31/10/2010 - 11:02

المفارقة: استنزاف أمريكا يخدم مبادرة أوباما../ عصام نعمان

المفارقة: استنزاف أمريكا يخدم مبادرة أوباما../ عصام نعمان
دوافع عدّة حملت الرئيس باراك اوباما على إطلاق مبادرته الودية من القاهرة الى عالم الإسلام وعزمه على تسوية الصراع العربي-”الإسرائيلي”. لعل أبرز الدوافع الأزمةُ المالية والاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة وتحدّ من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، لاسيما العسكرية منها، بسبب بهاظة الاكلاف المالية.

في إطار هذا الوضع المتفاقم برز دافع آخر لإطلاق مبادرة اوباما وإنجاحها. انه موقف الجيش الأمريكي بأسلحته جميعاً، بما فيها أجهزة الاستخبارات. فهيئة الأركان المشتركة، بشخص قائدها الجنرال مايك مولن، ترى أن نزع ورقة فلسطين من أيدي أعداء أمريكا في المنطقة، وفي مقدمهم إيران وحزب الله و”حماس” و”الجهاد الإسلامي” والخط المؤيد للمقاومة في سوريا، شرط لإنجاح الجهود المضنية التي يقوم بها الجيش الأمريكي في العراق وأفغانستان وباكستان أو لتجنيبه الفشل، على الأقل، ولتأمين خروج لائق له من الوحول التي يرتع فيها.

موقف هيئة الأركان المشتركة تجاوَزَ حدود إبداء الرأي للرئاسة والإدارة الأمريكيتين إلى إطلاق التصريحات وإجراء الاتصالات والقيام بالمهمات التي تكفل تحقيق الهدف المرتجى وهو التوصل الى تسوية نهائية للصراع الفلسطيني- “ الإسرائيلي”.

في هذا السياق، أطلق الجنرال مولن كما قائد المنطقة الوسطى الجنرال دايفيد بترايوس تصريحات داعمة لضرورة تسوية الصراع في المنطقة، واجتمع مولن الى محمود عباس أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، كما قام بترايوس بزيارة خاصة إلى كل من السعودية ولبنان لدعم مساعي التسوية.

أوباما بمسيس الحاجة الى دعم الجيش لمبادرته في وجه القوى المؤيدة ل”إسرائيل” في الولايات المتحدة والتي جرى استنفارها اخيراً من قبل بنيامين نتنياهو وسائر قادة اليمين الصهيوني المتطرف المعارضين لمبادرة اوياما. فهو يتسلح بموقف قادة الجيش المحذرين من خطورة فتح جبهات جديدة ضد أمريكا في العالم الإسلامي ليؤكد لزعماء الكونغرس صعوبة تغطية الاكلاف الإضافية للحروب في العراق وأفغانستان وباكستان في وقت تتفاقم فيه تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية في الداخل.

غير أن ثمة مفارقة لافتة تكتنف المساعي الناشطة لخدمة مبادرة اوباما وإنجاحها. انها الفكرة القائلة إنه بمقدار ما يتعاظم استنزاف أمريكا عسكرياً في الخارج، بمقدار ما يخدم ذلك مبادرة اوباما في الداخل. ذلك ان الأزمة المالية والاقتصادية ستزداد ضراوة مع تزايد أكلاف الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة في العالم الإسلامي، الأمر الذي يدعم وجهة نظر الداعين إلى معالجة الأزمة الطاحنة بإجراء تخفيض كاسح في النفقات. ويكتسب هذا الرأي صدقية إضافية عندما يكون أحد ابرز الأهداف المتوخاة لخفض النفقات هو حث الإدارة الأمريكية على إجراء تسويات مع شعوب فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان تجنّب الجيش الأمريكي حروباً متطاولة وهزائم مذلة.

غني عن البيان ان أصحاب فكرة الاستنزاف ليسوا أمريكيين. غير أن مؤيدي مبادرة اوباما يستفيدون من إطلاقها وترويجها للتحذير من مغبة بقاء ورقة فلسطين وسائر أوراق المظالم المرتكبة بحق شعوب المنطقة في أيدي أعداء أمريكا.

غني عن البيان أيضاً ان فكرة الاستنزاف حاضرة في أذهان خصوم مبادرة اوباما، وربما كانوا هم وراء إطلاقها. ذلك ان قيادات وأوساطاً فاعلة داخل “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، ناهيك عن حزب الله في لبنان وعن قوى متصلبة في كل من سوريا وإيران، ترى في مبادرة اوباما مشروع تسوية منحازاً ل”إسرائيل” وخادماً لمصالحها على المدى القصير والمتوسط. هذه القيادات والأوساط لن تستجيب لمساعي اوباما مع طرفي الصراع الرامية إلى تقديم تنازلات متبادلة. ذلك يؤدي الى إضعاف فرصة التفاوض وربما الى تقويضها.

