31/10/2010 - 11:02

الهروب نحو الانتخابات المبكرة: إسرائيل غير جاهزة للسلام../ هاني المصري

الهروب نحو الانتخابات المبكرة: إسرائيل غير جاهزة للسلام../ هاني المصري
لـم يكن ينقص الـمفاوضات، وما يسمى عملية السلام، سوى دخول إسرائيل في دوّامة التحضير لإجراء انتخابات مبكرة من الـمتوقع أن يفوز فيها حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو الذي أعلن أنه سيتفاوض مع الفلسطينيين لتحسين حياتهم الاقتصادية، وليس لعقد اتفاق سلام.

ومثل هذه الخطوة تعني أن إسرائيل ستكون مشغولةً لفترة لا تقل عن ستة أشهر بالانتخابات وتشكيل الحكومة بعد الانتخابات، وهذا يعني أن حكومة أولـمرت الانتقالية ستكون غير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، خاصة في مواضيع تتعلق بعملية السلام؛ لأنها لا تملك التفويض الأخلاقي اللازم؛ لذلك فأولـمرت اللاهث لتحقيق إنجاز يختم به حياته السياسية، سيهبط من السماوات العالية التي يحلق بها جراء أوهامه الخاصة، ليرتطم بصخرة الواقع العنيد التي تذكره بأن ليفني لـم تستطع تشكيل حكومة لأنها رفضت اشتراطات حركة شاس، وأهمها رفض التفاوض ــ مجرد التفاوض ــ حول القدس؛ ما يحول حكومة ليفني إذا وافقت على ذلك إلى دمية في يد حركة شاس.

ما سبق لا يعني أن بقاء حكومة أولـمرت، أو نجاح ليفني بتشكيل حكومة سيقربنا من السلام، فالـمطروح، في كل الأحوال حل إسرائيلي مرفوض فلسطينياً؛ لأنه يقوم على حلول جزئية انتقالية، وإعادة إنتاج اتفاق أوسلو، بإعلان مبادئ جديد واللجوء لبدعة اتفاق الرف.

إن الذهاب إلى انتخابات مبكرة، هو السلوك الإسرائيلي الـمعتاد والسائد منذ عشرين عاماً على الأقل. فمنذ عام 1988 لـم تستكمل أية حكومة دورة الكنيست التي من الـمفترض أن تستمر أربع سنوات. لقد تعاقب على مكتب رئاسة الوزارة في إسرائيل تسعة رؤساء حكومات لـم يعمر كل واحد منهم سوى أقل أو أكثر بقليل من نصف الـمدة، ما يدل على عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل الذي يعود إلى عدة أسباب، أهمها: التهرب الإسرائيلي الدائم من دفع ثمن استحقاقات السلام. فإسرائيل تريد أن تحصل على فوائد السلام دون أن تدفع ثمنه.

فرغم التغييرات التي حدثت في إسرائيل، إلاّ أنها ليست جاهزة للسلام حتى الآن. فإذا نظرنا إلى برامج الأحزاب الإسرائيلية طوال السنوات الـماضية سنرى أنها تغيّرت ولكن بالشكل وليس الـمضمون.

لقد سقطت في إسرائيل مقولة 'شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب'، ونظرية طرد الفلسطينيين وإقامة إسرائيل الكبرى، وحل محلها الاعتراف بالـمنظمة كممثل للشعب الفلسطيني دون الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، ووافقت إسرائيل على مبدأ قيام دولة فلسطينية، ولكن حفاظاً على بقاء إسرائيل كدولة يهودية، وعلى أن تقوم الدولة الفلسطينية الـمطلوبة إسرائيلياً على جزء من الأراضي الـمحتلة العام 1967، في الـمناطق الآهلة بالسكان في الضفة، وبعد ضم وسيطرة إسرائيل على مساحات واسعة من الضفة بما فيها القدس، لأسباب سياسية وأمنية وعسكرية ودينية ومائية واقتصادية. فالـمساحات التي تريد إسرائيل السيطرة عليها بشكل دائم أو ضمها لإسرائيل في أية تسوية نهائية تتراوح ما بين 40 ــ60% من مساحة الضفة، هذا فضلاً عن الـمطالبة بإقامة ترتيبات أمنية تضمن وجود نقاط ومواقع عسكرية في النقاط الإستراتيجية وعلى الحدود والـمعابر، وتضمن السيطرة على الأجواء وعلى ما في باطن الأرض، وتحتفظ بحق إسرائيل بدخول قواتها إلى عمق الدولة الفلسطينية إذا وجدت ضرورة لذلك، مع أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح، وكذلك ممنوع عليها أن تقيم تحالفات عسكرية مع أي دولة أو تحالف إقليمي أو دولي.

إن ما سبق، وجملة الـمعطيات والـمؤشرات التي تحكم العروض الإسرائيلية التي قدمت والتي يمكن تقديمها للسلام مع الفلسطينيين، تدل على أن إسرائيل غير جاهزة للسلام، ولا يوجد شريك إسرائيلي لصنع السلام. فإسرائيل تريد إدارة الصراع دون سلام إلى أن يظهر طرف فلسطيني أو عربي أو فلسطيني عربي مستعد لقبول الحل الإسرائيلي الذي يعتبر في 'أفضل' صيغة مطروحة، بعيداً تماماً عمّا هو وارد في القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وعمّا يمكن أن يقبله أكثر الفلسطينيين اعتدالاً.

