31/10/2010 - 11:02

تبادل مناطق؟ ترانسفير/ أنطوان شلحت

تبادل مناطق؟ ترانسفير/ أنطوان شلحت
في تعليق حمل عنوان "تجانس؟ تطهير عرقي" (صحيفة "هآرتس"، 11 كانون الأول/ ديسمبر 2005) أخذ البروفيسور أريك كرمون، رئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، على د. عوزي أراد، من "مركز هرتسليا المتعدّد المجالات"، انضمامه حديثًا وفقما يعتقد إلى "الأصوات الصادرة من مقاعد اليمين المتطرف في إسرائيل بشأن تقيؤ بلدات عربية من إسرائيل في اتجاه فلسطين"، وذلك ضمن مقال ظهر لهذا الأخير في صحيفة "نيو ريبابليك" بتاريخ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005.

أضاف كرمون أن تلك الأصوات تدعو، تحديدًا، إلى "تبادل مناطق مأهولة بالسكان" بحيث يتم إخراج "جمهور عربي إسرائيلي من تخوم سيادة دولة إسرائيل". ومضى قائلا إن طعون أراد عنصرية الطابع وتمسّ بحقوق الإنسان، وبالتالي بأركان الديمقراطية، فضلاً عن أنها تتعارض مع الأنماط والمعايير الدولية وغير قابلة للتطبيق العملي. وزاد أن أراد يسوّغ ميكانيزم تبادل المناطق بحجة "زيادة التجانس الإثني". ومعناه نقل خط الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية العتيدة، بحيث أن بلدات أم الفحم وعرعرة وبرطعة وقلنسوة والطيبة والطيرة وكفر قاسم "يتم تقيؤها من نطاق السيادة الإسرائيلية".

ويجيّش كرمون موقف أراد هذا الذي يستفظعه كي يستدرّ التأييد لمبادرة "دستور بالوفاق"، التي يعمل على إقرارها المعهد الذي يقف على رأسه، وكي يؤكد أن هذه المبادرة التي تكرّس إسرائيل، مرّة واحدة وأخيرة، في تعريفها الدستوري شبه الإطلاقي كدولة يهودية ديمقراطية وتجري محاولات محمومة لتحصيل تأييد لها من طرف "الأقلية العربية المواطنة في إسرائيل"، تشكّل الجواب على ما يسمى بـ"القضية الديمغرافية".

هكذا وإن اختلف الطرحان بين أراد وكرمون فإن ما يؤالف بينهما هو الإجماع أو الوفاق على وجود "قضية ديمغرافية" تستوجب الحلّ، وقودها الخشية من فقدان إسرائيل لطابعها اليهودي.

