31/10/2010 - 11:02

انحرافات مسار التفاوض بعد أنابوليس../ أحمد الحيلة*

انحرافات مسار التفاوض بعد أنابوليس../ أحمد الحيلة*
تنطلق الجولة الأولى من المفاوضات الثنائية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، في ظل أجواء من التصعيد الإسرائيلي الذي لم يتوقف قبل وأثناء وبعد أنابوليس، هذا في الوقت الذي تعاني فيه غزة من آثار الحصار الذي حصد أرواح نحو 34 فلسطينياً غزياً، ومخلفاً نحو مائتي جريح أصيبوا جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة هناك، هذا فضلاً عن تدهور الوضع الصحي، والتعليمي، والصناعي، ومجمل قطاع الخدمات..

من جانب آخر، تنطلق المفاوضات على وقع إعلان الحكومة الإسرائيلية ـ بعد أنابوليس ـ عزمها بناء نحو 307 وحدة استيطانية جديدة في جبل أبو غنيم، في خطة ترمي لاستكمال حصار القدس بحزام ديمغرافي استيطاني يهودي يعزل القدس عن باقي الضفة الغربية، بذريعة أن القدس لا تخضع للالتزامات المتبادلة الواردة في خارطة الطريق..

هذا الواقع القديم ـ الجديد طرح سؤالاً حول جدوى المفاوضات أو جدوى انطلاقها تحت سيف وعنف الآلة الحربية الإسرائيلية، وتحت تهديد الاستيطان في القدس..؟

وحول هذا السؤال، فقد ثار جدل في أروقة المقاطعة في رام الله، بين مؤيد ومعارض لانطلاق المفاوضات في ظل التصعيد الإسرائيلي الراهن، ولكن الكفة رجحت أخيراً لصالح المؤيدين رغم لغة الرفض، والقلق، والإدانة للاستيطان وللاعتداءات الإسرائيلية المستمرة..

وبغض النظر عن مبررات كل طرف، فإنه من المؤكد أن التفاوض في هذا التوقيت وفي ظل تلك المعطيات الاستيطانية الجديدة في القدس، وفي ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية..، يخلق بلا شك ظلالاً سلبية على مسار التفاوض والقضية، ومنها:

• أولاً: أن التفاوض تحت الحراب وبالأمر الواقع، يضع المفاوض الفلسطيني الأعزل والضعيف، تحت الضغط الإسرائيلي المباشر..، كما يُشغله عن المسائل الجوهرية الدائمة بالمسائل الظرفية القائمة؛ فبدلاً من تفرغ المفاوض الفلسطيني للبحث حول القدس، واللاجئين، والدولة، والسيادة، والمياه..، سيجد نفسه منشغلاً بالمطالبة بوقف الاستيطان الجديد، ووقف الاعتداءات العسكرية، ورفع الحواجز..، لأنه لا يعقل أن ينجح المفاوض الفلسطيني في إقناع شعبه بحيوية وأهمية المفاوضات لاستعادة القدس والأرض والحقوق..، في الوقت الذي هو عاجز فيه عن رفع حاجز هنا أو هناك، أو عاجز عن إدخال الأدوية والمواد الإنسانية إلى غزة المحاصرة. ومن هنا وجدنا أن موضوع التصعيد الإسرائيلي، ومسألة بناء أكثر من 300 وحدة سكنية استيطانية جديدة في القدس قد سيطر على اللقاء الذي جمع قبل عدة أيام السيد أحمد قريع بالسيدة تسيبي ليفني، كما أنه سيطر على اهتمام المقاطعة في رام الله أيضاً. وهذا يعني أن النقاش حول الانتهاكات والإجراءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ـ على أهميته ـ سيتقدم على نقاش المسائل الجوهرية المتعلقة بالحقوق الوطنية الفلسطينية أو يشغل المفاوض الفلسطيني عنها.

• ثانياً: الشروع بالمفاوضات قبل توقف الاستيطان في القدس، قد يفضي فلسطينياً لقبول الأمر الواقع هناك..؛ فالتفاوض في ظل هذه المعطيات، يعني القبول مبدئياً ـ بحكم الواقع ـ بتحلل الطرف الإسرائيلي من استحقاقات خارطة الطريق التي تفرض عليه وقف الاستيطان، وبالتالي إفساح المجال للاحتلال لفرض المزيد من وقائع التهويد لمعالم القدس الجغرافية والديمغرافية..

• ثالثاً: التفاوض بهذا الشكل يؤدي إلى إغراء الاحتلال بارتكابه المزيد من الحماقات والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، لأنه لا يدفع الثمن بالمقابل؛ فإذا كان الفلسطينيون مكشوفون أمام الدبابة الإسرائيلية، فالتفاوض بهذه الطريقة سيكشفهم سياسياً، وكأن لسان حال المفاوض الفلسطيني يقول: إن ما يجري من انتهاكات إسرائيلية في الضفة والقطاع لا يساوي أهمية تعليق التفاوض ولو مؤقتاً لأن الأمر لا يعدو عن كونه مجرد خطأ هنا أو هناك..، وهذا ما شجع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في اليوم الأول لانطلاق المفاوضات (12/12) إلى الإعلان عن تعهده باستمرار العمليات العسكرية ضد غزة حتى "زوال خطر صواريخ القسام".

كان من المتوقع بالمفاوض الفلسطيني أن يرد بتعليق المفاوضات إلى أن يلتزم الاحتلال بما ألزم به نفسه في انابوليس من وقف فوري للاستيطان وفقاً لخارطة الطريق، وبوقف انتهاكاته المستمرة ضد الشعب الفلسطيني، لأنه لا يعقل أن يكون الالتزام الأمني من الطرف الفلسطيني أولاً وثانياً..، هذا فضلاً عن أن المقاومة الفلسطينية هي ردة فعل على وجود الاحتلال الذي يحاول أن يبدو بمظهر المدافع عن نفسه أمام "الإرهاب" الفلسطيني، في محاولة منه لقلب الحقائق.

ومن هنا فإن تعليق المفاوضات هو حنكة فلسطينية مطلوبة لإشعار الاحتلال والأمريكان بخطورة الموقف، مستغلين في ذلك حاجة الطرف الآخر (واشنطن وتل أبيب) لاستمرار المفاوضات وإن كان لأغراض خاصة تتعلق بكل منهما.

إذن، نحن أمام انحراف في مسار التفاوض، وذلك ناتج عن وجود خلل فلسطيني، نابع من سوء الإدارة للمفاوضات، ومن اختزال الخيارات السياسية في التفاوض فقط ولمجرد التفاوض أحياناً، ونابع أيضاً من استمرار حالة الانقسام الداخلي الذي يضعف المفاوض الفلسطيني ويهدد مستقبل القضية، في الوقت الذي يقبل فيه الرئيس عباس والعرب بثنائية المفاوضات تماشياً مع رغبة صهيونية انعكست في البيان الختامي لأنابوليس، وأكدتها وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني (5/12) عندما دعت الاتحاد الأوروبي إلى الاكتفاء بدعم عملية السلام دون السعي إلى إملاء نتائجها، وعندما أكدت خلال لقائها نظيرها السلوفيني ديمتري روبل ـ علماً بأن سلوفينيا ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي عام 2008 ـ أن المفاوضات بعد أنابوليس هي "عملية ثنائية لا تحتاج إلى طرف ثالث".

أي أن القضية الفلسطينية يراد لها أن تصبح في ذمة إسرائيل ورؤيتها السياسية للحل، بدلاً عن المرجعية العربية والشرعية الدولية.

التعليقات