31/10/2010 - 11:02

الهدف.../ حسن عبد الحليم

الهدف.../ حسن عبد الحليم
الجو العام المناصر للتجمع في القرى والمدن العربية أوحى الهدف، ولم يصنع الهدف الجو العام. لم يخلقه التجمع بل كان الشارع يوحي به بقوة، وقد كانت الصورة قبل عدة أسابيع من موعد الانتخابات تشير إلى ذلك، والاستطلاعات الجدية سارت بنفس الاتجاه، فهذا الشعار بدأ في كل قرية ومدينة وجعل قيادة وكوادر الحزب تتبناه.

"التجمع قوة أولى" بفضل مشروعه السياسي وإبداعه في التعاطي مع تعقيدات وضعيتنا كفلسطينيين عرب على أرض لنا في دولة ليست لنا... بفضل تمثيله لنا بكبرياء وبطريقة لم نتعود عليها .... وبإدخاله مفاهيم وتحليلات جديدة إلى العمل السياسي الوطني قلدها الآخرون بسطحية..

لماذا إذن لم تتم ترجمة هذا الجو المناصر والمؤيد إلى دعم فعلي؟ ولماذا لم يبرز تميزنا؟ ولماذا تلاشت تلك الإيحاءات حين اصطدمت بالحقيقة؟ وما الذي أدى إلى فشل استطلاعات الرأي؟ ولماذا وأين أخفقنا؟؟

لقد غاب عن من آمن بهذا الهدف واعتبره سهل التحقيق بل مؤكد التحقيق عدة أمور، ربما أهمها عدم قدرتنا على تقدير الضرر الذي أحدثته الحملة المسعورة على التجمع من قبل الأحزاب الصهيونية خلال السنوات الفائتة، ومن قبل الأحزاب العربية والصحف المأجورة خلال الأسبوع الأخير ما قبل الانتخابات، وتأثير خصوصيات كل قرية ومدينة وصراعاتها الداخلية.

جماهيرنا بطبيعة الحال ليست بحاجة إلى رأي وتقييم رموز أجهزة الأمن واليمين الإسرائيلي للنواب العرب الذين يتصدون لممارسات تلك الرموز.. ولا تتوقع منهم سوى الحرب القذرة على النواب العرب، ومحاولة تهميشهم والتخلص من وجودهم. ولكن لأجهزة الإعلام قدرة فائقة في التغلغل وترك آثارها في المتلقي، وتمكنت تلك الرموز الصهيونية وبمساعدة وسائل الإعلام المأجورة ووسائل الإعلام العبرية أن تحدث خدوشا في ثقة الجمهور العربي بممثليه على مدى عدة سنوات من الترويج المنهجي ضد النواب العرب، عبر تشويه الصورة الحقيقية لهم والتشكيك في دورهم وفعاليتهم وعرضهم أمام ناخبيهم كأشخاص لا يهتمون بقضاياهم اليومية ولا يقومون بشيء سوى الحوارات السياسية... ومن سخرية القدر أن تلك القوى والتي هي مسؤولة عن الإجحاف الذي يمارس ضدنا، وعن كل مصائبنا، حاولت أن تصور الأحزاب العربية وكأنها المسؤولة عن الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي يمر بها العرب في محاولة وقحة لاستهبال العقول وذر الرماد في العيون.

لقد أدرك التجمع مبكرا آثار تلك الحملة، وأنها تساهم في التقاعس عن التصويت، وتؤدي بالتالي إلى انخفاض نسبة التصويت، مما يضع الأحزاب العربية في دائرة الخطر. فعمل التجمع وحيدا بكل جهد على التصدي لآثار تلك الحملة ووضعت قيادة التجمع نصب أعينها الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس في كافة أماكن تواجدهم، وفضح نوايا تلك الأحزاب وزيف دعايتها. واستخدم التجمع جميع منابره المتاحة لمحاربة مخلفات تلك الحرب، إلا أن إعادة الثقة بحاجة إلى وقت أكثر بكثير من أسابيع الدعاية الانتخابية، هي بحاجة إلى سنوات.... وأخطأ كل من اعتقد أننا تجاوزنا آثار تلك الحملة... والدليل هو نسبة التصويت المنخفضة جدا في كثير من القرى والمدن العربية والمنخفضة بوجه عام.