ويعيدنا هذا الأمر إلى حقيقة استمرار تراكم الإشارات التي تؤكد أنه ما من موضوع راهن يحتشد حوله "إجماع قومي ووطني إسرائيلي" أكثر من موضوع المحافظة على "الطابع اليهودي- الصهيوني" لدولة إسرائيل، والتي تعود نقطة بدئها إلى الفترة التي أعقبت الانتفاضة الفلسطينية الثانية مباشرة.
وللمعلومية فإن عوزي أراد، الذي أشغل سابقًا منصب المستشار السياسي لرئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو، الزعيم الجديد جدًا لحزب "الليكود"، لم ينضم حديثًا إلى الأصوات الداعية إلى تطبيق الترانسفير. فهو رئيس "مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي" منذ انطلاقه في العام 2000.
ومعروف أن الوثيقة الأولى للمؤتمر، التي في الإمكان اعتبارها تأسيسية، أعارت وزنًا كبيرًا للتهديد الديمغرافي على إسرائيل اليهودية، من جانب الجماهير الفلسطينية في المناطق (الضفة والقطاع) ومن جانب العرب في إسرائيل. ولم تقف في حينه على الدلالة الأمنية الخطيرة لهذا التهديد فحسب، وإنما وقفت أيضًا على دلالته في كل ما يتعلق بهوية إسرائيل كدولة يهودية- صهيونية، وكذلك على دلالته الاقتصادية. واقترحت الوثيقة مواجهة هذه المشاكل، ضمن أشياء أخرى، بواسطة طريقة تعيد إلى الأذهان، وإن بصورة غير معلنة تمامًا، فكرة "الترانسفير"، حيث ورد فيها بالحرف ما يلي: "ستكون هناك حاجة لإيجاد مخرج غير موجود في دولة إسرائيل (ربما إلى الشرق من الأردن) بالنسبة للجماهير الفلسطينية في المناطق- إذا لم تلجم هذه الجماهير وتيرة زيادتها الطبيعية".
وعندما ووجه أراد آنذاك بأن ما يجري التداول بشأنه في هذا الخصوص يحيل إلى الترانسفير السيء الصيت قال: "الترانسفير هو مصطلح عنيف". وأضاف: "لقد قرر الفلسطينيون أن يستأثروا بنسبة الزيادة الطبيعية الأعلى في العالم، رغم افتقارهم إلى الوسائل اللازمة لذلك، وهم محشورون في بقع أرض مزدحمة، فما الذي ينبغي أن يفعله مَن يبغون مصلحتهم بالذات؟. إن بقاءهم في قطاع غزة يحكم عليهم بالتخلف، لكن إذا كان نقلهم من غزة باطلاً ومرفوضًا لمجرد أن ذلك يبدو أشبه بالترانسفير، فإن هذا يعني عمليًا أن قدرهم المحتوم هو البقاء في معسكر اعتقال. هل ينبغي رفض حلّ إنساني فقط لمجرد كونه يتراءى للبعض شبيهًا بالترانسفير؟".
أما بالنسبة للاقتراح بنقل العرب في إسرائيل المحاذين للخط الأخضر إلى السيادة الفلسطينية وهل سيتم تنفيذه قسرًا، وهو الموضوع الذي عاد إلى تصعيده في مقاله الأكثر جدة، فقد أكد أراد منذ أكثر من خمس سنوات أنه "في دولة ديمقراطية، الأغلبية حرّة في ترسيم حدود الدولة، وكما أن الأغلبية حرّة في أن تقرر انسحابًا من مناطق معينة في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، فإنها حرّة كذلك في أن تقرر التنازل عن السيادة على مجموعات سكانية عربية. ولهذا، إذا تم تنفيذ الأمر بوسائل ديمقراطية مقبولة وربما حتى بقرار ذي أغلبية ساحقة (أغلبية ثلثي الأصوات) عبر تعويض الجماهير قيد الحديث، فلا أرى أية غضاضة في ذلك. يمكن أن يُقترح على أولئك الراغبين بأن يبقوا مواطني إسرائيل الانتقال إلى منطقة أخرى في الدولة، لكن ليس في مقدورهم أن يفرضوا على الدولة في الآن ذاته أن يبقوا في أم الفحم وأن تبقى أم الفحم ضمن السيادة الإسرائيلية".
لا يضير أن نعود إلى الوراء قليلا، إلى نتائج استطلاع للرأي أجرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (نفذه معهد "ديالوغ") لصالح ملحق خاص أصدرته حول الكنيست الإسرائيلي (الـ16)، المنتهية ولايته هذه الأيام، وذلك في أواخر نيسان 2004 عشية يوم الاستقلال الـ56 لدولة إسرائيل. فضمن أمور أخرى دلّ الاستطلاع على كون أكثر من ثلثي الإسرائيليين يعتقدون بأن الإجرام المنظّم تغلغل إلى الكنيست بهذا القدر أو ذاك (43 بالمائة يعتقدون بأن هذه الظاهرة لا تزال في نطاق ضيّق و24 بالمائة يعتقدون بأن نطاقها واسع).

ولقد أشير في الصحيفة بهذه المناسبة إلى أن الكنيست نفسه حاول في العام 2000، عندما كان العمالي أبراهام بورغ رئيسًا له، أن يتفحص كيفية انعكاس مكانته في مرآة الجمهور الإسرائيلي الواسع. ولهذا الغرض استحدث بورغ آلية أطلق عليها تسمية "مؤشر الكنيست". وأبان هذا المؤشر عن أن حوالي نصف الإسرائيليين يعتقدون بأن الكنيست يثير في نفوسهم "مشاعر الخجل". ومنذ ذلك الوقت لم يكرّر الكنيست هذه التجربة وأهال التراب على آلية المؤشر (عملا بصنيع الملكة في أسطورة المرآة السحرية؟).

