31/10/2010 - 11:02

بين تقطيع الوقت وتأكيد الانقسام../ عوني صادق

بين تقطيع الوقت وتأكيد الانقسام../ عوني صادق

الحوار الذي دعت مصر الفصائل الفلسطينية إليه، والذي بدأ في القاهرة الأسبوع الأخير من شهر أغسطس/آب الماضي، سبقته وأحاطت به أجواء لا تسمح بخروج أو انتظار أي شيء إيجابي منه، بل يخلق خشية مشروعة من أنه يمكن أن يؤكد حالة الانقسام الفلسطيني الراهن، ويوسع شقة الخلافات التي ستجعل فرص التفاهم والاتفاق الفلسطيني في المستقبل أقل وأصعب.

لا يعكس هذا القول تشاؤماً أو مصادرة أو استباقاً، بل هو حقيقة موضوعية ماثلة لمن يبصر، بل لعله من المؤسف أن نقول إن من يدعي غير ذلك إما أنه واهم أو غير واقعي. ذلك بأن الأطراف المشاركة في الحوار لم تذهب إليه حاملة مجرد “وجهات نظر” قابلة للنقاش، بل حملت معها مواقف جاهزة وشبه نهائية، كما تؤكد ذلك التصريحات والمواقف المعلنة خلال الأشهر الماضية، وكذلك التي سبقت بدء الحوار مباشرة.

قبل أن تتحرك وفود الفصائل الفلسطينية نحو القاهرة، شكلت خمس فصائل هي: الجبهتان الشعبية والديمقراطية، وحزب الشعب الفلسطيني والجهاد الإسلامي وحركة (حماس)، لجنة عقدت اجتماعاً ناقشت فيه ورقة من أجل “صياغة رؤية موحدة للقواسم المشتركة بغية إنجاح الحوار المرتقب”، وتضمنت هذه الورقة الأمور التالية:

- أن يكون الحوار وطنياً شاملاً.

- أن يستهدف الحوار تشكيل حكومة توافق وطني انتقالية تعمل على توحيد مؤسسات السلطة.

- أن يدعو إلى إعادة بناء الأجهزة الأمنية على أسس مهنية ووطنية بعيداً عن المحاصصة الفصائلية، على أن تؤلف لجنة لهذا الغرض.

- أن يتم تفعيل المجلس التشريعي وفقاً للقانون والنظام.

- أن يدعو إلى إعادة بناء مؤسسات “م.ت.ف” بالانتخاب الديمقراطي.

- أن يدعو إلى تنفيذ بعض الخطوات التمهيدية للحوار مثل وقف الحملات الإعلامية والإفراج عن المعتقلين (لدى كل من حركتي “فتح” و”حماس”).

إن كل واحدة من هذه التوصيات تمثل قضية خلافية كبرى، والوضع الراهن هو نتيجة للخلافات حولها وبسببها. والمعروف أن القاهرة استدعت الفصائل لما سمته “استكشاف” مواقفها وليس للوصول إلى اتفاق، والسؤال كم هي المسافة بين الاستكشاف والخروج باتفاق حول بعض، وليس كل توصيات الورقة التي خرجت بها الفصائل الخمسة؟ ثم كم من الوقت يلزم لاتفاق كل الفصائل الفلسطينية أو الأساسية منها عبر (الحوار الوطني الشامل) على هذه التوصيات؟

وأثناء حزم الوفود حقائبها نقلت وسائل الإعلام تصريحات ومواقف تحكم سلفاً على نتائج الحوار المرتقب لأنها لم تخرج عن كونها اتهامات من شأنها تعقيد الأمور. ففي تصريح للناطق باسم حركة “حماس” قال فيه: إن أحد أهداف “سلطة رام الله” من إعادة الحديث عن الحوار في هذه المرحلة “ليس المصالحة الوطنية، بل من أجل البحث عن صيغة لتمرير أي اتفاق يمكن التوصل إليه مع الاحتلال “الإسرائيلي””. في المقابل، قال رئيس كتلة حركة “فتح” في المجلس التشريعي عزام الأحمد، خلال اجتماع لأعضاء المجلس الوطني في عمّان بتاريخ 22 أغسطس/ آب 2008 : “إن ما سيجري في القاهرة مضيعة للوقت تحت شعار تهيئة الأجواء”، محملاً حركة “حماس” مسؤولية التنصل من اتفاق صنعاء، وإنهاء مبادرة الرئيس محمود عباس.

في الوقت نفسه، تعرف كل الفصائل الفلسطينية حقيقة الموقف المصري، وتعرف أيضاً أن ما يهمها من هذا الحوار ثلاث قضايا: 1) المحافظة على التهدئة بين “الإسرائيليين” وحركة “حماس”. 2) المفاوضات الجارية مع حركة حماس في شأن الجندي “الإسرائيلي” جلعاد شاليت. 3) موقفها من مسألة فتح معبر رفح، الذي تراه القاهرة رهناً باتفاق دولي طرفاه الرئيسيان “الإسرائيليون” والأوروبيون. ولكل فصيل فلسطيني موقف من كل من هذه القضايا يكشف عن عمق الخلافات القائمة في الساحة الفلسطينية حتى بين الحلفاء بقدر ما هي الخلافات مع راعي الحوار.

هكذا هو الوضع، خلافات على السطح وفي العمق، سبق لعشرات من اللقاءات وبضعة من الحوارات بحثتها، وأحياناً كان يتم التوصل إلى اتفاقات لم تجد طريقها إلى التنفيذ لأنها لم تكن أكثر من اتفاقات (فض مجالس)، ولم تكن وراءها نية التنفيذ. وحوارات القاهرة الأخيرة لن تخرج عما سبقها من حوارات، وهي حوارات أعلنت القاهرة قبل بدئها أنها جولة “استطلاعية” ستعلق إلى ما بعد شهر رمضان، فكيف لمتفائل أن يتوقع أن تنتهي إلى شيء... أي شيء؟ وإذا كان واضحاً أنها حوارات لتقطيع الوقت، فإن الخشية الحقيقية أن تزيد في تكريس الانقسام.
"الخليج"

التعليقات