31/10/2010 - 11:02

بلطجة.. ومثل شعبي../ عبد اللطيف مهنا

بلطجة.. ومثل شعبي../ عبد اللطيف مهنا
يقول المثل الشعبي: "القوي عائب". بمعنى، أنه إذا استشعر قوته، يسهل عليه ارتكاب العيب، وتبريره، وحتى مطالبة ضحية هذا العيب بقبوله، وربما إبداء الامتنان له لارتكابه لمن ارتكبه بحقها!

هذا المثل الشعبي، إذ ينطبق على الأفراد والجماعات فهو ينطبق أيضاً على الدول صغيرها وكبيرها، لاسيما على الامبراطوريات، والقوى العظمى منها، خصوصاً في المراحل التي تبلغ فيها أوج قوتها، أو تخلو لها الساحات من مقابل أو قادر أو منافس أو راغب في تحدّيها، أو تبدأ في استشعار ارهاصات بلوغها ما يشبه سن اليأس، بمعنى بداية الانحدار من قمة هذا الأوج الذي بلغته، كحتمية تفترضها منطقياً السيرورة التاريخية المعروفة لكل الامبراطوريات عبر التاريخ.

ولا ينطبق هذا المثل أكثر مما ينطبق هذه الأيام على دولتين، واحدة كبرى أكثر مما يجب لتفردها بقرار الكون وحدها في ظل موازين القوى الدولية الراهنة، وأخرى صغرى أقوى من جملة من الأقوياء لارتكازها واعتمادها واستنادها واستقوائها بقوة الأولى، وكأنما لم توجد هذه القوة الفائضة لدى هذه الكبرى إلا لتستفيد هي منها وكي توظفها لاستهدافاتها.

القوة الكبرى الراهنة في عالمنا، وهذا ما يعرفه الجميع، ولا يختلف عليه مختلفان فيه على تصنيفها كذلك، هي الولايات المتحدة الأمريكية. والصغرى، والتي لا يجهلها أحد هي ربيبتها إسرائيل...

وقد نستطرد في توصيف العلاقة العضوية بين الاثنتين، باعتبار الأولى الراعية والحامية والداعمة والمغطية لكافة السياسات الإسرائيلية، وصولاً إلى إنزالها مكانة ما هو فوق القوانين والأعراف والمواثيق الدولية المتعارف عليها، ووضع المعصوم من المساءلة عن كل الارتكابات التي تم التوافق الإنساني على اعتبارها خرقاً لهذه القوانين والأعراف والمواثيق، ووصولاً إلى انتهاك أبسط حقوق الإنسان، وإقتراف جرائم الحرب، والإبادة الجماعيّة، وأبشع أنواع العنصرية و التطهير العرقي، وكل ما يحفل به سجل اسرائيل المكتظ و المعروف منذ نكبة فلسطين وحتى محرقة غزة... بيد أنه من المنطقي أن نركز على الأصل لا الفرع، على الركيزة لا المرتكز عليه، على الولايات المتحدة، باعتبار اسرائيل قد غدت تفصيلاً من تفاصيلها. لكنني أسارع هنا فأقول، أنني لا اتفق مع من يرد سر هذا التماهي بين الأصل الأمريكي والفرع الاسرائيلي فيما نواجهه، نحن العرب، على الخصوص من عدوانية أمريكية شملت تداعياتها كل خارطتنا العربية لتلامس عقابيلها مهددة ليس حياتنا السياسية والثقافية والاقتصادية، وحتى وجودنا ومستقبلنا، بل ومواريثنا الحضارية، أي في فلسطين أو العراق أو السودان أو الصومال فحسب، بل مجمل كتلة الأمة بأسرها، وكذا جوارنا و فضائنا الإسلامي، إلى قوة اللوبي اليهودي المتنفذ في هذه الدولة العظمى، وإن كانت قوته معروفة وليست بالقليلة، فأنا أردّه لتطابق المصالح، ونجاح هذا اللوبي في اللعب ضمن هامش هذا التوافق، وإن بدا أحياناً أنه يأتي فعلاً على حساب مصالح الولايات المتحدة.

عيوب القوة الأمريكية الفائضة وحماقاتها الامبراطورية كثيرة يعددها العالم صباح مساء، ويشاركه في ذلك الكثير من الأمريكان أنفسهم. وإذا ما اقتصرنا على المظهر والتعبير "البوشي" لها، بامكاننا تعداد الكثير الأطرف. الذي ربما يبدأ بمفارقة اختيار الأمريكان لهذا الرجل بالذات رئيساً، أو تتويجه رأساً لإمبراطورية هذه الحقبة الكونية، أو قطبها الأوحد، لفترتين رئاسيتين حافلتين بعجائب عيوب القوة الخرقاء، سوف يعيش عالمنا تحت وطأة تداعيات مصادفتهما أو تداعيات هذا الاختيار ، ربما لعقود تلي.

