31/10/2010 - 11:02

بوتين يفك الطوق عن إيران../ د.عصام نعمان*

بوتين يفك الطوق عن إيران../ د.عصام نعمان*
قيل ان السيد علي خامنئي خرق في استقباله فلاديمير بوتين بروتوكولاً خاصاً كان وضعه لنفسه. فهو لا يستقبل في مقرّه إلاّ الرؤساء والقادة المسلمين. صحيح أن الرئيس الروسي ليس مسلماً، لكن لبلاده من الثقل الجيوسياسي والاستراتيجي والتكنولوجي، خصوصاً في حمأة أزمة البرنامج النووي الإيراني، ما يستأهل تعديل البروتوكول لتوفير لقاء نادر مع مرشد الجمهورية الإسلامية.

أهمية اللقاء تكشّفت في أثنائه، فقد قدّم بوتين في زيارته الخاطفة دعماً قوياً لإيران، إذ أكد أمام المرشد ورئيس الجمهورية محمود أحمدي نجاد وجوب تجنب استخدام القوة لحل أزمة الملف النووي الإيراني، وإصرار موسكو على تعزيز تعاونها مع طهران في جميع المجالات، وفي مقدمتها مواصلة العمل في بناء مفاعل بوشهر النووي لتوليد الطاقة الكهربائية.

قبل لقائه خامنئي، كان الرئيس الروسي قد شارك، مع احمدي نجاد، في قمة الدول الخمس المطلّة على بحر قزوين، وأعطى دفعاً قوياً لبيانها الختامي الذي شدد على حق طهران في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم للبحوث العلمية.

أكثر من ذلك، تعهد رؤساء روسيا وإيران وأذربيجان وكازاخستان وتركمانستان في بيانهم الختامي بعدم السماح باستخدام أراضي دولهم منطلقاً لشن عدوان على أيّ من هذه الدول، في إشارة الى احتمال توجيه الولايات المتحدة ضربة الى إيران.

من المعلوم أن لأمريكا نفوذاً سياسياً وقواعد عسكرية في كلٍ من اذربيجان وكازاخستان وتركمانستان، وذلك بالإضافة إلى جيوشها المحتلة في أفغانستان والعراق وقواعدها الجوية والبحرية في تركيا والبحرين وقطر، ناهيك عن أساطيلها في بحر العرب على مقربة من الخليج، وبإعلان الرؤساء الخمسة، خصوصاً بوتين، التزامهم عدم السماح باستخدام أراضي دولهم منطلقاً للعدوان على أيّ من دول حوض بحر قزوين، يكون الطوق العسكري الأمريكي قد فُكّ عن إيران من الجهة الشرقية. أما من الجهة الغربية فقد سبق لدول الخليج العربية ان أفهمت إدارة بوش معارضتها استخدام القوة ضد إيران، ناهيك عن رفضها استعمال القواعد الأمريكية في الخليج منطلقاً لتوجيه ضربة إلى جارتها الإسلامية.

يأتي هذا التطور الاستراتيجي البالغ الأهمية في سياق تطور آخر أبعد مدى هو عودة مظاهر الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا. لا شك في أن أسباباً وعوامل شتى تقف وراء هذه الظاهرة، لعل أبرزها مخطط أمريكا لنشر عناصر من منظومة الدفاع المضاد للصواريخ في بولونيا وتشيكيا. ذلك ان موسكو رفضت إدعاء واشنطن بأن المقصود بهذا المخطط ردع خطر الصواريخ الإيرانية، وفسرته بأنه تدبير خبيث يستهدفها تحديداً. ثم ما لبثت ان شفعت رفضها بإعلان بوتين منتصفَ أغسطس/ آب الماضي استئناف طلعات القاذفات الاستراتيجية الروسية بشكل دائم فوق المحيطات المتجمد الشمالي والأطلسي والهادئ والبحر الأسود بعد ان كانت قد عُلّقت العام 1992 إثر انهيار الاتحاد السوفييتي. فوق ذلك، لوّح رئيس لجنة مجلس الفيدرالية (الشيوخ) للشؤون الدولية ميخائيل مارغيلوف اخيراً بـ “ردّ مماثل” على نشر الدرع الصاروخية الأمريكية في أوروبا، وأعلن أن حلّ المشكلة الإيرانية بالوسائل العسكرية “غير مقبول”. ترى أين سيكون الردّ المماثل؟

