31/10/2010 - 11:02

المناورة الإسرائيلية في العين اللبنانية: لا خوف.. ولا استخفاف!../ عماد مرمل

المناورة الإسرائيلية في العين اللبنانية: لا خوف.. ولا استخفاف!../ عماد مرمل
على رغم المحاولات الإسرائيلية للتقليل من شأن الدلالات التي تنطوي عليها المناورة العسكرية الأضخم التي ينفذها كيان العدو، منذ تأسيسه، إلا ان الانطباع السائد على الضفة الاخرى من الحدود ـ وتحديداً في لبنان وسوريا ـ هو ان هذه المناورة لا تنفصل عن استعدادات القيادة الإسرائيلية لتأمين الجهوزية المطلوبة لشن الحرب المقبلة، عندما تنضج ظروفها السياسية والعملانية.

وبهذا المعنى، فإن أحداً لا يمكنه ان يقتنع بأن تلك المناورة تجري لأغراض «دفاعية»، تكاد تبدو «خيرية» ـ كما توحي الأوساط الرسمية في الكيان الاسرائيلي ـ في محاولة لإشاعة مناخ من الاسترخاء لدى الطرف الآخر. وعليه، يمكن القول إن مراحل هذه المناورة تخضع الى متابعة دقيقة من المعنيين في المقاومة، على وجه الخصوص، من دون ان يعني ذلك التعامل معها بتوتر او قلق. ولعل موقف حزب الله في هذا المجال، تختصره المعادلة الآتية: لا خوف ولا استخفاف.

وإذا كان حزب الله، من جهته، قد أعد العدة البشرية والعسكرية لمواجهة أي عدوان قريب او بعيد، إلا ان المناورة الإسرائيلية الهادفة بالدرجة الاولى الى تمتين دعائم «الجبهة الداخلية»، تثير تساؤلاً مشروعاً حول ماهية الخطط المضادة التي تضعها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة لتحصين الجبهة الداخلية اللبنانية، ليس بالمعنى السياسي المعقد، وإنما بالمعنى اللوجستي والتنظيمي، من أجل ان تكون مهيأة للتعاطي المناسب مع فرضية العدوان، بعيداً عن خطر المفاجأة.

وفي هذا السياق، يجوز الاستفسار عما إذا كانت الحكومة قد استفادت بالفعل من دروس حرب تموز لتفعيل أجهزتها المدنية والطبية والاجتماعية والخدماتية، ولعله أيضاً يمكن تطوير الاستفسار الى سؤال حول الاسباب التي تمنع الحكومة من القيام بـ«بروفة» معينة لاختبار مستوى الجهوزية «المدنية»، في مواجهة أي حرب إسرائيلية مقبلة، من عربة الإطفاء الى الملجأ مروراً بباقي التفاصيل الاخرى، إذ لا يكفي ان تكون الحكومة كارهة للحرب حتى لا تقع، كما لا يكفي ان يقول الرئيس السنيورة إنه سيقف ضد أي اعتداء على لبنان او سوريا حتى لا يحصل.

ولكن، كيف يقرأ حزب الله قول الرئيس السنيورة من مصر«نحن عرب وسنظل عرباً، وأي اعتداء من أي جهة، على لبنان او سوريا او أي بلد عربي آخر سنقف ضده، الى جانب أشقائنا العرب والسوريين...»؟

يبدو أن الهوة العميقة التي تفصل بين الحزب والسنيورة، منذ فترة طويلة، لن تردمها بسهولة بعض المواقف الآنية. هذا ما يمكن استنتاجه من كلام مصدر قيادي في حزب الله، يعتبر انه إذا كان السنيورة جاداً في مواقفه الاخيرة فإن عليه، من أجل إثبات مصداقيته، ان يفك ارتباطه مع الاميركيين الذي يتولون تغطية أي عدوان إسرائيلي، وما دون ذلك يعني ان ما يطرحه هو للاستهلاك فقط.

وفي معرض توصيف المصدر لواقع السنيورة، يرى انه قرر ان يكون من بين ركاب القطار الاميركي، ولكنه يحمل معه في إحدى حقائب السفر «ألبوم» صور قديمة تعود الى أيام مساهمته في حركة القوميين العرب، وما قاله في مصر يبقى محصوراً ضمن كادر صورة قديمة تتنافى مع سلوكه الحالي الذي يندرج في إطار الاستجابة لمتطلبات مصالح واشنطن في لبنان والمنطقة.

