31/10/2010 - 11:02

المبادرة الأمريكية مؤجلة.. الانتظار سياسة قاتلة../ هاني المصري

المبادرة الأمريكية مؤجلة.. الانتظار سياسة قاتلة../ هاني المصري
سارعت الإدارة الأمريكية إلى نفي الأنباء التي ترددت نقلا عن اثنين من كبار مسؤولي الإدارة نفسها، ونشرت قبل أيام من ديفيد اغناتيوس في واشنطن بوست الأمريكية حول ونشرها خطة للسلام سيطرحها الرئيس الأمريكي في الخريف القادم، وأن الخطوط العريضة لها ستبنى على التقدم الذي سبق إحرازه في المفاوضات السابقة.

لقد نفى جيمس جونز مستشار الرئيس للأمن القومي هذه الأنباء قائلا، بان الإدارة الأمريكية لم تتخذ " في المرحلة الراهنة " أي قرار حول مقاربة جديدة لإحياء عملية السلام، وأضاف: إننا لا ننوي في أي وقت كان مفاجأة احد، وأي إجراء سيتخذ يرمى إلى تعزيز أمن إسرائيل وقيام دولة فلسطينية ذات سيادة.

إطلاق الأخبار حول المبادرة الأمريكية للسلام ونفيها مع إبقائها محلقة بالأجواء كسيف مسلط على إسرائيل يدل على أن الإدارة إما أنها تفكر بالضغط على إسرائيل من اجل استئناف المفاوضات وعينها مصوبة نحو ضرورة الاستعداد لطرح مبادرة سلام في الوقت المناسب، لأن استئناف المفاوضات وحده وبدون مبادرة لا يكفي.

أو أن الإدارة الأمريكية تكتفي بمجرد التلويح بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لكي تقبل بالطلبات الأمريكية الهادفة لاستئناف المفاوضات من خلال وضعها أمام احتمالات أصعب إذا لم توافق عليها.

أو أن الإدارة الأمريكية تراجعت بسرعة مرة أخرى بعد الرفض الإسرائيلي لإطلاق المبادرة وساعد على هذا التراجع أن المشاورات التي أجرتها مع الخبراء وكبار المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين أظهرت تباينا في الآراء بين من يطالب بأخذ اعتبارات رئيس الحكومة الإسرائيلية المكبل بائتلاف حكومي متطرف بالحسبان وعدم الضغط عليه، ولقد طرح هذا الرأي من قبل دينيس روس، ويترتب على هذا الرأي عدم الانشغال الأساسي باستئناف المفاوضات بل التركيز على تحقيق انجازات أمنية واقتصادية.... الخ على الأرض، ويدافع عن هذا الاتجاه توماس فريدمان ومارتن أنديك واليوت أبرامز وغيرهم وبعضهم وصل إلى حد المطالبة بعدم إعطاء الأولوية لقضية الشرق الأوسط بل لقضايا أخرى، وترك الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لكي يواجها الوضع لوحدهما، حتى ينضجا لانجاز التسوية، ويطالبان بالتوصل إلى اتفاق.

وبين من يطالب باعتماد توجه جديد، ومنهم ساندي بيرغر وكولين باول وفرانك كارلوتشي وروبرت س مكفارلين وجون كيري ورام ايمانويل بدون أن يعني ذلك التخلي عن مواجهة إيران بل المطلوب عند هؤلاء مقاربة جديدة تتعامل مع القضية الفلسطينية من خلال ربطها بقضية إيران على أساس أن القضيتين شقان لمشكلة استراتيجية واحدة.
إن التهديد بإطلاق مبادرة وشبه التراجع السريع عنه يدل على أن التغير المهم الذي تشهده السياسة الأمريكية حاليا رغم انه قابل للتبلور لا يزال في بدايته ومحدودا حتى الآن، وقابلا للارتداد عنه ومحل صراع داخلي عنيف داخل الإدارة الأمريكية وبين مختلف العناصر والمراكز والقوى المؤثرة على القرار الأمريكي.

