31/10/2010 - 11:02

بعد فشل الجولة العشرين لميتشل: ماذا بعد؟../ هاني المصري

بعد فشل الجولة العشرين لميتشل: ماذا بعد؟../ هاني المصري
كما هو متوقع عاد جورج ميتشل من جولته العشرين الى المنطقة بخفي حُنين، فلم يحصل على الأجوبة الإسرائيلية على الأسئلة التي سبق أن طرحها وأجاب عليها الرئيس أبو مازن والتي تتعلق أساساً بالحدود والأمن.

بدلاً من تقديم الأجوبة أغرقت حكومة نتنياهو زيارة ميتشل في الاجراءات الإسرائيلية التي "خففت" الحصار عن قطاع غزة، والتي أشاد بها ميتشل خصوصاً بعد ان زار بنفسه معبر كرم ابو سالم وشاهد التغيير بشكل ملموس.

كما تمسك نتنياهو بضرورة الانتقال من المفاوضات التقريبية الى المفاوضات المباشرة قبل البحث في تفاصيل الحدود. فلا يمكن برأيه أن يبحث الجانبان قضايا جوهرية ب"الريموت كنترول"، ولا يمكن توضيح الموقف الإسرائيلي الغامض الذي سبب خيبة أمل لميتشل كما جاء على لسان مسؤول اميركي، من رسم الحدود قبل أن يأخذ تطمينات فلسطينية كاملة بالنسبة للأمن الإسرائيلي.

بدلاً من التقدم، الذي لم يتوقعه أحد، حلقت في سماء جولة ميتشل، أنباء حول ما قيل أنه اقتراح أميركي يقضي بأن تمدد إسرائيل فترة التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان، الذي لا يشمل القدس ولا آلاف الوحدات الاستيطانية قيد البناء ولا المرافق العامة مقابل أن يوافق الفلسطينيون على الدخول في مفاوضات مباشرة.

الجانب الفلسطيني أكد لميتشل مجدداً أنه بدون أحراز تقدم في المفاوضات غير المباشرة بالنسبة لمسألتي الحدود والأمن، وبدون وقف الاجراءات الإسرائيلية المتعلقة بهدم المنازل وإبعاد المواطنين خصوصاً من القدس ووقف الاستيطان وقفاً شاملاً، لا يمكن الانتقال إلى المفاوضات المباشرة.

يذكر أن الرئيس الفلسطيني أخبر مراسلي الصحف الإسرائيلية ان الأجوبة الفلسطينية على ملف الحدود والأمن التي قدمت لميتشل في جولة سابقة تقوم على التفاهمات ذاتها التي أنجزها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابقة ايهود أولمرت التي تعتمد مبدأ الانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وتبادل اراض بنسبة 1:1، هذا مع العلم ان الحكومة الاسرائيلية ترفض بدء المفاوضات القادمة من النقطة التي انتهت اليها المفاوضات السابقة، كما ترفض وقف الاستيطان والالتزام بمرجعية واضحة ومحددة لعملية السلام، وهي المتطلبات الثلاثة التي طالب بها الفلسطينيون قبل استئناف المفاوضات غير المباشرة، ووافقوا بعد ذلك على استئنافها رغم عدم تحقيقها نزولاً عند الرغبة الأميركية وانتظاراً لتحقق الضمانات الاميركية الوهمية.

اللافت للنظر أن جولات ميتشل، مثلها مثل زيارات أي مسؤول أميركي الى المنطقة، يرافقها صدور قرارات اسرائيلية تتعلق بمخططات استيطانية جديدة، أو بهدم منازل، أو بإبعاد مواطنين من القدس الى خارجها، أو من الضفة الى غزة، وكأن الحكومة الإسرائيلية تجعل الفلسطينيين يدفعون ثمناً لكل زيارة في تحدٍّ واضح للعيان للإدارة الأميركية التي تدعي بأن الحكومة الإسرائيلية تعهدت لها سراً بعدم الإقدام على ما من شأنه المساس بالمفاوضات وعملية السلام.

اللافت للنظر أكثر، أن القرارات الإسرائيلية الأخيرة، منذ بدء المفاوضات غير المباشرة، لم تعد تواجه بردة فعل أميركية أو دولية قوية مثلما كان يحدث قبلها. وكلنا نذكر الغضبة الأميركية على اعلان اسرائيل عن بناء 1600 وحدة استيطانية في مستوطنة رامات شلومو اثناء زيارة جو بايدن نائب الرئيس الأميركي للمنطقة.

