31/10/2010 - 11:02

اللاجئون العراقيون ... كارثة منسية!../ محمود مبارك*

اللاجئون العراقيون ... كارثة منسية!../ محمود مبارك*
ثمة سؤال يقلقني وأنا أتابع ما أسميه «كارثة إنسانية» للاجئين العراقيين الذين هُجِّرُوا بسبب العدوان الأميركي - البريطاني الوحشي على بلادهم، والذين بلغ عددهم قرابة خمسة ملايين لاجئ حتى اليوم. هذا السؤال هو: لماذا نسي العالم بأسره هذه الأزمة الإنسانية؟

فحين يصل معدل عدد لاجئي أي بلد إلى أكثر من ألفي لاجئ يومياً، فواقع الأمر أن هناك كارثة إنسانية خطيرة، ولكن حين لا يكترث العالم بهذه المأساة فالأزمة الإنسانية تصبح أزمة أخلاقية وقانونية دولية خطيرة!

ذلك أن أعراف الدول وأخلاقياتها جرت على عادة مساعدة المنكوبين في كل مكان. بل حتى الدول الغنية التي تصاب بكوارث طبيعية عادةً ما تتلقى معونات مادية ومعنوية من بقية بلدان العالم. فعلى سبيل المثال، حين ضرب إعصار كاترينا جنوب الولايات المتحدة في خريف عام 2005، هبت دول العالم - ومنها الدول العربية - لنجدة الدولة الأغنى والأقدر في العالم والتي لم تكن بأي معيار محتاجة إلى مساعدة مادية! فسخت أيدي العرب العاربة والمستعربة، إما رغبة أو رهبة بمئات البلايين من الدولارات لبلاد العم سام المنكوبة.

بيد أن أمر مأساة اللاجئين العراقيين مختلف جداً. فهؤلاء في الأصل قوم غير محتاجين إلى صدقات الأغنياء، وإنما اضطرتهم ظروف العيش غير الآمنة التي تسبب بها الغزو الأميركي - البريطاني على العراق إلى الهروب من بلادهم، حفظاً على أرواحهم وأرواح أولادهم. فالمسؤولية المباشرة في واقع الأمر تقع على الحكومتين الأميركية والبريطانية اللتين تسببتا في إخلال الأمن في بلادهم. ومع ذلك فلم تُشَرِّع أيٌ من الدولتين أبوابها لاستقبالهم. كما لم تمتد الأيادي الأميركية والبريطانية لمساعدة الدولتين اللتين تستضيفان أكبر عدد من هؤلاء اللاجئين وهما سورية والأردن. ومن يدري فربما تكون الحكومتان الأميركية والبريطانية قد شُغلتا بنفقات الحروب عن مساعدة اللاجئين؟!

ففي سورية حيث يقيم قرابة مليون ونصف المليون لاجئ عراقي، تبدو أوضاعهم المادية والمعنوية مأسوية بكل المعايير، حيث ذكرت دراسة صادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قبل أيام عدة أن 90 في المئة من اللاجئين العراقيين المقيمين في سورية يعانون من الاكتئاب، بسبب أوضاعهم المعيشية المأسوية ومستقبلهم المجهول.

وعلى رغم الدعوات المتواصلة للمفوضية العامة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة العفو الدولية الى المجتمع الدولي عموماً والولايات المتحدة وبريطانيا خصوصاً، لتحمل مسؤولياتهم تجاه الوضع الإنساني الكارثي للاجئين العراقيين، إلا أنه يبدو أن هذه الدعوات لم تعد تصل إلى العالم الذي يصمّ أذنيه ويعمي عينيه عن هذه الكارثة الإنسانية. وفي الوقت الذي لا يليق بالعالم أجمع أن يتخلى عن مسؤولياته القانونية وأخلاقياته الدولية في مساعدة المنكوبين من اللاجئين العراقيين، إلا أن هذه الكارثة الإنسانية يتحمل وزرها بالدرجة الأولى مَنْ أشعل فتيل النار في العراق عام 2003.

ولعل من المفارقات غير المفهومة هو ما تنفقه الولايات المتحدة على حربيها في أفغانستان والعراق - الذي جاوز تريليون دولار - في حين ترفض تحمل جزء يسير من تبعات هذه الحروب في ما يتعلق بحماية الفارين من ويلات الحربين اللتين تسببت هي ذاتها بهما!

فالكثير من أبناء المنطقة لا يستطيعون فهم إصرار الولايات المتحدة على زيادة نفقاتها العسكرية، في حين تتلكأ وتتعثر في مجرد درس طلب مساعدة لتلك الدول! ماذا لو كانت الولايات المتحدة قد أنفقت عشر ما تنفقه على حروبها العدوانية في شكل مساعدات مالية في أفغانستان والعراق؟ ترى هل كان سيبقى لها أعداء في المنطقة؟

لماذا لم تفعل الولايات المتحدة مع العراق وأفغانستان كما فعلت مع ألمانيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في مشروع مارشال حين أسهمت الولايات المتحدة في إعادة بناء أوروبا؟ أليست هذه الدول أحق بصفتها ضحية الاعتداءات الأميركية غير المبررة؟ هل الجنس الأوروبي يستحق المساعدة لأجل النهوض في حين لا يستحق اللون الداكن مثل ذلك؟

المثير للسخرية هو أن العراق في الأصل دولة غنية وغير محتاجة إلى الصدقات الأميركية - البريطانية، وكل ما يطلبه العراقيون الأحرار هو أن تترك الولايات المتحدة العراق وشأنه ليتولى بنفسه شؤونه الاقتصادية، من دون تدخل أو «مساعدة» أميركية. ولكن حيث آلت الأمور إلى ما آلت إليه فإن أبسط ما يطلبه اللاجئون العراقيون هو حقهم القانوني الدولي في المساعدة المنصوص عليها بموجب المواثيق الدولية.

السيئ في الأمر هو أن الولايات المتحدة اليوم تمارس عبر وسطائها ضغوطاً على كثير من هؤلاء اللاجئين العراقيين للرجوع إلى بلادهم، على رغم ما في ذلك من مخالفة صريحة للمادة الثامنة من النظام الأساسي للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تنص على أن «مهمة الحماية الدولية تشمل منع الإعادة القسرية للاجئين». ومن يدري فربما كانت الولايات المتحدة تريد أن تعيد إلى هؤلاء المساكين روعة الإحساس في البقاء بالبلاد طبقاً للمثل الأميركي القائل (Home sweet home)!
"الحياة"

التعليقات