لذا لا ننصح أحدا بتجاهل هذا التغير في السياسة الأمريكية، ولا بالمبالغة به والتعويل عليه. لأن التقليل منه أو المبالغة فيه تجعل الفلسطينيون والعرب خارج موقع الفعل والتأثير وإنما في موقع الانتظار لما تؤول إليه الأمور داخل الولايات المتحدة الأمريكية وما بينها وبين إسرائيل.

إن هذا الانتظار يعني أن الفلسطينيين والعرب سيقبلون في النهاية ما يتم التوافق عليه إسرائيليا وأمريكيا. وبدون دور عربي فاعل يجمع أوراق الضغط والقوة العربية واستخدامها لخدمة الأهداف العربية، لن يلبي الحد الأدنى من المصالح والمطالب والحقوق الفلسطينية والعربية.

فإذا نظرنا إلى الآراء المختلفة داخل الإدارة الأمريكية سنجد أنها لا تزال تدور تحت سقف منخفض جدا، يتراوح ما بين دعاة الاستمرار في إتباع سياسة إدارة الصراع دون المجازفة بحله وما يعنيه ذلك من دعم مطلق لإسرائيل، وبين دعاة السعي لحله ولكن على أساس مقاربة تعتمد ما توصلت إليه المفاوضات السابقة، هذا يعكس تراجع محسوب في التأييد لإسرائيل ولكن بدون التخلي عنها وعن الدفاع عن أمنها وعن كونها حليف استراتيجي،ويدعم هذا التوجه لوبي عسكري وأوساط متزايدة من القوى في الولايات المتحدة الأمريكية.

على الجميع أن يتذكر ما انتهت إليه مفاوضات قمة كامب ديفيد عام 2000، ومباحثات طابا، والمفاوضات في عهد حكومة اولمرت، وكيف أنها لم تحسم أية قضية، واستمرت الهوة ما بين المواقف الفلسطينية والإسرائيلية شاسعة جدا، رغم المرونة الكبيرة التي أبداها الجانب الفلسطيني الذي وصل إلى حد الموافقة على مبدأ تبادل الأرض قبل أن يعرف ماذا له، وقبل إقرار إسرائيل بأنها دولة محتلة واستعدادها للانسحاب. ووافق الجانب الفلسطيني سابقا كذلك على حل قضية اللاجئين عبر الخطوط الخمسة الشهيرة التي تتضمن عودة رمزية للاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم بدون تحمل إسرائيل المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية، على تقسيم القدس الشرقية بحيث تكون الأحياء العربية فيها جزءا من الدولة الفلسطينية، والمستوطنات والأحياء اليهودية تبقى تحت سيادة إسرائيل هي وكل ما يسمى الكتل الاستيطانية الكبيرة.

إن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أن الإدارة الأمريكية تتجنب حتى الآن ممارسة الضغط الجدي على إسرائيل لأنها تخشى عواقب ذلك عليها من قبل إسرائيل، التي ترتبط بعلاقة عضوية استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومن قبل مؤيديها الذين لا يقتصرون على اللوبي الصهيوني وإنما يشملون المحافظون القدامى والجدد ومعظم الحزب الجمهوري وقطاعات مهمة جدا من الحزب الديمقراطي، ويتمركز نفوذ هؤلاء خصوصا في الكونغرس ووسائل الإعلام.

ولا يشجع الإدارة الأمريكية على المجازفة بالضغط على إسرائيل أن الوضع العربي والفلسطيني ضعيف وسيئ. فالعرب منقسمون وينقصهم الإرادة السياسية الفاعلة والموحدة.

