31/10/2010 - 11:02

بوش بين أغسطس المدمر وسبتمبر الموحش../ د.عصام نعمان*

بوش بين أغسطس المدمر وسبتمبر الموحش../ د.عصام نعمان*
صراع بين الكونجرس وجورج بوش هذا الصيف. زعماء الكونجرس الديمقراطيون والجمهوريون اتفقوا على عقد هدنة مع الرئيس الأمريكي تنتهي مع مطلع سبتمبر/ أيلول المقبل. إنها، في الواقع، مهلة أكثر مما هي هدنة. ففي خلال هذه الأشهر الأربعة يقتضي ان يعلن بوش نجاح خطته الأمنية في العراق أو فشلها، كما يقتضي ان يتوصل إلى تسوية لنزاعه مع إيران أو إلى قرار.. بشن الحرب عليها.

كان الكونجرس قد اشترط، لإجازة تمويل القوات الأمريكية في العراق، ان يتعهد بوش بجدولة إنسحابها لينتهي في أواخر سبتمبر/ أيلول 2008. بوش رفض قرار الكونجرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، مستخدماً ضده حق النقض “الفيتو” ومعلناً استعداده لمتابعة الصراع من أجل ما سمّاه عدم خذلان شبان أمريكا المقاتلين في العراق. يبدو ان المفاوضات بين الزعماء الديمقراطيين والزعماء الجمهوريين انتهت الى تسوية: أن يُعطى بوش مهلة كافية ليفي بمتطلبات خطته الأمنية بحيث تنتهي مع موعد تقديم قائد قواته في العراق الجنرال ديفيد بتراوس تقريره عن نتائج الخطة خلال شهر سبتمبر المقبل.

ما سر هذه التسوية؟

ما عاد سراً جنوح بعض قادة الجمهوريين في الكونجرس إلى معارضة بوش بعد انكشاف فشله المدوّي في العراق. الرجل الثاني في الحزب الجمهوري السناتور ترينت لوت هدد إدارة بوش صراحةً بأن “الخريف المقبل يجب ان يحمل تغييرات جذرية في العراق”. عضو “اللجنة الفرعية للمخصصات “التي تؤّمن اعتمادات وزارة الدفاع النائب الديمقراطي جيمس موران كان أكثر صراحة من لوت: “إن شهر سبتمبر هو الأساس. إذا لم نرّ ضوءاً في نهاية النفق فإن الشهر المذكور سيكون موحشاً لهذه الإدارة”!

هذا الاتفاق بين الديمقراطيين والجمهوريين على إعطاء بوش مهلة محددة ما كان ليحصل لولا ان قادة الحزبين توصلوا إلى تسوية جوهرها إعطاء بوش أربعة أشهر لمعالجة معضلتين: الوضع الأمني المتردي في العراق والملف النووي المعقد مع إيران.

إذا لم يحزم بوش أمره ويعلن جدولا زمنيا للانسحاب من العراق مطلع سبتمبر المقبل فإن الشهر المذكور سيكون موحشا بالتأكيد، إذ سيتلاقى زعماء الحزبين على محاصرة الرئيس الامريكي والضغط عليه لدرجة قد تصل الى حدود اتخاذ إجراءات عقابية ضده أو ضد نائبه ديك تشيني.

لماذا وافق الديمقراطيون على إمهال بوش إلى سبتمبر بعدما كانوا ضيقوا عليه الخناق؟ لأنهم فهموا من زملائهم النواب والشيوخ الجمهوريين ان الرئيس الأمريكي قد يضطر إلى معالجة مسألة الملف النووي الإيراني باستعمال القوة، وان ذلك قد يتخذ شكل ضربة جوية وصاروخية عنيفة لإيران بغية تدمير قاعدتها الصناعية وما تيسّر من منشآتها النووية. ويبدو ان الديمقراطيين في الكونجرس موافقون على الضربة العسكرية بل يحمّسون بوش ليقوم بها، فيعفيهم من مسؤوليتها بعد الانتخابات الرئاسية القادمة.