هذا التعداد الذي لا ينتهي بتشبيه بوش ساركوزي بألفس برسلي، ربما مكافأة له لانعطافته بفرنسا عائداً بها إلى الحظيرة الأطلسية، مروراً بحربه الكونية على عدوه الهلامي اللامرئي الممنوع من التعريف "الإرهاب"، وغزوه المدمر للعراق الذي يمكن اختصار وقائعه لخمس سنوات خلت بالمذبحة المستمرة، التي بدأتها وبررتها الأكاذيب ولن تستمر وقائعها إلا بها، وصولاً إلى ديموقراطية الموت التي أصم بها آذان العالم، التي أقامها على أنقاض دولة دكت أسسها ودمرت بناها، وبلد تهدم ومزقت وشائج لحمته، وهو الآن نهباً للعشائرية البائسة بعد أن استنفذت الكوارثية الطائفية، أو آخر طبعات ما رصد له من مكائد الوصفات الأمريكية...

ونستطرد: ما فعله ويفعله في أفغانستان، حيث يعيش هذا البلد المنكوب طيلة فترتي بوش الرئاستين في ظل بركة تنمية اقتصرت فعالياتها على ازدهار مزارع الأفيون وحصاد الغارات الدموية العشوائية على الأعراس... حوائطه الصاروخية التي ينوي اقامتها على السياج الغربي للحديقة الروسية بزعم التصدي للصواريخ الإيرانية. النفخ في فزاعة الخطر النووي الإيراني الداهم للولايات المتحدة، ودعوة العرب إلى استبدال العدو الاسرائيلي بالإيراني ... دعوة الدول العربية علناً وسراً، ترهيباً وترغيباً، بمقاطعة القمة الدورية التي عقدت مؤخراً في دمشق، وإذا كانت الأسباب العائدة لعيوب وبلطجة القوة هنا هي عديدة لا مجال هنا لتعدادها، فربما كان العجز عن فرض أجندة هذه القمة والتحكم في قراراتها، حيث تعقد في هذه العاصمة العربية بالذات، أي النادرة من حيث كونها الممانعة للهيمنة الإمبراطورية المتمادية، هو واحد من هذه الأسباب.

وبعد هذا وكله، وحيث يتلمس الأطلسي المزداد تورطاً سبيلاً لنفض يده من الورطة الأفغانية التي تم جره إليها، ويستمر السجال الإنتخابي بين الديموقراطيين والجمهوريين في كيفية الخروج من الورطة العراقية والبقاء المهيمن فيه، ويتراجع الدولار معلناً بداية تراجع للاقتصاد الأمريكي، أو زعزعة أحد ركائز الهيمنة الإمبراطورية الكونية، لا زال أفضل من يمثل حماقة القوة وينطق ويحكم باسمها يتحدث عن القدرة على الانتصار، ويؤكد لمن لا يصدقه ولا يقوى على تصديقه بأن العالم قد أصبح اليوم أكثر أمناً، جراء حربه أو حروبه التي أشعلها في أربع جنبات الكون على عدوه المفضل الإرهاب!

آخر المآثر الأمريكية في هذا المجال تتجلى في قرار صادر عن مجلس النّواب بالإجماع، مقتضاه اعتبار اليهود العرب الذين غادروا أوطانهم العربية لكي يسهموا في تهويد فلسطين وتشريد أهلها، استجابة لترغيب وترهيب الصهيونية لهم، "لاجئين"، على ذات المستوى مع الفلسطينيين، مع من أسهموا مع سواهم من القادمين اليهود من وراء البحار في اغتصاب وطنهم... القرار، الذي تجاهل دور الصهيونية وإسرائيل في خروج أو إخراج اليهود من أوطانهم باتجاه فلسطين المحتلة، والصفقات التي عقدت سراً لتسهيل مثل هذا الخروج، يطالب بإدراج قضيتهم المزعومة ضمن أي اتفاق لتسوية ما يدعوه "مشكلة الشرق الأوسط". وإذ يتحدث عن "معاناة اليهود على مدى عقود"، يدعو حكومة الولايات المتحدة إلى الأخذ بالحسبان قضية اللاجئين اليهود والمسيحيين عند اصدار أي قرارات دولية"!

ماذا يعني هذا؟
التمهيد لطلب تعويضات من العرب، أو ثنيهم بهذه المطالبة عن المطالبة بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، والالتفاف على كل القرارات الدولية ذات الصلة التي لم تقو على تجاهل هذا الحق الفلسطيني غير القابل للتصرّف... وإجمالاً التمهيد لتصفية القضية الفلسطينية باعتبار هذا الحق جوهرها..

قد يقول قائل، هذا القرار المجمع عليه في مجلس النواب الأمريكي غير ملزم، لنسارع حين نرد عليه إلى التذكير، أنه يصبح كذلك، إذا ما أعيد طرحه لاحقاً وفق المعهود أمريكياً وهنا تتجلى خطورته... وهذا القرار يؤشر إلى مستقبل المفاوضات التي يتردد الحديث عنها لإنجاز "حلّ الدولتين" البوشي العتيد... إلى غطرسة القوة الغاشمة العائبة... إلى البلطجة، وكل ما يستدعي استحضار مثل شعبي آخر هو: إذا لم تستح افعل ما شئت!!!

التعليقات