31/10/2010 - 11:02

انتهت المفاوضات قبل بدايتها../ إلياس سحاب

انتهت المفاوضات قبل بدايتها../ إلياس سحاب
من طبيعة كل مفاوضات سياسية في العالم، ان تظهر ثمارها بعد انتهائها واكتمالها، بل ان موسم قطف الثمار قد يتأخر أحيانا، فترة انتقالية تفصل ما بين نهاية المفاوضات، ونضج ثمارها وقطفها.

إلا المفاوضات التي ستجري في اطار الاجتماع أو اللقاء (الذي لم يرتق الى مرتبة «مؤتمر») الذي سينعقد في الشهر المقبل بدعوة من الرئيس الاميركي، للتداول بشأن القضية الفلسطينية. فهذه مفاوضات صممت وخططت وبدأ تنفيذها بحيث تعطي ثمارا من النوع الذي ينضج ويقطف قبل المفاوضات لا بعدها.

ليس هذا الكلام من باب التشاوم، أو حتى السخرية، بل هو نتيجة قراءة دقيقة لتصرفات وتصريحات الاطراف الاقوى في هذه المفاوضات (الاميركيين والاسرائيليين)، في الفترة الفاصلة بين الاعلان عن فكرة المفاوضات، وعقد الاجتماعات التي ستجري المفاوضات في إطارها.

فالسيدة كوندليسا رايس، الناطقة الاشد فصاحة بلسان الادارة الاميركية، في الفترة الاخيرة، توضح الامور، بل تفضحها، من البداية. انها تقول للعرب: «ارفعوا أيديكم عن الفلسطينيين، واتركوهم يديروا شؤونهم معنا ومع اسرائيل فقط، لا تكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين».

ان الترجمة السياسية الدقيقة لهذا الكلام الواضح، بل الصارخ في وضوحه، معناها ان الادارة الاميركية الحالية، قد وضعت يدها اخيرا على لحظة ضعف فلسطينية نادرة، وغير قابلة للاستمرار أو التكرار (راجع العلاقة بين الضفة الغربية وغزة، وبين فلسطين المحتلة والشتات)، وتريد أن تبني عليها أي تصور لأي حل للقضية الفلسطينية، حتى لو حمل اسم «الحل على أساس إقامة دولتين».

ان مقارنة تطور المحتوى العملي لفكرة «الدولة الفلسطينية»، بين قرار التقسيم، والوضع الراهن لما تبقى من أرض فلسطين (بعد إقامة المستوطنات والجدار العازل، وتهويد الضفة والقدس)، تكشف أن فكرة الدولة الفلسطينية قد تدهورت، في نصف القرن الاخير، من مرتبة «الحل التاريخي الجدي»، الى مرتبة التصفية الصريحة للفكرة، بتحويلها الى مجرد كيان شبه مشلول، لا يتحرك إلا في اطار السيطرة الكاملة لدولة اسرائيل الكبرى والقوية.

لكن الامر لم يتوقف عند الاضواء الكاشفة، بل الفاضحة، التي سلطتها وزيرة الخارجية الاميركية سلفا على مفاوضات الخريف، بل يندفع الشريك الاسرائيلي لأميركا في هذه المفاوضات، أولمرت، لإلقاء مزيد من الاضواء الكاشفة (الفاضحة) المسبقة، فيقول للفلسطينيين علنا وصراحة: «يجدر بكم أن تتخلوا عن أحلامكم».
معلوم أن الترجمة السياسية الدقيقة لكلمة «أحلام الفلسطينيين» تعني حاليا:

ـ دولة فلسطينية على كامل الاراضي المحتلة عام .1967
ـ القدس العربية، عاصمة لهذه الدولة.
ـ ضمان حق العودة لجميع الفلسطينيين، اينما كانوا.

فإذا جمعنا حصيلة ما يعنيه تصريح وزيرة الخارجية الاميركية، الى حصيلة ما يعنيه تصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي، واذا أجرينا حسابا لأوراق القوة التي يذهب بها محمود عباس الى المفاوضات، وهي في مجملها «أوراق ضعف» لا أوراق قوة، فإن بوسعنا التنبه الى أن مفاوضات الشهر القادم بشأن القضية الفلسطينية، قد انتهت قبل أن تبدأ، وأنها بالتالي، قد أدت دورها قبل انعقادها ولا يرجى منها منطقيا، أي دور أو أي ثمار بعد انعقادها، ولا حتى بحدود تخفيف آلام الفلسطينيين على مئات الحواجز الاسرائيلية، أو إطلاق سراح عشرات من آلاف الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية.

كل ما في الامر، ان الرئيس بوش، بما تبقى حوله من المحافظين الجدد، يشعر أن ملعبه الرئيسي في واشنطن، قد تبدلت ظروفه بالكامل، بعد انتخابات مجلسي النواب والشيوخ، وبعد ازدهار موسم تساقط نجوم المحافظين الجدد، واحدا إثر الآخر، وبعد الفشل المدوي لخططه القديمة والجديدة في العراق، وما عكسه هذا الفشل من تبدلات جذرية في ظروف الملعب السياسي الداخلي (الرئيسي) للبيت الابيض، بدأ يشعر انه لم يتبق لديه سوى ملاعب سياسية غير رئيسية في أفغانــستان والعــراق وفلسطين ولبنان، وهي التي ما زال في وسعه، رغم كل جولات الخسارة السابقة، أن يصول ويجول فيها، ولو من باب تمرير الوقت الفاصل بين خريف العام الحالي، وخريف العام القادم، الذي سيشهد النهاية الفعلية لكل هذه المناورات والتحركات، الجدي منها، والاستعراضي.

واذا تذكرنا الصعوبات التي تواجهها السياسة الاميركية في أفغانستان (وباكستان) والعراق ولبنان، فسنكتشف أن أضعف هذه الساحات السياسية في اللحظة التاريخية الراهنة، هي الساحة الفلسطينية، الامر الذي تولدت معه فكرة المفاوضات التي تنتهي قبل أن تبدأ، والتي يكتسب الشكل فيها كل قيمة، بينما تصل قيمة الجوهر فيها الى الصفر.

مسكينة قضية فلسطين، كم حط من قدرها أصحابها وأعداؤها.
"السفير"

التعليقات