31/10/2010 - 11:02

انقلاب أمريكي../ ساطع نور الدين

انقلاب أمريكي../ ساطع نور الدين
الابتسامة التي ارتسمت على وجه الرئيس الأميركي باراك أوباما لدى اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كانت لرجل يشعر بالحيرة، ويكتشف حدوده وصلاحياته، ويسعى جهده لكي يعتذر عن الإساءات أو الانتقادات التي وجهها إلى إسرائيل، ويسلم بأن رئاسته لا يمكن أن تمضي قدماً من دون الخضوع لحقائق السياسة الأميركية التي تصنع خارج البيت الأبيض.

ثمة من لا يزال يعتقد أن أوباما شخص يتسم بالكثير من الذكاء والدهاء، الذي يتطلبه التعامل مع حكومة يمينية هستيرية في إسرائيل، يسعى إلى استيعابها بالترغيب بالمال والسلاح والترهيب بالموقف السياسي، وإقناعها بحاجة أميركا الملحة إلى تسوية القضية الفلسطينية، وهو لذلك يغضب من نتنياهو حيناً ويلاطفه ويصالحه احياناً ويضعه في موضع الاختبار الدائم لمدى مصداقيته وجديته وحرصه على عدم الإضرار بالمصالح الأميركية في العالمين العربي والإسلامي.

لكن تجربة الملف النووي الإيراني كشفت عن وجه مغاير لأوباما الذي يكذب أو يخدع بكل ما للكلمة من معنى: فهو طلب رسميا من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس البرازيلي ايناسيو لولا دا سيلفا، الحصول على توقيع القيادة الإيرانية على اتفاق طهران الثلاثي حول تبادل اليورانيوم والذي جرت صياغته بالتفاهم المباشر مع البيت الأبيض.. لكنه في اليوم التالي ذهب الى مجلس الأمن الدولي وحصل على القرار 1929 بتوسيع العقوبات على إيران، وسط ذهول الأتراك والبرازيليين الذين لم يصدقوا حتى الآن سبب الإهانة الأميركية التي وجهت إليهم.

ومن الأسباب التخفيفية التي تساق في تبرير هذا الموقف الأميركي الغريب، الزعم أن أوباما لم يكذب على أردوغان ولولا ولم يخدعهما، لكنه استخدم من قبل الدوائر الحاكمة في واشنطن لكي ينتزع من طهران بمساعدة تركيا والبرازيل مثل هذا التنازل النووي المهم. كان مجرد أداة، أو على الأقل كان بمثابة ضحية لتلك الدوائر التي أرادت معاقبته على القرار المتسرع الذي اتخذه في بداية عهده بمد يده للحوار مع إيران.

في جلسته وابتسامته مع نتنياهو، لم يكن من السهل التمييز بين دور الأداة والضحية، لكن أوباما أفصح بعد اللقاء عن موقف يبدد الغيوم التي لاحت للبعض في سماء العلاقات الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية، ويعلن أن إسرائيل جزء من منظومة الأمن القومي الأميركي وهي حالة خاصة في حاجاتها وتحدياتها الأمنية السياسية في الشرق الأوسط.. لا ينبغي ان يفرض عليها حل للقضية الفلسطينية التي أوحى بأن الفلسطينيين غير جاهزين لحلها، ولا رقابة على برنامجها النووي العسكري في ظل الخطر النووي الإيراني الافتراضي.

وبغض النظر عما يمكن أن يعتقده «عشاق» أوباما من العرب والمسلمين، فإن موقفه الإسرائيلي الذي يعيد إلى الأذهان مواقف أحد أسوأ أسلافه، الرئيس الأسبق رونالد ريغان، هو إما نهاية فترة الخداع، أو بداية الانقلاب من جانب المؤسسة الأميركية على الرئيس الذي أوحى خلال الأشهر الماضية من حكمه بأن اميركا تغيّرت، وهي على مسافة من إسرائيل!
"السفير"

التعليقات