31/10/2010 - 11:02

بين قمة العرب في الدوحة وقمة العشرين في لندن/ جميل مطر

-

بين قمة العرب في الدوحة وقمة العشرين في لندن/  جميل مطر
كان تلاحق انعقاد القمة العربية في الدوحة وقمة العشرين في لندن دافعاً لإجراء مقارنات بينهما. وإذا أضيفت اعتبارات أخرى مثل تطابق أو تقارب عدد الأعضاء المدعوين في القمتين والمشاركة المزدوجة فيهما من جانب دولة أو دولتين، ونوعية القضايا المثارة هنا وهناك وجهود التحضير لهما، تصبح المقارنة أمراً ضرورياً وليست ترفاً في إبداء الرأي ومناقشة الأحداث.

أول ما يلفت النظر في المقارنة بين القمتين هو وضوح أولويات القضايا لدى احداهما وغيابها لدى القمة الأخرى. لا جدال في أن الدول العشرين، وبمعنى أكثر دقة، الدول «القلب» التي مهدت لانعقاد القمة بمؤتمرات واتصالات واجتماعات منذ شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، قررت هدفاً واضحاً للمؤتمر واختارت قضية محددة. كانت حلول الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة الهدف من مؤتمر لندن، ولم تناقش إلى جانبها بأي تفصيل مهم اية قضايا أخرى. ربما تباحث المشاركون ثنائياً كالمباحثات التي أجراها أوباما مع بعض أقرانه تمهيداً للقاءات مكثفة في المستقبل، ولكن كان اهتمام جميع القادة منصباً على قضية أساسية تهدّد سلامة مجتمعاتهم ومستويات معيشة شعوبهم كما تهدّد الاستقرار في عدد كبير من دول العالم. أما الدوحة فاجتمعت قمتها في دورة عادية لتناقش عشرات البنود في جدول أعمال لا يخرج عن كونه نسخة محدثة من جداول أعمال المؤتمرات السابقة. تكفي نظرة واحدة الى الجدول ليدرك الناظر أن الهدف المستقر وراء تعدد البنود هو إخفاء عدم رغبة قادة الأمة بالاعتراف أمام الرأي العام أنه لا توجد قضية رئيسية واحدة تحظى منهم جميعاً بالاهتمام ذاته وتستحق أن تحتل صدارة الجدول، أو تقف إلى جانبه، ومع ذلك، ورغم التجاهل المتعمّد لوجود قضية واحدة، أو ان قضية ما نضجت أو تأزمت إلى الحد الذي يدفعها إلى موقع الصدارة أو يلقي بها خارج الجدول لتحتكر وقت القمة، يبدو أن منظمي المؤتمر شعروا أنهم بذلك التجاهل المتعمد «يخسفون» القمة أمام الرأي العام، فطرحوا مسألة المصالحات، «لتكون الموضوع الأول بين موضوعات متساوية»، ولتكون محط انتباه أجهزة الإعلام، وبخاصة فضائية «الجزيرة»، وليكون أي تحرك داخل المؤتمر في اتجاه مصالحة ما، أيا كانت، هو انجاز قمة، يعرف المشاركون مقدماً أنها تنعقد وليس على جدول أعمالها ما تنجزه. وسواء كانت المصالحة الوحيدة التي جرت حقيقية وصادقة رغم كل ما سبقها مما لا يليق باجتماع سياسي على أي مستوى، او كانت شكلية وتجميلية بغرض تحقيق «انجاز»، بقينا نسأل بعد المؤتمر الأسئلة نفسها التي كنا نسألها قبله: ما فائدة هذه المصالحة أو غيرها؟ هل تستحق ما بذل فيها من جهد ومال؟ هل ستغيّر في أوضاعنا وأوضاع شعوبنا قيد أنملة؟ وإذا كانت مفيدة أو تساعد على التغيير وإصلاح حال الشعوب وحقوقها في الديموقراطية والحرية والأمن، لماذا لم تتم هذه المصالحة في قمم سابقة؟ وهل كان يجب أن تعقد لها، ولكل مصالحة من بعدها، قمة عربية؟ ما يعنينا في هذا الشأن، هو أن القمة، كقمة العشرين في لندن، تعقد والخلافات بين الدول المشاركة قائمة، وتحقق انجازاتها وتقدم الحلول لأزماتها المشتركة، رغم هذه الخلافات.

لا يجوز ان ينتظر كل خلاف بين دولتين قمة تعقد في موعدها الدوري حتى يسوى الخلاف وتتصالح الدولتان. ما هكذا تدار الشؤون الدولية. وبالتأكيد ليس على هذا النحو ستحقق دول الجامعة العربية أي هدف في النمو والاستقلال والتقدم تسعى إليه الشعوب العربية. لا أفهم، ولن أفهم، أن تعلن القمة انجاز مصالحة لأن طرفاً من طرفي الخلاف قال إن الخلاف كان شخصياً، وإن «المشكل الشخصي» قد انتهى. وهو الأمر الذي يؤكد في دول الغرب السمعة السيئة للسياسات العربية. يردّدون الرأي القائل بأن مشكلة السياسة العربية تتركز حول اقتناع أكثر الحكام العرب بأن كلا منهم يستحق، لسبب أو آخر أو لظرف تاريخي أو آخر، أن يكون في مرتبة أعلى من الآخرين وأن ينظر إليه أقرانه باعتباره «فوق» جميع العرب، أعرف أن رؤساء دول يرفضون أن يحضروا اجتماع قمة يرأسه حاكم مستجد أو رئيس دولة أصغر، وأعرف أن بعض هؤلاء الرؤساء أنفسهم مستعدون للمشاركة في اجتماعات دولية غير عربية يرأسها ويوجهها رؤساء أقل مرتبة وأصغر سناً، وأحياناً من الجنس الآخر.

