31/10/2010 - 11:02

الى غسان كنفاني 2008- 2009../ عصام اليماني*

الى غسان كنفاني 2008- 2009../ عصام اليماني*
1-

بعد شهر من رسالتي إليك العام الماضي، رحل محمود درويش، الشاعر الشاب الذي قدمته إلينا عام 1965 عبر كتابك "أدب الأراضي الفلسطينية المحتلة"، وكما مشيت أنت في جنازتك قبل رحيلك بسنوات، مشى محمود في جنازته قبل أن يرحل. زرع محمود، و أثمر زرعه، لكن للأسف، البعض منا قدم ثمار الحقل هدية لمن إحتله. ما زلنا بإنتظار موسم جديد يحمل ثمارا نقدمها هدية لمن يستحق...

2-

غسان، للحظة إعتقدنا أننا عدنا إلى بعض الوطن لنحرر البعض الآخر، لنكتشف أننا وقعنا في فخ "سلطة الوطن". وإذ بالوطن "صهريج" كبير، أكبر من صهريج "أبو الخيزران". "صهريج الوطن" شبيه بالشقق المفروشة، تسكن فيها لكنك لا تشعر بحميمية المكان.... وبتنا نخشى كما "أبطال" رجال في الشمس، أن ندق جدران الخزان. نخشى يا غسان، إذا تركنا الشقق المفروشة، أن نعود إلى الخيمة... فخيمة سعد التي حدثتك عنها "أم سعد"، يوم قالت "خيمة عن خيمة تفرق" لم تعد موجدودة، فهي الأخرى، تم تقديمها هدية على طبق أوسلو، بقيت خيمة التشرد يا رفيقي....

3-

بين الفينة و الأخرى، أقرأ بعض ما كتبت من مقالات سياسية في مجلة "الهدف" التي رفعت لها شعارا: "الحقيقة كل الحقيقة للجماهير". كم كنت رومانسيا وحالما يا غسان، وعنيفا إلى درجة "الإرهاب". نعم يا رفيقي بمقاييس هذه المرحلة، فأنت منظر "الإرهاب"، فقد حددت الأعداء، الحركة الصهيونية، إسرائيل، الإمبريالية العالمية، والأنظمة الرجعية. اليوم لا أعداء لنا، من كان عدوا لنا لم يعد، باتوا قوى وأنظمة نختلف معها حول الطريق الأفضل للوصول إلى السلام... فرؤية نتنياهو تختلف عن رؤيتنا، فالمسألة لم تعد مسألة وطن واحتلال، باتت المسألة حسابية، مساحة الأرض، ونسبة التبادل، عدد المعتقلين الذين سيفرج عنهم، وعديد الشرطة، لم نعد نحتاج إلى مناضل للتفاوض، يكفي سمسار أو تاجر عقارات أو عالم رياضيات. وأوباما الامريكي، يتلو علينا بعضا من آيات القرآن الكريم، الرجعية العربية، حليفنا في التصدي للخطر الفارسي، الحركة الصهيونية تبذل كل جهدها للتوسط من أجل توطيننا. أما "الحقيقة كل الحقيقة للجماهير" فباتت تراثا نتغنى به..!!

4-

كتبت لك العام الماضي عن "الحوار الفلسطيني- الفلسطيني". ما زلنا نتحاور، و ما زالت مصر والسعودية وسوريا وإيران، و"إسرائيل" والولايات المتحدة وقطر وتركيا يديرون الحوار، وعندما نتعب، نترك لهذا العالم حرية التحاور بالنيابة عنا، فقد امتدت جذورونا إلى حقولهم وشجرهم ونباتهم. نطلب من بعضنا البعض ما نطلبه من الاحتلال "إطلاق سراح المعتقلين". نضع ألف شرط لنبدأ حوارنا، و"نحاور إسرائيل" بدون شروط مسبقة... مهزلة يا رفيقي..!!

5-

غزة وما أدراك ما غزة، جريمة من الطراز الأول، شاهدها العرب كما يشاهدون مباراة كرة القدم، انتهت النتيجة بالتعادل، أقر المجتمع الدولي جوائز ترضية للطرفين، إيهود باراك تسلم جائزته، وغزة ما زالت تنتظر فتح المعابر لاستلام مستحقاتها، لن يفتح المعبر قبل أن نتفق نحن "الفلسطينيون". أي منا أحق بالجائزة، اللاعب منا أم المتفرج؟!

6-

ما زالت الأمور ملتبسة لدى الرفاق، فلم نعد نعلم ما إذا كنا حزبا يتجدد، أم أننا حركة تراثية تعتمد على ما تركتموه لنا أنت والحكيم وأبو هاني وأبو ماهر وأبو نضال وباسل وكل الشهداء. نقف في الوسط كأننا حكام المباراة الفتحاوية الحمساوية، ما أن تنتهي المباراة حتى يتراجع اسم الحكم ودوره وتبقى في الذاكرة النتيجة واسم الفريق الفائز. الأمر يحتاج أن نكون فريقا فاعلا، وهذا ينطبق على كل فريق اليسار....

