31/10/2010 - 11:02

الفلسطينيون وانسداد الأفق / هاشم حمدان

-

الفلسطينيون وانسداد الأفق / هاشم حمدان

ربما تبعث على الدهشة، للوهلة الأولى، ردود الفعل الإسرائيلية الأولى على العملية الإستشهادية الأخيرة في تل أبيب. فقد سارعت وسائل الإعلام إلى إلصاق العملية بحركة الجهاد الإسلامي، ثم غيرت موقفها ووجهت التهمة إلى أحد أجنحة كتائب الأقصى المدعومة من حزب الله، وبالتالي فحزب الله وسورية يتحملان المسؤولية. ومع نفي الجهاد الإسلامي وكتائب الأقصى وحزب الله لمسؤوليتهم عن العملية، أصدرت محكمة إسرائيلية قراراً بمنع النشر عن التحقيق في العملية ومن يقف وراءها. وبعد أن تداركت الحكومة والأجهزة الأمنية حقيقة الموقف بادرت إلى "لصق" العملية بحركة الجهاد الإسلامي وتحميل سورية وقيادة الحركة في دمشق المسؤولية عن إتخاذ القرار بتنفيذها. كما بادر موفاز إلى إتهام السلطة الفلسطينية بعدم إتخاذ خطوات كافية وتدابير أمنية، تنفيذ إعتقالات مثلاً، من شأنها منع وقوع مثل هذه العمليات رغم أن منفذ العملية، كما تقول إسرائيل، هو من بلدة دير الغصون التي "تشرف" عليها قوات الإحتلال!! وبالنتيجة فقد تذرعت حكومة شارون بالعملية للتنصل من إطلاق سراح 400 أسير فلسطيني (في الغالب ستنتهي محكوميتهم قريباً!) وتعليق تسليم خمسة مدن فلسطينية للسلطة، كما قررت العودة إلى سياسة الإغتيالات ومطاردة عناصر الجهاد الإسلامي، واشترطت إستمرار الإتصالات السياسية بأن تقوم السلطة باعتقال "مطلوبين" وتصفية منظمات "الإرهاب"!!

"إن إستوى فسكين وإن اعوجّ فمنجل" هكذا خبر الشعب الفلسطيني شارون، ومن الواضح أن الأخير يؤرقه عدم نشوب حرب أهلية فلسطينية ولا يروق له أيضاً الحديث الفلسطيني الذي لا ينقطع عن عودة اللاجئين، كما لا يرضيه المضي في إعتبار القدس عاصمة لفلسطين، ويزعجه التعجل الفلسطيني للوصول إلى الحوار حول الحل الدائم، وبالتالي فهو يسعى إلى التأجيل والمماطلة في تنفيذ ما يسميه "تنازلات مؤلمة وبوادر حسن نية"، مأربة لا حفاوة، والتي قد تستقدم الحوار حول الحل الدائم، خاصة وأن الظروف الدولية تدفعه إلى الإعتقاد بإمكانية تحقيق مكاسب لم يكن يحلم بتحقيقها قد تصل إلى حد الحلم بتصفية القضية الفلسطينية نهائياً.

إلا أنه وكما تفيد التجربة الفلسطينية الطويلة المريرة الدامية بجميع إخفاقاتها ونجاحاتها و"كرّها وفرّها" ، أن الشعب الفلسطيني لم يرض أبداً أن يستسلم أمام التباين الرهيب في موازين القوى وأمام الأفق المسدود. إبتداءاً من النكبة عام 48 و"تجربة" الأردن ومن ثم إنتقال مركز ثقل المقاومة إلى لبنان وبعدها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.

وفي كل مرة ينسد فيها الأفق، وفي ظل رأي عام عالمي يتظاهر بعذاب الضمير وينطلق من باب " إن من اعتاد المشي قد يرضى بأي شيء يركب"، يبتكر الفلسطيني أساليب نضالية جديدة يمارسها حتى تستنفذ لينتقل إلى أسلوب نضالي جديد؛ العمل الفدائي بجميع أشكاله (تسلل عبر الحدود وشن هجمات مسلحة وزرع متفجرات واحتجاز رهائن وخطف طائرات..)، والإنتفاضة الأولى (الحجر) والإنتفاضة الثانية (البندقية والقسام والعمليات الإستشهادية)، وكل ذلك لشق الأفق المسدود ثانية حاملاً قضيته وهمومه وأحلامه إلى بدايات جديدة في مواقع جديدة.....
 

التعليقات