31/10/2010 - 11:02

المبادرة المصرية لوقف المقاومة../ أحمد الحيلة*

المبادرة المصرية لوقف المقاومة../ أحمد الحيلة*
أثارت المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة علامات استفهام كبيرة لدى المراقبين، كما أثارت العديد من الأسئلة لدى الأطراف المعنية بالصراع الدائر بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي.

وقبل مناقشة مضمون المبادرة المصرية لا بد من التعرض لبعض الملاحظات الخاصة بالأجواء السياسية التي رافقت الإعلان عن المبادرة، وذلك على النحو التالي:

• أولاً: القيادة المصرية أطلقت مبادرتها دون التشاور المسبق مع حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية التي تقاتل على الأرض، وهي الطرف الأساسي في معادلة الصراع القائم في غزة، وهذا بدوره يثير السؤال: لماذا مصر أطلقت مبادرتها دون التشاور المسبق، أو دون الأخذ برأي وموقف المقاومة الفلسطينية؟ هل القيادة المصرية ما زالت تعتبر نفسها وصياً سياسياً على الفلسطينيين؟!

• ثانياً: المبادرة المصرية أطلقت بشراكة فرنسية، ذلك الشريك (ساركوزي) الذي عبّر بشكل واضح أثناء زيارته لتل ابيب (6/1) عن اهتمام فرنسا بوقف الصواريخ الفلسطينية، وبنشر قوات دولية لحماية أمن إسرائيل، وكأن الفلسطينيين هم المعتدون على الاحتلال! الأكثر من ذلك أن قيادة الاحتلال وتحديداً المجلس الوزراي المصغر أعرب في بيان له (7/1) عن ارتياحه لبعض البنود الواردة في المبادرة، في وقت تحفظ فيه على مبدأ رفع الحصار عن غزة، أي أن الاحتلال مرتاح لبنود المبادرة التي تتعلق بالمقاومة الفلسطينية حسب المقترح المصري، فلماذا، هل لأنها في صالح الفلسطينيين؟!

• ثالثاً: الولايات المتحدة الأمريكية سارعت مرحبة بالمبادرة المصرية، ومعلنة دعمها للجهود المصرية الفرنسية لوقف إطلاق النار في غزة، إلى الحد الذي تحول فيه مجلس الأمن من مناقشة مشروع قرار عربي لوقف العدوان على غزة إلى فكرة إصدار بيان رئاسي غير ملزم يدعم فيه المبادرة المصرية الفرنسية. وهذا يثير القلق، فواشنطن لا يمكن أن تدعم موقفاً أو مشروعاً إلا إذا كان في صالح الاحتلال الإسرائيلي، وهذه بديهية لا تحتاج إلى نقاش.

مضمون المبادرة المصرية:
وقبل التعليق على مضمون المبادرة، فإننا نضع بين يدي القارئ، بنود المبادرة المذكورة على النحو التالي دون تصرف:

أولا.. قبول اسرائيل والفصائل الفلسطينية لوقف فوري لاطلاق النار لفترة محددة بما يتيح فتح ممرات آمنة لمساعدات الإغاثة لأهالي القطاع ويتيح لمصر مواصلة تحركها للتوصل لوقف شامل ونهائي لاطلاق النار.

ثانيا.. دعوة مصر كلا من اسرائيل والجانب الفلسطيني لاجتماع عاجل من أجل التوصل للترتيبات والضمانات الكفيلة بعدم تكرار التصعيد الراهن ومعالجة مسبباته بما في ذلك تأمين الحدود وبما يضمن إعادة فتح المعابر ورفع الحصار واستعدادها للمشاركة في مناقشة ذلك مع الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ومع الاتحاد الاوروبي وباقي أطراف الرباعية الدولية.

ثالثا.. تجديد مصر دعوتها للسلطة الوطنية وكافة الفصائل الفلسطينية للتجاوب مع الجهود المصرية لتحقيق الوفاق الفلسطيني باعتباره المتطلب الرئيسي لتجاوز التحديات التي تواجه شعبهم وقضيتهم في الظرف الخطير الراهن وفي المستقبل.