أما القيادة الفلسطينية، فهي من جهة لا تعطي الأولوية للوحدة، ولا تجمع ما لديها من أوراق قوة ولا تفتح الخيارات الأخرى، ولذا لا تملك سياسة فاعلة مبادرة وإنما تعتمد سياسة الانتظار وردود الأفعال، وهي لا تدرك، على ما يبدو مغزى وآفاق المتغيرات الإقليمية والدولية والإمكانيات التي تطرحها. ومن جهة أخرى فان الانقسام الفلسطيني لا يشجع أحدا على المجازفة بحل القضية الفلسطينية، لأنه يعطي ذريعة قوية لإسرائيل للادعاء بعدم وجود شريك فلسطيني حتى تعقد الاتفاق معه.

رغم ذلك نلاحظ أن إسرائيل تريد التفاوض من أجل التفاوض مع فريق فلسطيني دون الآخر، وذلك لتعميق الانقسام الفلسطيني وإضعاف الفريقين معا، وحتى توظف الانقسام بالحد الأقصى لصالحها.

فإسرائيل تريد التفاوض ولا تريد التوصل إلى اتفاق، وذلك حتى تقطع الطريق على الخيارات والبدائل والمبادرات الأخرى، وحتى تستفرد بالطرف الفلسطيني وتضعه تحت أقصى الضغوط والابتزاز حتى يوافق في النهاية على ما تقدمه له إسرائيل من عروض تصفوية للقضية الفلسطينية من مختلف جوانبها؟ أو حتى لا يقدر على منع تحقيق الحل الإسرائيلي ويضطر للتعايش مع الاحتلال بدون اتفاق ويسعى لتحسين شروط الحياة تحت الاحتلال.

إن الإدارة الأمريكية حتى الآن اكتفت بإظهار خلافاتها مع الحكومة الإسرائيلية، ولوحت بأوراق الضغط ولكنها لم تستخدمها، وتنحاز في الوقت الراهن للاستمرار في السعي لحل الصراع تدريجيا، أي لاعتماد السياسة القديمة مع قدر محسوب من التغيير،على هذا الأساس فإن الأمور إذا استمرت على هذا المنوال، ستنتهي على الأغلب إلى اعتماد خيار الدولة ذات الحدود المؤقتة، بصيغتها القديمة (على 60%) أو بصيغتها الجديدة (على 80%). لذا فمع أهمية الترحيب بالتغير في الموقف الأمريكي ورؤية أسبابه ودلالاته، لا يجب وضع الموقف الفلسطيني والعربي تحت سقفه، بل لا بد من تشجيع الإدارة الأمريكية والضغط عليها لتتقدم أكثر حتى تصل إلى مقاربة جديدة لحل الصراع تعتمد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، التي تتضمن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وليس الاستمرار تحت سقف اتفاق أوسلو والحلول الانتقالية والتعامل مع الصراع باعتباره نزاع على الأرض يحل بالتفاوض بدون مرجعية ملزمة.

فلا يمكن قبول أن يكون تجميد الاستيطان هو السقف، سواء بشكل جزئي أو كلي، ولا اعتباره كتنازل هائل من إسرائيل بل المطلوب اعتماد مقاربة قادرة على إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه بالعودة وتقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس على حدود 1967.

إن الأولوية القصوى لدى القيادة والقوى والفعاليات الفلسطينية يجب أن تكون لإنهاء الانقسام وتحقيق شراكة عادلة وإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني المنسجم مع الشرعية الدولية القادر لوحده على توحيد الشعب الفلسطيني بعيدا عن شروط اللجنة الرباعية والتدخلات الإسرائيلية والعربية والإقليمية وعن التفريط والتهور.

إن أهم ورقة قوة لدى الفلسطينيين بعد عدالة قضيتهم وتفوقها الأخلاقي وكفاحية الشعب الفلسطيني واستعداده للتضحية هي القراءة الواعية والدقيقة والواقعية للواقع وموازين القوى والمتغيرات الإقليمية والدولية، بحيث يتم حشد الطاقات والجهود الفلسطينية والعربية والدولية لتحقيق أقصى ما يمكن بدون زيادة أو نقصان فالانتظار قاتل، والمبادرة هي طريق النجاة.... طريق الاستفادة من الفرص المتاحة ودرء المخاطر القائمة.

التعليقات