجانية على أطباق ذهبية. وبخسارة العقاد خسر العرب والمسلمون الكثير وخسرت قضاياهم أكثر، فقد كان الرجل صاحب رؤية عميقة لنقل حضارة وتاريخ أمته إلى العالم ولكنهم لم يروا من ذلك شيئاً سوى السواد الذي ملأ أعينهم فحجب عنهم ضوء الشمس.. أيهما خدم الإسلام؟ مصطفى العقاد، أم أبو مصعب الزرقاوي؟
"البيان"
التعليقات