31/10/2010 - 11:02

المحاكم والنساء- تصادم لا بد منه!!/ المحامية سمر خميس*

-

المحاكم والنساء- تصادم لا بد منه!!/ المحامية سمر خميس*
توجهت إلي مؤخراً إمرأة عربية بطلب معونة قانونية على اثر تعرضها، حسب أقوالها، في حالات عدة لتحرش جنسي وأعمال مشينة من قبل أحد أفراد عائلتها.

بداية إستحضرني سماع وإحساس هواجسها ومخاوفها، إفادات عدة وتوجهات أخرى كنت قد سمعتها من نساء أخريات من خلال تطوعي في جمعية السّوار، ولكن مع ذلك لفت إنتباهي وأخرجني من هدوئي النسبي ومواكبتي للأحداث التي كانت تسردها موكلتي، قرار محكمة الصلح في طبريا التي نظرت في طلبها لتمديد أمر إبعاد المشبوه عن بيتها، الذي على أثره توجهت إلي لمعونة قانونية.

وهنا أشير إلى أن هذه المقالة هي مزيج ما بين محاولة لتحليل قانوني لذلك القرار وآخر مجتمعي حيث أنه بكلتي الحالتين سأتغطى بالعباءة القانونية والنسوية على حد سواء، مع الحذر بعدم الخوض بالحيثيات الدقيقة والتفاصيل للقوانين المتعلقة حتى لا تتحول هذه المقالة لمجرد خلاف على نتيجة القرار.

المحكمة رفضت كما أسلفت أعلاه تمديد أمر ألإبعاد، نتيجة لن أناقش صحتها هنا، ولكن التفسيرات والإدعاءات التي أدت بالمحكمة لإصدار قرار عدم تمديد الإبعاد أثارت بي القشعريرة والغضب في آن واحد وحثتني على إستذكار المحاضرات الأولى التي كنت قد تلقيتها في دراستي في السنة الأولى لموضوع القانون في مجالي الجنائيات وفلسفة القانون.

أولاً المحكمة افترضت كأمر مفروغ منه ان حالات تحرش جنسي وأعمال مشينة هي لا بد صادمة بمعنى traumatic, ولذا فإن عدم التوجه لتقديم شكوى للجهات المسؤولة أو حتى بطلب معونة والإنتظار لمدة أشهر (قليلة) حتى التقدم بشكوى للشرطة، حتماً مناقض لهذه الفرضية بمعنى أن الأفعال المنسوبة للمشبوه لم تكن traumatic للمدعية وذلك بحالة حصولها أصلاً.

ثانيا وعلى أثر إنطباع وتحليل مخطوئين حسب رأيي وكما سأفسر لاحقاً، إستندت المحكمة على إدعاء المشبوه أن هذه الشكوى هي ليست الشكوى الأولى التي تقدمت بها المدعية بهذا الصدد ضد مشبوهين آخرين وذلك دون الإدلاء بتفاصيل الشكاوى الأخرى التي لم تحصل حسب أقوال موكلتي، ودون الإفادة بما كانت حصيلة تلك الشكاوى، ووفقاً لهذا الإستناد فإن المحكمة وجدت مخرجاً أخر لضعضعة أقوال الضحية.

ثالثاً، وهنا برأيي خرجت المحكمة عن صلاحيتها، والأنكى وجهت وأثرت بشكل غير مقصود على المجرى الجنائي لشكوى موكلتي في الشرطة، الذي لم ينته حتى خط هذه السطور، ولم يبرم أي نتيجة لأي إتجاه كان، بحيث اقرت المحكمة عدم تمديد إعتقال المشبوه به لأيام إضافية في حين كان بإمكان الشرطة فعل ذلك بقرار المحكمة، مما يشير الى أن المحققين في الشرطة يوافقون ويشاركون رأي المحكمة بعدم تفضيل شهادة المدعية على أقوال المشبوه، الذي أنكر كل الشبهات المعرضة له.

الأسس التي إرتكزت عليها المحكمة لدحض طلب المدعية بطلب تمديد الإبعاد، مثيرة للجدل ومناقضة لأمور أولية من عالمي القانون والمجتمع، لنفترض أن التوجه بشكوى ضد المشبوه كان قد حصل بمرور عدة أشهر، فهل هذه حالة تثبت عدم وقوع الحادثة أو الحوادث المنسوبة له للوهلة الأولى، أو هل مشاركة المدعية بما تعرضت له لأي طرف كان سلطوياً أو خيرياً بمرور فترة من الزمن، يدحض كون الحادث traumatic لها؟!