هناك ظاهرة أخرى ساهمت هي أيضا في تعميق تلك الخدوش في الثقة بالنواب العرب، وهي ظاهرة "المقعد الجوال"! الذي يجوب كل الأحزاب باحثا له عن مكان مضمون وخلال تجواله يتجاوز الحد الأدنى من الأخلاق بنكث العهود ونقض للاتفاقات والكذب والابتزاز.....

صحيح أن التجمع نأى بنفسه وأغلق الطريق مبكرا أمام تلك الممارسات لعلمه بإسقاطاتها، إلا أنها تشكل سحابة فوق كل العمل السياسي، وتؤدي لدى الكثيرين إلى اتخاذ موقف ليس فقط ممن يقوم بتلك الممارسات، بل من مجمل العمل الحزبي والسياسي ....

دعاة مقاطعة الانتخابات كان نقاشهم الأساسي مع خطاب التجمع، وهذا ليس غريبا فالتجمع لديه برنامج سياسي متكامل وهو ثمرة تجربة نضالية طويلة، ونتاج فكر متنور ودراسة عميقة لتجارب الشعوب الأخرى والاستفادة منها.

التجمع يرفع شعار دولة جميع مواطنيها والمواطنة الكاملة على مستوى الحقوق المدنية، وينادي بالاعتراف بنا كـ " أقلية قومية" لها هويتها الوطنية والقومية وحضارتها وثقافتها ولغتها وتاريخها، ويطمح التجمع في أن نتصرف كشعب له خصوصياته القومية والوطنية، ومن ضمن هذه الخصوصيات استقلالية ثقافية، وهذا يعني إدارة ذاتية لجهاز التربية والتعليم كسبيل للحفاظ على هويتنا وثقافتنا وحضارتنا.

الأسرلة بالتالي هي أسرلة الفكر والسلوك والثقافة، وهي غير مرتبطة بالمواطنة المنقوصة ولا بالمواطنة الكاملة.... لهذا أخطأ دعاة المقاطعة أو تعمدوا الخطأ في تحليلهم أن المواطنة الكاملة هي الطريق إلى الأسرلة، وهم يعرفون تمام المعرفة وأكثر من غيرهم أن التجمع الوطني هو السياج الحصين لهويتنا ضد الأسرلة.

لا أدري تماما ما هي نسبة المقاطعين موقفاً، وما هي نسبة المتقاعسين عن التصويت من اللامبالاة، إلا أن تغييب تأثير المقاطعة قد لا يكون خطوة سليمة، ويجب أن تبقى نقطة بحاجة إلى دراسة وتقييم، ولكن الأمر المثير والمقلق جدا أن الأصوات التي قاطعت الانتخابات، بالمجمل، هي غير محسوبة للأحزاب الصهيونية بل للخط الوطني، وأتت بالضرر فقط على التجمع الوطني. وسؤالي لهم هل نقص صوت واحد للأحزاب الصهيونية نتيجة لحملة المقاطعة؟؟

حين بدأت وريقة "الصنارة" حملتها الدنيئة المخططة في خدمة أسيادها، ضد أنقى الرموز الوطنية وأحد كبار المفكرين العرب، د.عزمي بشارة، ورافق ذلك صمت من قبل وسائل إعلام محلية هي بالأساس تعاني من أمراض مزمنة، ولا ترقى لأن تكون وسائل إعلام كما يوحي اسمها.

لقد اعتمد بالأساس التجمع في صد تلك الحملة على وعي الجمهور من منطلق أن شعبنا ليس بحاجة إلى شهادة بوطنية عزمي بشارة لا من صحيفة مقربة من حزب العمل والمخابرات الإسرائيلية، ولا من عبد الحليم خدام الذي مثل في ما مضى رمزا للفساد ويمثل اليوم رمزا للخيانة.