الموعد المرجّح للضربة شهر أغسطس/ آب المقبل بعد أن تكون إدارة بوش قد أنهت حملتها المكثفة لحمل إيران على إعادة النظر بسياستها الراهنة حيال مسألة تخصيب اليورانيوم وسائر المسائل الخلافية مع أمريكا وأوروبا. ابرز نقاط الحملة الأمريكية خمس :

* إبقاء سيف الخيار العسكري مصلتا فوق إيران كأداة ضغط عليها. في هذا الإطار، صرحت كوندوليزا رايس بأن “الرئيس بوش لن يتخلى عن الخيار العسكري واعتقد اننا لا نريده ان يفعل ذلك”. إلا ان رايس أكدت إلتزام بلادها بالحل الديبلوماسي اذا ظل العالم قويا في مواجهة إيران لتوفير فرصة لهذا الخيار.

* إيفاد ديك تشيني في جولة عربية سيسعى فيها نائب الرئيس الأمريكي الى إقناع الدول المجاورة للعراق بدعم الخطة الأمنية الأمريكية، وإقناع زعماء السنّة العراقيين بإنهاء “التمرد” والانضمام الى العملية السياسية، وحشد الدعم في المنطقة لجهود وقف برنامج التخصيب النووي الإيراني، مع التهديد بإصدار قرار ثالث عن مجلس الأمن الدولي لمعاقبة إيران في حال رفضها وقف التخصيب.

* الانفتاح على سوريا وتقديم وعود لها بفك العزلة عنها وتوفير المساعدات والفرص الاقتصادية لها، والعمل على إقناع “إسرائيل” باستئناف المفاوضات معها حول الجولان المحتل. كل ذلك شريطة مبادرة سوريا دونما إبطاء الى بذل جهود إضافية لوقف تسلل “المجاهدين” عبر حدودها مع العراق، ووقف ضغوطها على حكومة فؤاد السنيورة في لبنان، وتسهيل إجراءات إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس الراحل رفيق الحريري، ووقف توريد الأسلحة الى حزب الله عبر حدودها مع لبنان.

* التنسيق مع “إسرائيل” لإطلاق حملة ديبلوماسية وإعلامية صهيونية واسعة ترمي الى حمل دول العالم على سنّ تشريعات محلية ضد إيران وضد التجارة معها وضد اللاسامية المتمثلة بالدعوة الى إبادة “إسرائيل”.

* الضغط على المصارف العالمية، لاسيما في أوروبا والشرق الأوسط والشرق الأقصى، لوقف التعامل مع المصارف الإيرانية قبل استصدار قرار من مجلس الأمن لهذه الجهة. كل ذلك لإشعار إيران بقدرة الغرب على محاصرتها من خلال النظام المالي الدولي والتضييق على معاملاتها المالية والتجارية.

لا تبدو سوريا متجاوبة مع “الإغراءات” الأمريكية ربما لأنها هزيلة وغير ذات جدوى ولا تستأهل تباعداً مع إيران في هذه الفترة العصيبة. كذلك ايران، لا تبدي أي تراجع عن سياسة تخصيب اليورانيوم، ولا تبدي حماسةً لمفاوضة واشنطن لتسوية قضاياها المعلقة معها.

الترصّن السوري والتصلب الإيراني انعكسا على موقف حزب الله اللبناني الذي ردّ على تصريحات رايس وضغوطها بالمسارعة الى تأكيد موقفه من المحكمة ذات الطابع الدولي بقوله إن إقرار نظامها في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يعني الفتنة. كما صعّد حزب الله من حملته على حكومة السنيورة متهما إياها بالتباطؤ في صرف التعويضات المتوجبة للمتضررين من الحرب “الإسرائيلية” التي أدت الى تدمير منازلهم.

الهدنة في أمريكا بين بوش والكونجرس، والتهدئة في المنطقة لإعطاء الخطة الأمنية الأمريكية في العراق فرصة وكذلك المساعي الدبلوماسية مع إيران لتسوية ملفها النووي، ستكونان خريطة الطريق لمسار الأطراف المتصارعين، الدوليين والاقليميين، هذا الصيف. غير ان الهدنة والتهدئة لا ينفيان احتمال ان يتحوّل الصيف موسما شديد الحرارة. ذلك ان استمرار الخطة الأمنية الأمريكية في تعثرها وفشل المساعي الدبلوماسية الدولية في تسوية الملف النووي الإيراني قد يحملان الرئيس الأمريكي على استباق “سبتمبر الموحش” ب”اغسطس المدمر”، فيحاول الانقضاض على إيران في الصيف قبل ان ينقض عليه الكونجرس في الخريف.

أيا ما كان خيار بوش، فإن شهر سبتمبر سيكون، على كل حال، خريف ولايته المنحسرة وسلطته المتداعية.


"الخليج"

التعليقات