وبالنظر إلى مفردات المبادرة فإننا نلاحظ التالي:

• يدعو البند الأول في نهايته إلى "وقف شامل ونهائي لإطلاق النار"، أي وقف نهائي ودائم للمقاومة وإلى الأبد، مقابل وقف الاحتلال لاعتداءاته على غزة فقط، وهذا فيه إجحاف من حيث مساواة المقاومة الفلسطينية بالاحتلال وكأن المسألة مجرد نزاع مسلح بين طرفين متساويين ومتكافئين من حيث القدرة والمسؤولية. الأمر الأهم أن ثمن وقف المقاومة ليس انسحاب الاحتلال من كامل الأراضي المحتلة عام 67، وإنما توفير الغذاء والدواء للفلسطينيين، أي تثبيت المعادلة التي أرادها الاحتلال من تهدئة الستة أشهر الماضية وهي (المقاومة مقابل الغذاء أو التهدئة مقابل التهدئة)، وهذا يعني ضمناً فتح الطريق لمسار التسوية العبثي من جديد بعد التخلص من المقاومة التي تشكل عائقاً أمام مشاريع تصفية القضية الفلسطينية! ويعني أيضاً إطلاق يد الاحتلال لاستكمال مشاريع التهويد في القدس، ويعني أيضاً فتح المجال أمام الاحتلال لاستكمال مشاريعه الاستيطانية في الضفة الغربية دون رادع يذكر إلا من بيان استنكار أو إدانة من هنا أو هناك لذر الرماد في العيون!

• ولضمان وقف المقاومة التي تعد الورقة القوية والأخيرة بيد الفلسطينين في مواجه الاحتلال الصهيوني، نص البند الثاني من المبادرة المصرية على توفير الضمانات الكفيلة "بتأمين الحدود"، وهنا محل السؤال: حدود من التي يراد تأمينها؟ هل هي حدود غزة لمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين؟ وإذا كانت القيادة المصرية تقصد فعلاً هذا التفسير، وتحرص على حماية المدنيين الفلسطينيين، فلماذا لا يطبق تأمين الحدود أيضاً على الضفة الغربية المستباحة؛ حيث جدار الفصل العنصري، ومصادرة الأراضي، والاعتقال، والقتل، واعتداءات المستوطنين على المدنيين الفلسطينين الذين يتعرضون للتنكيل على أكثر من 600 حاجز عسكري تقطع أوصال المدن والقرى؟!! أم أن المطلوب هو تأمين حدود الاحتلال مع قطاع غزة؟ أم أن المطلوب هو منع إدخال الأسلحة للمقاومة عبر الحدود المصرية؟ وكل ذلك مقابل ماذا؟ مقابل فتح المعابر لإدخال الأغذية والأدوية والمساعدات الإنسانية! هل القضية الفلسطينية تحولت لمجرد مسألة إغاثية، هل قضية الشعب الفلسطيني تحولت إلى قضية تسول على أبواب الدول المانحة؟!!

• إضافة إلى ذلك، من هي الجهة الضامنة لرعاية هذه المبادرة، حتى يلتزم الاحتلال بعدم تكرار عدوانه على غزة، وحتى يلتزم الاحتلال برفع الحصار وعدم إغلاق المعابر تحت حجج وذرئع واهية؟ فإذا كانت مصر هي الجهة الضامنة، فهذا يثير السؤال التالي: هي استطاعت مصر من قبل أن تلزم الاحتلال بشروط التهدئة السابقة والتي انهارت نتيجة خرق الاحتلال لها، حتى تستطيع أن تلزم الاحتلال في هذه المرة؟ وإذا كانت الأمم المتحدة هي الضامن، فهل استطاعت تلك المنظمة أن تمنع الاحتلال من انتهاك السيادة اللبنانية وفقاً للقرار 1701 ؟! أم أن الضامن هو الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي!

الأسئلة كثيرة، والشكوك حول الدور المصري تتعاظم بعدما أصرت القيادة المصرية على استمرار إغلاق معبر رفح في وجه الفلسطينيين المحاصرين والذين يتعرضون لمجازر في كل ساعة.

ومن حق كل مراقب أن يتخوف بعدما أصبحت القاهرة تتعاطي مع القضية الفلسطينية كاستحقاق رئاسي مصري، لإرضاء الولايات المتحدة من خلال العمل على إنهاء مشروع المقاومة لصالح مشروع التسوية السياسية الذي يعفيها كما يعفي العديد من العواصم العربية من استحقات القضية الفلسطينية.

التعليقات