إن إسرائيل تدرك ذلك، لذلك قامت سابقاً ــ ولا تزال تقوم حالياً، وبشكل مستمر ــ بتطبيق سياسة فرض الحقائق على الأرض، التي تجعل الحل الإسرائيلي أكثر وأكثر هو الحل الـمطروح والـممكن عملياً، ولجأت إلى سياسة الخطوات أحادية الجانب التي تمثلت بخطوة فك الارتباط الأحادي من غزة، التي شكلت خطوة إلى الوراء في غزة من أجل التقدم عشر خطوات إلى الأمام في الضفة، ومن أجل قطع الطريق على الـمبادرات والجهود العربية والدولية.

وكما نذكر جميعاً، فإن أرئيل شارون صاحب نظرية الحل الانتقالي طويل الأمد متعدد الـمراحل، وسياسة الخطوات أحادية الجانب، شكل حزب كاديما من أجل الـمضي بهذه السياسة وتطبيق خطة الانطواء في الضفة.

إن ما جمد هذه الخطة ــ أو حال دون تطبيقها حتى الآن ــ هو أن شارون الزعيم القوي وصاحب الفكرة، فاجأه الـمرض ويعيش في غيبوبة منذ زمن طويل وحتى الآن، وأن خليفته أولـمرت لـم يكد يصل إلى سدة الحكم في إسرائيل حتى فاجأته الهزيمة الـمخزية في الحرب اللبنانية الأخيرة، والتي جعلت إسرائيل منشغلة في فهم أبعاد ودروس هذه الحرب التي مست بنتائجها غير الـمتوقعة نظرية الردع الإسرائيلية بالصميم. فلـم تعد إسرائيل هي التي تقرر موعد ومكان الحرب، ومتى تنتهي، ولا أن تفرض أن تكون جبهتها الداخلية بمنأى عنها.

في هذا السياق، فإن إسرائيل عندما تستكمل مخططاتها التوسعية والعنصرية والاستيطانية في الضفة، خصوصا القدس والأغوار، وفيما يتعلق بالتوسع الاستيطاني واستكمال جدار الفصل العنصري، فإنها، إذا لـم تجد شريكاً فلسطينياً يوافق على ما تطرحه، ستعيد طرح سياسة الخطوات أحادية الجانب، لأنها تخشى من أن الوقت لن يكون دائما في صالحها، خصوصاً بعد ظهور ظاهرة التعددية القطبية على الـمستوى الدولي، والأزمة الـمالية الأميركية والعالـمية، وصعود إيران، وغيرها من التطورات الحاصلة فعلاً أو الـمحتملة والتي لا تناسب إسرائيل بالـمرة. إن إسرائيل تخشى من حقيقة أنها إذا لـم تتوصل إلى حل مع الفلسطينيين، وإذا لـم تستطع أن تفرض حلها وإن من جانب واحد، سيتدخل العالـم لفرض حل عليها سيكون مناسباً للفلسطينيين أكثر مما هو مناسب لإسرائيل.

إن أمام الفلسطينيين فرصة ذهبية الآن، بسبب انشغال إسرائيل والولايات الـمتحدة الأميركية في الانتخابات وتداعيات الأزمة الـمالية، وهم يستطيعون فيها ترتيب بيتهم وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، والإمساك بزمام الـمبادرة مجدداً من خلال طرح استراتيجية وطنية توقف التآكل الـمستمر بالبرنامج الوطني الفلسطيني، طوال العشرين عاماً الـماضية، وتبرهن لإسرائيل أن لدى الفلسطينيين بدائل أخرى، غير البدائل الـمفضلة من إسرائيل، وهي استمرار الوضع الراهن، أو العودة للخطوات أحادية الجانب، أو إحياء الخيارات الأردنية والـمصرية والعربية على حساب الخيار الفلسطيني، أو الدولة ذات الحدود الـمؤقتة، أو حل دولي يناسب إسرائيل.

إن لدى الفلسطينيين خيار الكفاح الوطني القادر على إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمامات العربية والدولية، وإلى مرجعيتها الـمتمثلة بالقانون الدولي والشرعية الدولية، وما يستدعيه هذا الخيار من إعادة النظر بمسيرة الـمفاوضات والإصرار على انطلاق مفاوضات جادة قادرة على إنهاء الاحتلال، وليس الاستمرار بمفاوضات تدور حول الـمفاوضات، وبلا مرجعية واضحة وملزمة، وتستخدمها إسرائيل للتغطية على سياسة فرض الحقائق على الأرض، ولقطع الطريق على الـمبادرات والجهود الأخرى العربية والدولية.

عندما تقتنع إسرائيل بأن لدى الفلسطينيين خيارات وبدائل أخرى، وأنهم جادون لتطبيقها، عندها ستغير سياستها وتصبح جاهزة للسلام، وإلى أن يحدث ذلك، نأمل أن يكف بعض الفلسطينيين عن الركض وراء الأوهام، والبحث عن سلام ضائع، لا يمكن أن يتحقق عن طريق الاكتفاء بإبداء التمنيات والـمطالبات، وإنما بحاجة إلى كفاح يجعل إسرائيل تخسر من احتلالها أكثر مما تربح!!

التعليقات