كيف يتماشى هذا الأمر مع إحصائيات جمعيات عربية تعني بقضايا المرأة، لا سيما ظواهر الإعتداءات الجنسية وحسبها فقط نسبة ضئيلة من النساء العربيات يتوجهن للشرطة لتقديم شكوى ضد المعتدين في حين 30% من النساء يطلبن معونة نفسية بمرور على الاقل 6 اشهر وذلك دون التوجه للشرطة؟ فهل هذا يعني أن معظم النساء ضحايا العنف كاذبات أم ان الحالة التي تعرضن لها لم تكن بمثابة traumatic لهن؟؟!

الفرضية التي إرتكزت عليها المحكمة بهذا السياق، ليست فقط مناقضة للبنية الإجتماعية والسلوكيات المتبعة لشريحة كبيرة من النساء المعنفات، يهوديات أو عربيات، بعد تعرضهن لحالة إعتداء أي كان، بل أكثر من ذلك، إذ توجهت المحكمة أولاً بأصبع متهمة ومؤنبة لأولئك النساء اللاتي يتوجهن بشكوى أو بكشف عن الحقيقة "بتأخير" أشهر عدة ومن ثم معاقبتهن على الإفشاء بهذه "الحقيقة" لكونهن متأخرات، من خلال عدم تمديد أمر الإبعاد.

حين أراجع ذاكرتي حول دور المشرع بشكل عام ولا سيما الإسرائيلي ومن ثم دور المحاكم بتثبيت القوانين وإطغاء روح المشرع وأقواله في القرارات، أجد أن المحكمة في هذا القرار عملت جاهدة على إلغاء الدور الأساسي الذي يقوم به المشرع وخاصة بكل ما يتعلق بسن قوانين الجنائيات، بحيث أرى أن خصوصية هذه القوانين هي بإيحال معايير مجتمعية، المبنية على المساواة والعدل والحرية الملائمة للمكان والزمان، على أفراد المجتمع بشكل متساو وبحالات عينية يرى المشرع أنه هناك حالات التي من المفروض إستعمال سياسة "التمييز الإيجابي" بغرض الدفاع عن شريحة معينة المعرضة لإجحاف خاص بها، كونها تنتمي لفئة معينة.

ووظيفة المحاكم، بكونها تتعرض بشكل يومي ومكثف لحالات فيها تعد، لأول وهلة، على حريات أساسيه للفرد من طرف آخر، هي الدفاع عن هذه الحريات بموجب روح المشرع وأقواله التي وقفت وراء سن ذاك القانون أو سواه، بمعنى أنه حين أقرت المحكمة ان إدلاء المدعية لأول مرة بشهادة حول حالة تعد لجهة مختصة بمرور أشهر، تقع بخانة اما أن الحالة لم تكن traumatic لها أو عدم حصولها البتة، هي بمثابة فرض معايير وسلوكيات مجتمعية تتناقض مع روح المشرع من جهة، ولا تلائم هذه المعايير للمدعية ولا لحيثيات ظاهرة الإعتداء الجنسي المتفشي ضد مجموعة عينية الا وهي النساء والأطفال، وتفرض بشكل قاطع أن كون الحالة هي traumatic تؤدي الى النتيجة الحتمية أي الإفشاء فوراً عن حدوثها.

عدا عن ذلك في حين وجد المشرع حاجة ماسة الى ضبط حدود شهادة المعنفات جنسيا ً بالمحاكم بحيث منع إستجوابهن من على منصة الشهود حول علاقات جنسية لهن قبل تاريخ الحوادث المنسوبة للمشبوه، وذلك بهدف الدفاع عن خصوصيتها من جهة، ومن جه، أخرى عدم تحويل إنتباه وإعتبارات المحكمة لأمور ليست بالضرورة تمت بصلة بإرادة وموافقة المدعية في الحالة العينية التي حصل فيها إعتداء جنسي وتعد على حرياتها الأساسية.