لعله سيكون في منطقة الخليج، إذ حرص الرئيس الروسي خلال زيارته الأخيرة لطهران على الإعلان بأن “العلاقات بين إيران وروسيا ستتطور بشكل غير محدود”، مشدداً على أن “من مصلحة روسيا وجود إيران قوية”.. على من ستكون إيران قوية؟

ليس على جيرانها، بطبيعة الحال، بل في مواجهة خصومها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، ذلك أن أمريكا تشكّل لكلٍ من طهران وموسكو، تحدياً سياسيا وعسكرياً واقتصادياً مشتركاً، فهي ترفض تحوّل إيران قوةً إقليميةً مركزيةً تهدد، في نظرها، مصالحها النفطية في الشرق الأوسط، كما تهدد أمن “إسرائيل” أيضاً، وهي أعلنت حوض بحر قزوين مجالاً حيوياً لمصالحها الاستراتيجية، وكانت قد اقترحت إنشاء وحدات “حرس بحر قزوين” العسكرية لحراسة خط أنابيب النفط الممتدة من باكو في أذربيجان وصولا إلى مصب جيهان في تركيا عبر تبليسي عاصمة جورجيا، كما لحراسة موارد بحر قزوين النفطية التي تشكّل احتياطيا يراوح بين 5 و10 في المائة من مجموع الاحتياطي العالمي من النفط.

كي تكون إيران قوية، تعهد لها بوتين بإكمال بناء مفاعل بوشهر، كما أجاز توقيع اتفاقات معها تشمل بيعها منظومة دفاعية استراتيجية من رادارات وصواريخ وطائرات وقطع غيار لمقاتلات “ميغ 29” ومحركات لتركيبها على المقاتلات الجديدة إيرانية الصنع المعروفة باسم “اذرخش” أو الصاعقة.

ثمة عدد كبير، إذاً، من المصالح الحيوية المتبادلة بين روسيا وإيران إلى جانب تحديات عسكرية أمريكية تهدد الدولتين الجارتين، وتتركز أو تنطلق من الحضور العسكري الأمريكي في أوروبا والشرق الأوسط، بل من قواعد أمريكا العسكرية في جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي المنهار.

لقاء المصالح هذا بين موسكو وطهران، واحتمال تصعيد مظاهر الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا سوف ينعكسان بالضرورة على منطقة الشرق الأوسط الكبير. فمخططات الولايات المتحدة تتعثر في العراق ولبنان وفلسطين المحتلة، كما في تركيا التي تتأهب قواتها للتوغل في شمال العراق. ولا شك في ان تهديد حزب العمال الكردستاني التركي بتفجير أنابيب النفط العراقية والأذرية المارة في تركيا سيؤدي، في حال تنفيذه، الى إحداث هزة قوية في أسواق النفط قد يصل معها سعر البرميل الواحد الى أكثر من 100 دولار.

على أن لعودة الحرب الباردة جانباً ايجابياً واحداً على الأقل، هو لجم اندفاع إدارة بوش نحو توجيه ضربة لإيران، ذلك ان دعم موسكو لطهران يصحح ميزان القوى الإقليمي الراهن على نحوٍ يقلّص من قدرة أمريكا على استفراد إيران ويلجم غلواءها التي تهدد المنطقة بحريق كبير.

أجل، الحرب الباردة تحدّ من اندلاع الحرب الساخنة.
"الخليج"

التعليقات