الآن تم الإعلان عن بناء 1400 غرفة فندقية قرب جبل المبكر في القدس، وبلعت الادارة الاميركية (والفلسطينيون والعرب و العالم) هذه الخطوة مثلما بلعت غيرها من الخطوات الاستفزازية الاسرائيلية التي لا تتوقف ولا ليوم واحد. فالوضع لم يعد حرجاً، والمفاوضات التقريبية خففت التوتر وتوحي للجميع بأن عملية السلام ما زالت حية، وان هناك شيئاً قادماً على الطريق، وهذا يمنع نشوء فراغ يمكن ان تملؤه الخيارات و الاطراف الاخرى المناوئه لعملية السلام.

اللافت للنظر أكثر وأكثر، هو ان الفلسطينيين (ونقصد الجانب الرسمي) تعايشوا مع هذا الأمر، وكأن الامر المهم هو أنهم استطاعوا حتى الآن أن يفلتوا من ضغط اميركي جدي عليهم للانتقال إلى المفاوضات المباشرة.

فحسبما أشارت تقارير موثوقة فإن أوباما اثناء لقائه الأخير في البيت الأبيض مع الرئيس الفلسطيني، لم يطرح طلب الانتقال الى المفاوضات المباشرة، ولم يضغط من أجله، كما كان مخططاً، لأن هناك توصيات من الخارجية الأميركية بعد مجزرة اسطول الحرية تفيد بأنه من غير المناسب الضغط على الرئيس الفلسطيني في مثل هذه الظروف.

لقد أظهرت إدارة اوباما نوايا حسنة، ولكنها لم تملك الإرادة الكافية لتنفيذها، وانتهت السياسة الأميركية في عهدها إلى اتخاذ قرارات أسوأ أحياناً من سابقاتها، أو لا تقل سوءاً عنها، الأمر الذي أدى الى تراجع التوقعات والآمال حولها، والى سقوط الأوهام بأنها ستطرح مبادرة جريئة لحل الصراع في المنطقة، وأنها ستفرضها على جميع الأطراف.

ان الوقت يمضي، والساعة "تتكتك"، وشهر أيلول القادم يقترب، وهو الموعد الذي تنتهي فيه فترة مسرحية التعليق الجزئي والمؤقت للاستيطان، وتنتهي فيه ايضاً المهلة التي منحتها لجنة المتابعة العربية للادارة الاميركية لإحراز تقدم في المفاوضات التقريبية، والكل يعلم أن هذه المفاوضات لن تحقق اختراقاً، وأنها تمثل نوعاً من الخضوع للموقف الاسرائيلي.

إسرائيل، التي خرجت منتصرة من معاركها مع إدارة اوباما، لا تكتفي بانتصار ضعيف وغير مستقر، ولا ترتاح للمفاوضات التقريبية لأنها تعطي "للوسيط الأميركي" دوراً اوسع، لذلك تصر على استئناف المفاوضات المباشرة، لأنها تمكنها من الاستفراد بالفلسطينيين كلياً، بدون تدخل احد، وبلا مرجعية واضحة وملزمة لعملية السلام، وبدون وقف السياسة الاسرائيلية الرامية لخلق واقع على الأرض يجعل الحل الإسرائيلي أكثر وأكثر هو الحل الوحيد الممكن عملياً. وهو الحل الذي سيفرض نفسه على الأرض اذا وافق الفلسطينيون عليه على طاولة المفاوضات أم لا.

إذاً افضل شيء متوقع هو استمرار المفاوضات التقريبية وتمديدها لفترة اخرى مع تخلي اسرائيل عن مسرحية التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان، المشكوك أصلاً وأيضا باستمرارها بعد اعلان نتنياهو نفسه بانها تنتهي في شهر ايلول القادم، وبعد ان صادق مركز الليكود في اجتماعه الأخير، بالاجماع على انتهائها في 26/9 القادم.

اما أسوأ شيء يمكن أن يحدث فهو استئناف المفاوضات المباشرة بعد عقد مؤتمر دولي شبيه بمؤتمر انابوليس سيء الصيت والذكر، وهذا إن حدث، تعود حليمة لعادتها القديمة، أي تعود المفاوضات الى الحلقة المفرغة التي سارت بها منذ توقيع اتفاق أوسلو حتى الان.

لا مفر اذا أردنا انقاذ القضية والأرض والإنسان، من مراجعة مسيرة المفاوضات وما يسمى عملية السلام مراجعة عميقة و جريئة، واستخلاص الدروس والعبر، وبلورة استراتيجية جديدة مكافحة تفتح جميع الخيارات والبدائل وتعتمد اولاً وأساساً على الشعب الفلسطيني واستنفار قواه وكفاءاته داخل الوطن المحتل وخارجه، وتركز على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة باعتبار ذلك أولوية قصوى لا تعلوها أية مهمة أخرى!

التعليقات