وعلى نقيض ذلك في الحالة المطروحة، المحكمة لم تقم فقط بالسماح بإستجواب ومضايقة المدعية حول علاقات قديمة خارج الزواج، والتي نفتها المدعية، بل إستندت على هذا الإستجواب وأفادت بقرارها أنه على ما يبدو هناك شكاوى أخرى للمدعية ضد مشبوهين آخرين عدا المشبوه الحالي وذلك دون فحص صحة هذه الشكاوى أو نتائجها، وبذلك تضعضع، برأي المحكمة، أساس طلب تمديد الإبعاد.

مرة أخرى نجد المدعية بموضع المعاقبة التي تحتاج للدفاع عن نفسها وكيانها وخصوصيتها وذلك مع العلم أنها هي التي توجهت للمحكمة بطلب الحماية، أنا لا أدعي هنا أن كون التوجه للمحكمة يمنحها الأفضلية على أقوال المشبوه لكن من الطبيعي والمتوقع أن المشبوه هو الذي يقوم بدور الدفاع عن نفسه وليس العكس، وفي حين "تفشل" المدعية بالدفاع عن نفسها بالإستجواب على يد محامي المشبوه، تسقط دعوتها. وهنا لا بد من الإشارة الى حقيقتين أن المدعية لم تكن ممثلة على يد محام/ية حينها وثانياً أن الأدلة المطلوبة لإصدار/تمديد أمر إبعاد هي بوزن "من الجائز الإفتراض" بلسان القانون، بحيث على المدعية إثبات حجتها للمحكمة بشكل كاف فقط وليس من دون أدنى شك.

أخير وليس آخراً، ارى أن المحكمة تمادت عن صلاحياتها بل وآثرت مرة أخرى مصلحة المشبوه على مصلحة المدعية حين "أدلت برأي" محققي الشرطة بهذا الملف الذي كما أسلفت نتيجته لم تظهر بعد والتحقيق ما زال فيه على قدم وساق. وكأن المحققين ايضا يوافقونها الرأي بأنه في هذه الحالة ليست هناك أفضلية لإدعاءاتها على أقوال المشبوه. هنا نرى تداخل ما بين صلاحيات السلطات ومحاولة لتأثير على إعتبارات السلطة التنفيذية التي ما زالت تنظر وتفحص وزن كل من البينات الموجودة أمامها للبت في مصير الشكوى. ولا شك أن هذا القرار سيشكل إما بينة لصالح المشبوه بحالة تقديم لائحة إتهام ضده أو حاله مشجعة للمحققين بحالة إقرار إغلاق الملف لقلة الأدلة فيه.

برأيي القرار أعطي بدون سياق ومن ضمن التعامل مع معايير معينة بشكل مطلق دون الأخذ بالحسبان إعتبارات مجتمعية كالبنية المجتمعية الذكورية السائدة من ضمن ذلك الضغط الذي تعاني منه النساء، خاصه العربيات، قبل الكشف عن حالة إعتداء جنسي تعرضن له. كذلك أخطأت المحكمة برأيي حين تعاملت مع موضوع تذويت حالة ألإعتداء كحالة تراوماتيكية التي تحتم الإعلان عنها فوراً، وذلك من وجهة نظر استعلائية وفرض " معايير سلوكية" من برج عاجي لا أساس لها, ودون الإعتبار لجوانب الظاهرة التي تطغى, بحالات عديدة, على إرادة الضحية ومصلحتها.

إضافة نشير أنه من الناحية السيكولوجية، ليس حتميا، التعرض لحال، تراوماتيكي، أي كانت، يؤول، في النهاية للإفصاح عن هذه الحالة دون تردد، فكل وشخصيته/شخصيتها حيث لا يوجد مرجعية قانونية أو نفسية التي تحدد ما هو شرعي او مقبول لتصرفات الضحية على أثر حالات إعتداءات على حريات اساس.

مره أخرى كان من الممكن أن أوافق على نتيجة المحكمة، ولكن ليس بروحها وإدعاءاتها المكتوبة والتي، برأيي، تقف عائقاً أمام النساء عامة والعربيات خاصة, ورادعاً لهن من التوجه بشكاوى للشرطة والمحاكم حول حالات إعتداءات جنسية، وذلك خوفاً من التشكيك في أمرهن لأمور تقنية وإعتبارات قانونية غير مألوفة لهن، والسماح بالتشهير فيهن وبالنهاية معاقبتهن وذلك لكونهن توجهن بمثل هذه الشكاوى.


* محامية وناشطة نسوية

التعليقات