ويعتبر المصدر أن المناورة الإسرائيلية الكبرى تعكس بالدرجة الاولى الطابع العدواني لكيان العدو الذي إذا لم يجد حرباً يشارك فيها، فإنه يفتعل سيناريو لحرب مفترضة، حتى يظل الدم يجري في شريانه، لأنه متى توقف عن خوض الحروب أو الاستعداد لها، يفقد مبرر وجوده.

أما في الأهداف المباشرة للمناورة، فإن المصدر يرى أنه لا يمكن إخفاء حقيقة أنها تأتي في سياق الاعداد الاسرائيلي لتأمين مستلزمات الحرب الجديدة، بمعزل عن توقيتها، مع ما يتطلبه ذلك من ترميم للمنظومة العسكرية ولأزمة الثقة بين الجمهور الاسرائيلي وقيادته بعد هزيمة حرب تموز، الامر الذي تحاول المناورة ان تفعله.

ويشدد المصدر على ان معنويات المقاومة لا تتأثر بكل هذا الصخب الاسرائيلي وبغبار المناورات المتنقلة، لافتاً الانتباه الى ان جبهتها الداخلية متماسكة ولا تحتاج الى إعادة تأهيل كما هي الحال بالنسبة الى الجبهة الداخلية للعدو التي تصدعت تحت وطأة الاخفاق المدوي خلال الحرب الاخيرة على لبنان.

والمراقب للخط البياني للسلوك الاسرائيلي منذ نهاية عدوان تموز، يلحظ ان العدو يحاول معالجة تداعياته من خلال حلقات متصلة، تهدف الى إعادة صيانة عناصر ثلاثة إنكشف ضعفها في تموز ,2006 ولا يمكن لإسرائيل ان تخوض حرباً جديدة من دون تجديدها، وهي:

ـ عنصر الصدم والهجوم المتمثل في القوات المقاتلة.
ـ عنصر الحماية والامن المتصل بالعمق الاسرائيلي، ووظيفته امتصاص الضربة عندما يرد الخصم.
ـ عنصر القيادة الذي يتولى الإدارة الشاملة والتنسيق بين العنصرين السابقين.

وكانت إسرائيل قد بدأت بمعالجة الثغرات في العنصر الاول، من خلال المناورة التي أجرتها عام 2007 في الجليل والجولان، بينما تستهدف المناورة الكبرى التي يجري تنفيذها حاليا تطوير متطلبات الحماية والامن، ما استدعى إشراك كل مكونات المجتمع في مراحلها المتعددة، في دليل إضافي على عمق «العسكرة» في هذا المجتمع.

ولكن ما سلف لا يعني ان الحرب الاسرائيلية الجديدة أصبحت وشيكة، ذلك ان إسرائيل التي تسعى الى ردم فجوات تجربتها «التموزية» في لبنان تدرك ان المقاومة تطورت هي أيضا منذ ذلك الحين وبالتالي ليس من السهل المجازفة بمغامرة جديدة، كما ان استمرار إجراء المناورات يشي بأن العدو لم يصبح جاهزاً بعد لتنفيذ عدوان واسع علما انه يحتاج ـ حسب الخبراء ـ الى قرابة أربعة أشهر بعد انتهائها ليعالج الثغرات التي تكون قد كشفتها، ثم ان العنصر الثالث الذي يجب ان يقود العنصرين الاول والثاني ليس مؤهلا حتى الآن لأداء هذا الدور، وهو ينتظر على الارجح تجديد السلطة.

تبقى الإشارة الى انه إذا كان الهدف من المناورة الكبرى الحالية طمأنة الاسرائيليين، فهي أعطت مفعولا نفسيا عكسيا، لأنها زادت منسوب القلق لديهم، وهناك من يتوقع في ظل هذه الظروف التي يمر فيها الكيان الاسرائيلي ان ترتفع نسبة الهجرة منه وأن تنخفض في المقابل نسبة الهجرة اليه.
"السفير"

التعليقات