ولكن بما أن التجمع كان مستهدفا بشكل يهدد وجوده من عدة اتجاهات، وبما أن الحملة الدنيئة بدأت أسبوعين قبل الانتخابات، كان للتجمع وقت كاف من أجل صد تلك الحملة وتنظيم حملة مضادة للتصدي بكل ما أوتي من قوة، وتكريس كل طاقاته واستخدام ما يمكنه من وسائل الإعلام المتاحة، من أجل صد تلك الحملة... وبما أن هذا لم يحدث نتيجة لترفع التجمع عن هذا المستوى لم يتم الرد بنفس قوة الحملة، وربما كان لهذا التأثير السلبي.

القوائم العربية التي كان يفترض بها أن تدعو كوادرها إلى التصدي لتلك الحملة من منطلق الحد الأدنى من الأخلاق، صمتت بل وتجندت كوادر بعض الأطراف في بعض القرى والمدن للمساهمة في الحملة من أجل كسب صوت هنا وآخر هناك، وبدأ البعض منهم بتصوير نسخ من التقرير المخابراتي الموبوء ونشره، والبعض الآخر بإرساله إلى مجموعات عبر البريد الإلكتروني، ووصل بالبعض منهم إلى محاولة إثبات ما ورد فيه!! ومحاولة تأكيده بشتى الوسائل لدى من يشكك بالخبر وهدفهم "الصوت بأي ثمن"، وهنا بدأت عملية تخريب الأخلاق وتجاوز الخطوط الحمراء!!

أطراف أخرى تصرفت وكأن الإنتخابات هي ليست لتمثيل الأقلية العربية في البرلمان الإسرائيلي، بل لاختيار "إمام مسجد"! وبدأت كوادرها في كافة القرى والمدن العربية بالعمل على التحريض الطائفي وتقسيم نفس الهم إلى مسلم ومسيحي....

لا تعنينا نتائج الانتخابات بقدر ما يعنينا الدمار في البنية والنسيج الاجتماعي الذي خلفته تلك الممارسات... ولكن كما يقول المثل " المية بتكذب الغطاس"، فالماضي والحاضر والمستقبل يثبت لمن انطلى عليه تضليل تلك الأطراف أن نواب التجمع يمثلوننا كأقلية قومية بأداء أفضل وبكرامة وكبرياء، وأن الانتخابات لم تكن لاختيار "شيخ جامع".

كان يجب أن يكون الانتخاب تعبيرا عن رأي وقناعة الفرد في اختيار ممثليه في البرلمان، ولكن في كثير من القرى العربية غاب هذا التوجه وألقت الانتخابات البلدية بظلالها بقوة على خيار الناخب، وأصبح الخيار مرهونا بنزعات شخصية أو قبلية، وكان التصويت في كثير من الأحيان هو تصويت لرموز سياسية محلية متأثرا بصراعاتهم داخل القرية، وبمحاولتهم استعراض قوتهم استعدادا للانتخابات البلدية.

في تلك القرى كانت نسبة تصويت أعلى من المعدل العام متأثرة بالصراعات الداخلية ..... من هنا، على التجمع أن يقوم بدراسة شاملة لكل قرية، وفرز عناوينه الإستراتيجية التي من الممكن أن يبني عليها قوته في المستقبل، والعمل على تبنيها وتطويرها.

استطاع التجمع أن يحافظ على نوابه الثلاثة، صحيح أن عدد المصوتين ارتفع بشكل طفيف جدا، ونسبة مصوتيه زادت أيضا بشكل أكبر، ولكنه بالتالي حصل على أقل عدد أصوات بين القوائم، رغم أنه قد يكون الحزب الأقوى كحزب منفرد، ولكن ليس هذا هو المهم الآن. قد يحتاج التقييم بشكل علمي ومدروس إلى صفحات كثيرة لكل قرية ولكل مدينة، مع علمي أن التجمع قام بعقد جلسات تقييم في كافة القرى والمدن العربية، ولكن الأهم من هذا هو البدء بخطوات عملية وبنشاط مكثف من أجل تنظيم الكوادر والفروع والاستثمار في الجيل الواعد الذي هو مستقبل كل حزب سياسي.

على التجمع أن يركز على تميزه ومشروعه الوطني وخطابه لأنها تعتبر مكامن قوته... وعليه أن يستفيد من تقييم تلك التجربة وأن يجعل منها محفزا إلى الأمام.....

التعليقات