تابعنا التحضيرات لقمة لندن وسمعنا التصريحات «العنيفة» التي أدلى بها نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا والتصريحات المتشددة التي أدلت بها أنغيلا مركل مستشارة ألمانيا، وقرأنا عن إصرار غوردون براون رئيس وزراء بريطانيا على حلول بعينها، وعرفنا أن الصين وروسيا قلقتان أشد القلق من احتمال فشل القمة في التوصل إلى حلول مناسبة، وتوقعنا أن ينتهي المؤتمر وقد اعترفت أميركا بأن عهد بوش وحروبه وسوء إدارته وعقيدة الجشع وممارسة الإرهاب جميعاً ساهمت في أن تقبل بوضع في قيادة النظام الدولي أقل تميزاً عن الوضع الذي تمتعت به على امتداد عقود عدة. وتوقعنا ان يفشل المؤتمر ولو جزئياً في ان يقدم الضمانات الكافية لمنع عودة السياسات الحمائية وانتعاش مبادئ القومية المتطرفة ومنع دول في الغرب تحديداً من أن تقلد بعض الدول العربية وترفع شعار «أنا أولاً» فيتكرر، وربما بصورة أبشع، مشهد العالم بعد كساد الثلاثينات من القرن الماضي. ولكننا، وخلال متابعاتنا وقراءتنا ومع توقعاتنا، كنا نعرف أن النقاش سيدور في بيئة تجدد الأمل في نفوس الشعوب، لسببين على الأقل، أولهما أن هذه الشعوب، أو غالبها، عرفت معنى الاعتماد المتبادل وفائدته على مستوى معيشتها واستقرارها، وأدركت أن بعض الخير الذي تنعم به هو بفضل الخير الذي تنعم به شعوب أخرى. هكذا أتصور مشاعر الشعبين الصيني والأميركي على سبيل المثال.
والسبب الثاني الذي يجعل بيئة مؤتمر لندن مجددة للأمل هي الصورة الفوتوغرافية التي ظهر فيها القادة المشاركون في المؤتمر. فقد ظهر في الصورة أن الأكثرية الساحقة من حكام الدول المشاركين في المؤتمر حديثو العهد بالحكم. أحدثهم باراك اوباما الذي قضى في الحكم ما يزيد قليلاً على ستين يوماً وأقدمهم ربما ثاباتيرو رئيس وزراء اسبانيا. أي أن أقدمهم في الحكم لم يقض في الحكم أكثر من سنوات عدة. هنا أيضاً تفرض المقارنة نفسها، فالصورة المماثلة للمشاركين في قمة الدوحة كاشفة عن حال يمثل العكس تماماً، ويفسره بعض المعلقين العرب والمسؤولين أحياناً بأنه يعني الاستقرار السياسي بينما هو في الحقيقة يعني، ولو بالرمز، وأد آمال التغيير في عصر تحولات اقتصادية واجتماعية هائلة. ودليلنا الأول على سوء الحال الناتج عن هذا الوضع سمعتنا كأمة عربية ومنظمة اقليمية وأنظمة سياسية بسبب موقف قمة الدوحة من القرار الدولي في شأن الرئيس السوداني والتجاهل التام لحقوق الشعب السوداني. ودليلنا الثاني العبارة التي نقلتها وسائل الإعلام عن احد المشاركين متفاخراً بأنه «عميد السياسيين العرب» باعتبار أنه قضى في الحكم أربعين عاماً ولا ينوي التخلي عنه، ولكنه يحمل معنى أخطر، ولعله المعنى الذي يفسر النكسة العظمى التي تعيشها معظم الشعوب العربية، فالشعب الذي يعرف أن رئيسه لن يرحل ولن يُغيّر يعرف أيضاً أن رئيسه غير مكترث به أو بمصالحه أو بسمعته في الخارج.

القمتان تفرضان المقارنة بينهما، قمة غير ساعية الى التغيير وإن سعت الى المصالحات فربما من أجل إيقاف عملية التغيير والإصلاح. الخصام يثير الانفعالات الإعلامية ويساعد المعارضين للنظم الحاكمة، أما المصالحة ففي الغالب تساعد على التعتيم وكتم أصوات المعارضة. ومن الناحية الأخرى قمة ساعية الى التغيير ومتصالحة مع شعوبها وإن اختلف حكامها على قضايا حقيقية وليس لأسباب شخصية.


* كاتب مصري

"الحياة"

التعليقات