31/10/2010 - 11:02

القمة مناسبة إعلامية.. / محمود الريماوي

القمة مناسبة إعلامية.. / محمود الريماوي
منذ قمة بيروت قبل أربع سنوات، بدأت القمة العربية تتحول سنوياً، الى حدث يطغى فيه الجانب الإعلامي على المضمون السياسي. الفضائيات ومواقع الإنترنت تجد في هذا الحدث “الساخن”، مناسبة لإنتاج وتسويق كم هائل من المواد، والتسابق والتنافس على ذلك. الجمهور يجد في المناسبة ضالته، لإشباع فضوله برؤية عدد كبير من القادة يجتمعون، فيما تثور تساؤلات كل مرة حول غياب بعضهم الآخر. المتابعات الحية والمباشرة تكسر معهود البرامج والفقرات المألوفة، وعلى الأخص المشاهد الأليمة التي لا تتوقف، والمبثوثة من العراق وفلسطين ودارفور والصومال.

المعلومات التي تتسرب من أروقة القمة قليلة وشحيحة في العادة، ولذلك تزدهر التكهنات والتوقعات، المصحوبة بقدر كبير من التقارير والتحليلات والانطباعات. وأمام ذلك لا يلبث الجمهور أن يستشعر إحساساً بالتخمة أمام هذا التدفق والغزارة، والذي لا يجيب في النهاية عن تساؤلات بسيطة، من قبيل: القادة ماذا هم فاعلون؟ وبماذا يختلف اللقاء الجديد عما سبقه من مؤتمرات؟ وعلى ماذا يتفق ويختلف المؤتمرون؟

أجل لقد تحولت القمة الى مناسبة إعلامية، وأخذت تفقد أكثر فأكثر مضمونها السياسي، كحدث يمكن أن يكون له ما بعده. والإشارة الى قمة بيروت في مستهل هذا المقال، يقصد بها التذكير بمبادرة السلام التي تمخضت عنها تلك القمة: سلام كامل مقابل انسحاب كامل.

لقد وصفت المبادرة حينها، بأوصاف إيجابية شتى، غير أن ما حدث بعدئذ، هو الفشل في جعلها ناظماً للتحرك السياسي والدبلوماسي. لقد رفضها الجانب الآخر، وجرى عمليًا التعامل مع هذا الرفض ذريعة لعدم استثمار المبادرة، بدلاً من استثمار الرفض لإطلاق هجوم سياسي على الرافضين ومن يواليهم.

وفي واقع الأمر أن السياسة الدفاعية التي تعتصم بانتظار أن يقوم الأعداء والخصوم ب “تحكيم ضمائرهم” وإلا قمنا ب “التوسل إليهم”! حسب تصريح شهير، هي التي جعلت الزعامات العربية تتخلى فعليا عن هذه “الورقة”، رغم انها في اصدائها الأولية اربكت الجانب الآخر، غير أن هذا الارتباك سرعان ما انتقل الى الجانب العربي، الذي لم يعد يعرف ما يسعه أن يفعل بهذه “الورقة”، حتى تحولت الى مجرد ورقة دون أهلة.

ومع ذلك فالمرء لن يفاجأ إذا ما قامت قمة الخرطوم ب “التذكير” بمبادرة السلام العربية، أو قفزت عنها، فالأمران سيان. ذلك أن العرب هم الطرف الذي يتعين، أن يستذكر هذه المبادرة قبل سواه، وأن يضعها في صلب الحركات والنشاطات، أما إذا جرى تجاهلها فلن يضيف ذلك جديداً، لأن هذا التجاهل قائم وساري المفعول منذ أمد طويل.

وقد تكون أكبر الفوائد المتوخاة والمتحققة، هي التعريف إعلاميا بالبلد المضيف، وهو هذه السنة السودان شبه المنسي من أشقائه، وحيث الأنباء عن دارفور هي أضعاف الأنباء التي تتعلق بالعاصمة الخرطوم. وهو ما سيدفع المضيفين السودانيين للتذكير بإنجاز اتفاقية السلام التاريخية مع المتمردين السابقين في الجنوب الذين باتوا شركاء في الحكم، والحديث عن فرص الاستثمار في هذا البلد الشاسع، الغني بموارده الطبيعية والبشرية، والذي يحتفل هذه السنة بالذكرى الخمسين لاستقلاله، متطلعاً لاستدراك ما فاته من فرص البناء والتنمية. عسى أن يمتد الحضور الإعلامي للدولة المضيفة، الى ما بعد انفضاض سامر القمة، وأن يعرف الأشقاء طريقهم مرة أخرى الى هذا البلد، بعد انقضاء هذه المناسبة التي صودف أنها وقعت هناك.

التعليقات