7-

على سيرة اليسار، برزت ظاهرة جديدة في الوسط الثقافي الفلسطيني، ممكن أن نطلق عليها اسم "ظاهرة اليسراوي". فاليسرواي له مواصفاته الخاصة، فهو من كان منتميا إلى واحدة من فصائل اليسار وتحول عنها ليصبح كاتبا "مستقلا" ومحللا سياسيا تستنجد به الفضائيات "ليدلو بدلوه"، بعض هؤلاء "اليسراويين" مسل، وبعضهم الآخر مقرف، فبعض اليسراويين لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، فمنهم من هو على يسار اليسار ومنهم من هو أكثر يمينية من أنظمة مشايخ النفط، لدرجة أن بعضهم لا يتفوه بإسم ملك او رئيس عربي قبل أن يذكر صفة التفخيم "جلالة وسيادة وخادم الحرمين وصاحب السمو"..!! بعضهم الآخر يعمل بصفة "مستشار" يبرر، وأحيانا يرسم سياسة السلطة، ويمشي على "يمين الرئيس". وهؤلاء لا يحبذون المقاومة ومفرداتها منذ أن تخلوا عن وسائل المقاومة المشروعة واستبدلوهها بأقلام لا تكتب إلا ما يملى عليها.

اليسراوي الفلسطيني يعتقد أنه تجسيد لثقافة ماركس، وبعد نظر لينين، وثورية تشي غيفارا، وحكمة هوشي منه، ودهاء معاوية، ونسوية روزا لوكسمبورغ المتحررة..!! يبحثون في المؤلفات كما يبحث بعض رجل الدين في الآيات وتفسيرها و السيرة النبوية لإيجاد فتوى "يسراوية" تبرر صحة سلوك ونهج الرئيس وسلوك الحاكم. بعض اليسراويون همهم طمأنة الأصدقاء الجدد من الصهاينة.

8-

حركة "فتح"، التي قادت الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، ليست أفضل حالا من اليسار، ينخرها الفساد والامتيازات، وشراء الذمم والأصوات قبيل انعقاد مؤتمرها المرتقب، يختلف الأخوة على مسار التحرير، بعضهم يعتبر أن التحرير لم يعد هدفا، إنما الهدف يتلخص بكيفية إدارة "الباستونات" وهبات العالم الغربي، وبعضهم الآخر يعتبر الهدف إعادة تحرير غزة بعد "اغتصابها" من قبل حركة "حماس". الصوت الوطني داخل الحركة يتم تغييبه وكتمان صريخه... من المهم أن تنهض "فتح" من جديد....


9-

"حماس"، الفصيل الإسلامي الذي نشأ بعد رحيلك بسنوات، وجد الحل في "الفتوى" استعدادا للقبول بدولة على الأراضي الفلسطينة المحتلة عام 67، دون الاعتراف "بإسرائيل" واستعدادا لهدنة طويلة الأمد مع المحتل..!! "حماس" ترفض التعددية في مناطق نفوذها، وترفض فن الرقص التعبيري... والدبكة التي تتشابك خلالها أيادي الصبايا والشباب... لا أعلم إذا كان هذا من المحرمات أو من المحظورات.. الله أعلم...

10-

الشيء الإيجابي في الخارطة الفلسطينية أن هنالك حالة وطنية نامية وواعدة في فلسطين المحتلة منذ الـ 48، حالة نهوض تبشر بالخير، ربما جاء الدواء من منبت الداء...

ملاحظة أخيرة قبل إغلاق الملف الفلسطيني، تطالبنا القوى الغربية المناهضة للتطبيع، ومكافحة العنصرية الصهيونية، بدعم سياسي فلسطيني لمواقفها، عندما نقلنا ذلك للقيادة الفلسطينية، تكثفت لقاءاتها مع القوى المؤيدة "لإسرائيل".

11-

جنبلاط، أرسلان، فرنجية، شمعون، الجميل، معلوف، المر، مجدلاني، الأسعد، سلام، كرامي، الصلح، الأحدب، سعد، الخازن، الميثاق، الطائفية السياسية، برنامج الإصلاح، شيعي، سني، ماروني، أقليات، حكومة موسعة، ضيقة، صلاحيات رئيس الجمهورية، الفساد، المخابرات، الحقوق المدنية للفلسطينيين، الجنوب، الإنماء المتوازن، المناطق المحرومة.. المعزوفة اللبنانية لم تتغير، تعيد إنتاج ذاتها بمعدل مرة كل عشر سنوات، شيء واحد استجد في لبنان... واسم "الله" عبر السيد حسن نصرالله .....

12-

سألني أحدهم بخبث شديد، أين سيكون موقع غسان لو لم يرحل؟ لا أعرف، اجبت. ولا أريد ان اتنبأ، ما أعرفه أن غسان يوم رحيله كان في موقعه الطبيعي، وكان متمسكا بتحرير فلسطين كل فلسطين... هل أصبت في الرد يا غسان؟! آمل ذلك...

التعليقات