31/10/2010 - 11:02

انتصار في الاتجاه المعاكس../ فيصل جلول

انتصار في الاتجاه المعاكس../ فيصل جلول
وصف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا ب”الخطوة التاريخية”، وهو محق في وصفه، ذلك أن فرنسا التي اخترعت حدود الدولتين في بلاد الشام ورسمت خطوطها الفاصلة خلال الحرب العالمية الثانية كانت تتطلع إلى اعتراف كل منهما بالأخرى عبر التمثيل الدبلوماسي وتوقيع وثائق الخرائط الحدودية حتى تنتظم صناعتها لتاريخ منطقتنا المعاصر وتمهر بأختام المؤسسات الدولية.

ويتراءى أن باريس كانت تتوجس من إهمال دمشق وقسم وافر من اللبنانيين للعلاقات الدبلوماسية وترسيم الحدود، كما يتوجس رجل وضع يده على عقار وأخذ ينتفع به ثم سجله في الدوائر العقارية من دون أن يحصل على صك الملكية وإذ جاءه أطلق العنان لمشاعر احتفالية مشوبة بغصة ستتضح خلفيتها في السياق.

وإذا كان تبادل السفارات بين لبنان وسوريا يختم سيرورة تاريخية تعكس الإرادة الفرنسية في ترسيم بلاد الشام، وإذا كان يعكس انتصاراً لفريق متنوع من اللبنانيين المناهضين لسوريا فإنه بالمقابل يطرح سؤالاً كبيراً حول معنى هذا “الانتصار” وحول وجهته.

يستدعي السؤال فرضيتين، أولاهما أن ترسيم السفارات والحدود يختم سيرورة هجومية كان فريق من اللبنانيين يستخدمها في الصراع مع سوريا، معتبراً أن إصرارها على رفض التمثيل الدبلوماسي بين الدولتين يعكس نظرتها إلى لبنان بوصفه أثراً من آثار اتفاقية “سايكس بيكو” التي يتوجب محوها. ولربما يرى هذا الفريق أن إنشاء سفارة لبنانية في عاصمة الأمويين يشكل اعترافاً سورياً صريحاً ب”سايكس بيكو” وبالتالي يردع دمشق عن التدخل في الخيارات السياسية اللبنانية، ويوفر لبيروت تغطية دولية لتلك الخيارات حتى لو كانت مناهضة لسوريا.

والفرضية الثانية تقول، إن تبادل السفارات يتيح لسوريا هامشاً أكبر للمناورة في تعاطيها مع لبنان لأنه يحررها من الأطماع المنسوبة إليها بضم لبنان ومحوه من الوجود من دون الاضطرار إلى تغيير حرف واحد في الايديولوجيا البعثية الوحدوية وبالتالي يطلق يدها في التصرف بحدودها مع جيرانها اللبنانيين وفق مصالحها ومن دون لومة لائم: فرض نظام التأشيرة إذا أحبت. فرض ضرائب على البضائع والمعاملات التجارية وفق ما تشتهي. تحويل السفارة في بيروت إلى مقر نفوذ شرعي علني لا يقل أهمية عن السفارات الأخرى والغربية بخاصة. إقفال الحدود مع لبنان إذا ما اقتضت الضرورة السورية. إقفال المجال الجوي.. إلخ. مع التذكير أن سوريا هي البوابة الوحيدة للبنان واللبنانيين نحو العالم العربي. تبقى الإشارة إلى أن التمثيل الدبلوماسي يحرر أصدقاء سوريا في لبنان من تهمة التفريط ب”الكيان” ويضفي المزيد من الشرعية على استراتيجيتهم النازعة لإقامة علاقات استراتيجية مع دمشق تحت شعار “دولتان في بلد واحد”.

كان يمكن لتبادل السفارات وترسيم الحدود أن يتحول إلى هزيمة لسوريا وانتصار للسياديين اللبنانيين “المزعومين” لو توفرت الشروط التالية:

* أولاً: سقوط النظام الحالي في دمشق وقيام نظام دمية على غرار النظام العراقي الخاضع للاحتلال والهيمنة الأمريكية.

* ثانياً: لو لم يستخدم فريق واسع من اللبنانيين مفهوم السيادة في إطار أيديولوجي مؤيد لسوريا ومناهض لأعدائها وبخاصة “إسرائيل” ولعل هذا الفريق هو الأقوى في لبنان اليوم وهو الضامن لعلاقات ثابتة بين البلدين ولتحويل التبادل الدبلوماسي إلى ورقة دفاعية عن سوريا وتجريده من نزعته الهجومية.

* ثالثاً: لو أن التمثيل الدبلوماسي جاء تتويجاً لثقافة سياسية لبنانية شاملة ملائمة للكيانيين اللبنانيين الذين اعتبروا ويعتبرون أن السيادة اللبنانية تكون ضد سوريا حصراً.

* رابعاً: لو أن الحدود بين الدول كانت من نفس الطبيعة التي تميزت بها خلال القرنين التاسع عشر والعشرين حيث كان نظام الدولة الأمة هو السائد في العلاقات الدولية. أما اليوم فإن حدود الدول فقدت قدسيتها وصارت الدول المتوسطة القوة كفرنسا وبريطانيا مضطرة للتخلي عن قسم كبير من سيادتها وفتح حدودها والتخلي عن عملتها حفاظاً على مصالحها.

* خامساً: لو أن العولمة لم تجرد القسم الأكبر من دول العالم من السيادة على أجوائها ومقدراتها الاقتصادية والثقافية.

إن لبنان الذي يقيم علاقات دبلوماسية مع سوريا لم يعد ذلك البلد الذي زعمت نخبته “أن قوته في ضعفه” بل في تصديه لعدوه “الإسرائيلي” الوحيد. وفي عقيدة جيشه الجديدة ولم يعد ذلك البلد الذي يطبق دستور الجمهورية الفرنسية الثالثة وإنما “اتفاقية الطائف” التي ترسم علاقات استراتيجية مع سوريا حصراً. ولعل حال الفريق اللبناني الذي كافح من أجل التمثيل الدبلوماسي مع سوريا أقرب في هذا السياق إلى “هزيمة المنتصر” منه إلى انتصار المهزوم.
"الخليج"

التعليقات