في غمرة المخاوف المتزايدة حول تعثر مبادرة اوباما، زار الرئيس المصري حسني مبارك واشنطن، بعد انقطاع دام خمس سنوات، ليدعو الرئيس الأمريكي إلى تجاوز مسألة التنازلات المتبادلة (وقف الاستيطان مقابل التطبيع) بطرح قضايا الوضع النهائي في المفاوضات والتوصل في شأنها إلى حلول نهائية وسريعة. “إسرائيل” ستعارض هذا النهج في التفاوض لأنها ترفض تقديم تنازلات في شأن القدس والحدود وعودة اللاجئين إلاّ إذا جاءت التسوية المقترحة وفق شروطها. وبما ان شروط “إسرائيل” غير مقبولة، ظاهراً على الأقل، حتى من دعاة التفاوض معها كمحمود عباس وسلام فياض، فالأحرى ألاّ يوافق عليها دعاة الخط المقاوم.

إلى ذلك، ينهض سؤال آخر: ما موقف قوى المقاومة من مبادرة اوباما ومن فكرة الاستنزاف؟

تبدو “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في حال هدنة مع “إسرائيل”. الدافع الى المهادنة صراع “حماس” المحموم مع حكومة السلطة الفلسطينية بسبب حملة القمع التي تمارسها الأخيرة في الضفة الغربية ضد كوادر المقاومة عموماً. صحيح ان الحملة التي هي بحد ذاتها مظهر من مظاهر تنازل السلطة أمام “إسرائيل”، إلاّ انها تحبط قوى المقاومة ايضا التي لا تستطيع ان تقاتل على جبهتين. هذا الوضع سيستمر الى ان ينجح الطرفان، بوساطة مصر، في التوصل إلى مصالحة او... إلى الإخفاق في ذلك. وفي حال الإخفاق، فإن ذهاب سلطة محمود عباس وحكومة سلام فياض إلى المفاوضات بمعزل عن فصائل المقاومة يصبح أمراً شديد الإحتمال إن لم يكن محسوماً.

حزب الله لا يكترث بالمفاوضات ولا يرى لها أو فيها نجاحاً في ظل ميزان القوى الراهن في المنطقة. همّه الآن ان يشارك مع سائر قوى المعارضة اللبنانية في حكومة وفاق وطني هدفها الحؤول دون انزلاق البلاد إلى مفاوضات غير متكافئة مع دولة العدو بمعزل عن سوريا أو بالرغم منها.

سوريا هي الأخرى لا تبدو مهتمة باستئناف المفاوضات مع “إسرائيل” إلاّ بعد إعلان هذه الأخيرة عزمها على الانسحاب من الجولان إلى خطوط 4/6/1967 على ان يكون إعلانها مقروناً بضمانات من الولايات المتحدة. إلى ان يحدث التحوّل المطلوب (والمستبعد) من “إسرائيل” تنصرف دمشق، في ظل تفاهمها الاستراتيجي مع طهران، إلى تعزيز نفوذها الإقليمي بتوقيع اتفاق للتعاون الاستراتيجي مع بغداد. الاتفاق مع بغداد، بشخص رئيس الحكومة نوري المالكي، يعزز نفوذ سوريا (كما إيران) إقليميا، ولاسيما إزاء الولايات المتحدة وما تبتغيه من خطوات لتنفيذ أهداف مبادرة اوباما. فالمالكي يشكّل مفصل تقاطع وتلاقٍ بين طهران ودمشق في بلاد الرافدين.

غير ان إيران تبقى الرقم الصعب في صراعات المنطقة. فهل تستجيب طهران بشخص الرئيس المجددة ولايته محمود احمدي نجاد نداء واشنطن الداعي إلى مباشرة حوار حول برنامجها النووي أم تثابر على شراء الوقت لتمديد عملية استنزاف أمريكا في العراق وأفغانستان وباكستان؟ إن قرار طهران في هذا المجال يتوقف على تقويمها لحال أمريكا الغارقة في وحول حروبها الثلاث ومدى استعدادها أو عدم استعدادها لاستجابة طلبات إيران النووية والإقليمية.

أياً ما سيكون عليه قرار طهران فإنه سينعكس ايجاباً او سلباً على حاضر الصراع العربي-”الإسرائيلي” ومستقبله. ولعل اوباما سيفكر كثيراً قبل وضع مضمون خطة السلام التي ينوي إعلانها في الشهر المقبل في صيغتها النهائية. ذلك انها ستؤثر، دونما شك، في قراري طهران ودمشق في كيفية تعاطيهما مع واشنطن في المستقبل المنظور.
"الخليج"

التعليقات