31/10/2010 - 11:02

بين الخوف من ساركوزي والخوف عليه../ فيصل جلول

بين الخوف من ساركوزي والخوف عليه../ فيصل جلول
أي شيء ما عدا ساركوزي”، هذا الشعار رفعه منذ شهور مناهضون لزعيم الأغلبية اليمينية الجديدة والمرشح الأوفر حظاً للفوز برئاسة الجمهورية في فرنسا في السادس من شهر مايو/ أيار المقبل. احتل الشعار موقعاً على الشبكة العنكبوتية وتحول إلى قلادات انتخابية، وصدح به متحمسون أمام كاميرات وسائل الإعلام المختلفة، لكنه، رغم ذلك، ظل متداولاً في أوساط الشريحة المضطرمة من مؤيدي اليسار خلال الدورة الأولى للرئاسيات، لكن من غير المستبعد أن يصبح عنواناً لمؤيدي سيغولين رويال في الدورة الثانية، ذلك أن المرشحة الاشتراكية تقف اليوم على خط المجابهة الأخير قبل الإليزيه وبات عليها أن تستخدم كل الأسلحة الممكنة لاجتياز هذا الخط.

ينطوي الشعار على إحساس بالخوف من ساركوزي، الذي استثمر بدوره خوفاً من نوع آخر، حتى صار مخيفاً للبعض ومطمئنا للبعض الآخر، وهي حالة شائعة في فرنسا والديمقراطيات الغربية، لكن من يخاف من ساركوزي ومن يخاف عليه؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من العودة إلى الوراء قليلاً.

قبل عام وبعض العام كشفت استطلاعات الرأي النقاب عن أن أكثر من سبعين في المائة من الفرنسيين يؤيدون إعلان حال الطوارئ في بلادهم رداً على انتفاضة شبان الضواحي، الذين عبّروا عن شعورهم بالظلم الاجتماعي والاقتصادي عبر إحراق آلاف السيارات. هذا الخوف لا نظير له إلا في بدايات حرب التحرير الجزائرية حين اعتمدت فرنسا إجراء مماثلاً.

شعور الفرنسيين بالخوف سيظهر على الملأ ثانية وبفارق شهور معدودة، فقد رفضت غالبية ساحقة من الفرنسيين خلال استفتاء عام مشروع الدستور الأوروبي وبذلك اكتملت حلقة الخوف من “الأجنبي” المكدس في ضواحي المدن، ومن “الأجنبي” الأوروبي الشريك في مشروع اتحادي ما انفكت فرنسا تزعم أنها مع ألمانيا تشكل جسرا للعبور إليه.

مدركاً عمق وحجم من هذا الخوف تقدم نيكولا ساركوزي وزير داخلية جاك شيراك، بوصفه المنقذ الوطني الأوحد الذي يمكن التعويل عليه. اجتاح مناطق البؤس المتمردة وأطلق عبارات عدائية ضد المتمردين، وقال إنه سينظف الضواحي منهم كما تنظف السيارات من الأوساخ بواسطة خراطيم المياه. وذهب في استغلال الخوف إلى حد التركيز على مسائل كانت قد صارت بديهية في فرنسا باعتبار أن أحداً لم يعد يركز عليها، ومن بينها قضية الهوية الوطنية والعلم الوطني ونشيد المارسيلياز، ووعد بفرض شروط قاسية على المهاجرين الراغبين في الإقامة في فرنسا، ما يذكر بماضٍ فرنسي مثير للقلق، ذلك انه في كل مرة كانت فرنسا تستسلم فيها لمثل هذه الشعارات كانت تقع مآسٍ وطنية، كما هي الحال في ظل حكومة فيشي خلال الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية، أو في قضية الضابط الفريد درايفوس نهاية القرن التاسع عشر مع فارق أن اليهودي كان ضحية حملات من هذا النوع في الماضي، فيما العربي المهاجر والمسلم قد يكون اليوم الضحية الجديدة.

أن يحرث ساركوزي أرض الخوف في فرنسا اليمينية فهو يعرف أن هذا البلد يميل يميناً في تركيبه السياسي، وبالتالي لا حظ له في الوصول إلى قصر الإليزيه إلا عبر تجميع كل أطراف اليمين، بما في ذلك اليمين المتطرف، ولعله نجح إلى حد كبير في هذه المهمة، بدليل انه حصل في الدورة الأولى للرئاسيات على حوالي المليون صوت من بين المقترعين للجبهة الوطنية العنصرية المتطرفة بزعامة جان ماري لوبان. والراجح انه سيواصل إغراء ناخبي اليمين المتطرف الذين يرجحون وحدهم انتصاره على المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال.

بيد أن ساركوزي منقذ الخائفين هو نفسه مصدر خوف للآخرين، الذين يعتبرون أن فوزه بالرئاسة ينطوي على خطر تصدع الجمهورية وذلك للأسباب التالية:

أولاً: يمنح الدستور الفرنسي صلاحيات شبه مطلقة لرئيس الجمهورية الذي يستطيع حل البرلمان والدعوة لاستفتاء عام، وإقالة الحكومة وتقرير السياسات الخارجية والدفاعية، ويحتاج هذا المنصب إلى رئيس يشيع الاطمئنان لدى كل الفرنسيين وليس لشخصية فئوية تثير الخوف لدى طرف في معرض طمأنة طرف آخر.

ثانياً: يعد ساركوزي بإجراءات قاسية على كل صعيد استناداً إلى صلاحياته الرئاسية، الأمر الذي يثير الذعر لدى قسم وافر من الفرنسيين يخشى من ان يكون مستهدفاً بهذه الإجراءات.

ثالثاً: يؤخذ على ساركوزي أنه لا يحترم تماماً القواعد المتعارف عليها إذا ما كان يشعر بوجوب تجاوزها، وقد بين ذلك بوضوح في تجربته في وزارة الداخلية.

رابعاً: يبدو بنظر فئة كبيرة من مواطنيه أكثر التصاقاً بالولايات المتحدة الأمريكية من أي رئيس فرنسي سابق.

خامساً: تتسم سياسته الأوروبية بغموض يبعث على القلق، خصوصاً أن أوروبا هي مستقبل الفرنسيين كما يشاع في هذا البلد.

سادساً: اعتاد الفرنسيون النظر إلى رئيسهم بوصفه راعي الإخاء في بلادهم وليس معبراً فئوياً عن فريق منهم.

تبقى الإشارة إلى أن عرب فرنسا ومسلميها ليس لديهم ما ينتظرونه من هذا الرجل، الذي ينسبون إليه “مشروع منع الحجاب” في المدارس الرسمية والتقرب من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة والصداقة القوية ل”إسرائيل” والامتناع عن زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في السادس من مايو/ أيار المقبل سيكون على فرنسا أن تختار ليس بين مرشح يميني ومرشح يساري، وإنما بين الخوف من ساركوزي والخوف عليه. فالرجل يملك “محدلة” انتخابية حقيقية إذا ما أتيح لها العمل من دون معيقات يمكن أن تجتاح صناديق الاقتراع بغلبة تاريخية لليمين على اليسار، ولعل شيئاً لن يوقف هذه المحدلة إلا اتساع نطاق الخوف من ساركوزي. فالخوف لا يجبّه سوى الخوف من أن يصبح قصر الإليزيه مصدر قلق للفرنسيين بدلاً من أن يكون مصدر طمأنينة لهم.

"الخليج"

التعليقات