بيد أنه فضلا عن نتائج الاستطلاع احتوى ملحق "هآرتس" المذكور على ما يدعم هواجس الجمهور الواسع بشأن تغلغل الإجرام المنظم. ومن ذلك، لا على سبيل الحصر، قائمة موثقة بأسماء وزراء ونواب وزراء وأعضاء كنيست خضعوا أو ما زالوا يخضعون لتحقيقات في البوليس بتهم جنائية فاقعة. وكذلك اعتراف رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون العمال الأجانب، عضو الكنيست ران كوهين، بأن "اللجنة لا تملك القوة الكافية للوقوف أمام صناعة استيراد العمال الأجانب والتي تدّر ملايين الدولارات. فهذا سوق عملاق ويعمل فيه رجال مافيا وقسم منهم له علاقات وإلى حد كبير بالسلطة وأجهزة الحكم"... وعلى هذا قس! (الترجمة الكاملة لمواد هذا الملحق صدرت عن مركز "مدار" ضمن سلسلة "أوراق إسرائيلية").
على أية حال فإن الأمر المثير فيما يخص هذه النقطة تحديدًا لا يكمن في وضعية "الدكتور جايكل والمستر هايد"، التي اخترتها عنوانًا لهذا التعليق، فهي أبعد ما تكون عن أعضاء الكنيست المقصودين بهذا الكلام الذين يرى الجمهور أن ثمة خيطًا رفيعًا يربط بينهم وبين الإجرام المنظم، بمدى ما تعنيه تلك الوضعية من فصام مرضيّ.
الأمر المثير هنا، وهو ما تستنكف التقارير في "هآرتس" عن التطرّق إليه، أن المشبوهين بعلاقة ما مع الإجرام المنظم من أعضاء الكنيست المنتخبين معدودون كافتهم على يمين الخارطة الحزبية، بل وعلى أشدّ أنواع هذا اليمين تطرفاً حيال الفلسطينيين وإزاء "عملية السلام". هنا يسأل السؤال حول ما إذا كان هذا التطرف السياسي الجامح لدى هؤلاء ناجماً عن دوافع عقائدية صرفة أم عن تساوق محسوب مع "روح العصر" السائدة في مناخ السياسة الإسرائيلية، بما يسعف هؤلاء، بسهولة ويسر، في كسب ودّ القاعدة العريضة لجمهور الناخبين الإسرائيليين؟. عند هذا الحدّ، ودون أن يعني الأمر استخفافًا أو تبسيطًا لشوفينية العقيدة الإسرائيلية المؤدلجة بالصهيونية، ينبغي تذكّر أن مثل هذه المسلكية الرعناء ذات أسس ودعامات في الواقع الإسرائيلي نفسه، وآية ذلك ما شهدناه خلال الفترة المتزامنة مع النشر إياه في هذا الخصوص حتى بإيحاء مباشر من رئيس الوزراء أريئيل شارون نفسه، الذي بات السؤال حول "الثمن" الذي سيدفعه الفلسطينيون كلما ضاق أكثر فأكثر حول عنقه خناق تحقيقات البوليس معه ومع أفراد أسرته بشأن قضايا الارتشاء والفساد، بمثابة سؤال شبه حتمي ملازم لكل حركة أو نأمة من تحركاته الأخيرة.

وماذا عن الحاضر والمستقبل؟
ربما يكمن الجواب عند رئيس قسم التخطيط في شرطة إسرائيل، الذي قال لصحيفة "معاريف" مؤخرًا إن زيادة الأعباء الاقتصادية على المواطن الإسرائيلي يتوقع أن يترتب عليها دخول المزيد من هؤلاء إلى دائرة الجريمة، بمن في ذلك "الذين لا يطرأ على بال أحد أن يكونوا في عداد المنضمين إلى هذه الدائرة"، على حدّ ما يؤكد. كما أنه يقدّر تصاعد القطبية وخلافات الرأي في المجتمع الإسرائيلي، ما يعني تحوّل أعمال الإخلال بالنظام إلى طراز من المنظومة الدورية، إن لم يكن حتى أكثر من ذلك. وبخصوص أصناف الجريمة فإن نبوءة هذا المسؤول الكبير تقول بحتمية تصاعد جميع أنواع الإجرام التي تتطلب "مهارات عالية واشتغال من خلال التفكير وليس بواسطة الأيدي". والقصد واضح.

في كلمات التقديم التي كتبت للمواد الخاصة بالكنيست الـ16 أنهيت بطرح التساؤلات التالية: ما الذي يمكن تعويله على كنيست بتركيبة كهذه؟ ما هي الخيارات المتاحة والرهانات المؤجلة؟ كيف ستتأثر التطورات الداخلية والخارجية، السياسية وغيرها، بتلك الملامح والاتجاهات السائدة في الكنيست؟ هل سيؤثر وعي الجمهور، حسبما استقطره الاستطلاع المتعلق بالنظرة العامة إلى الكنيست، والذي تشفّ عنه قراءة ذلك الجمهور لمكانة الكنيست وطبيعة ملامحه، على
أنماط التصويت المقبلة لهذا الجمهور؟.
وزدت: كل هذه الأسئلة، وغيرها كثير، قد لا نعثر على أجوبة شافية عنها في هذه التقارير، لكن في الإمكان التقدير أن من شأنها التأدية إلى طرحها على الأجندة. الأمر الوحيد شبه الأكيد الآن هو أن الأيام المقبلة كفيلة بأن تبدي فيما إذا كانت تلك الأسئلة والهواجس واستحقاقاتها المرغوبة ستطرح على الأجندة الإسرائيلية بقوة تبررّها الوضعية المزرية للكنيست أو ستطرح على استحياء فحسب، أو تبقى في إطار المسكوت عنه كما هي الحال حتى الآن، بدعوى عدم إهدار طاقات تنأى بأصحابها عن "ضرورة الانشغال" في "حروب أخرى" تستدعي "إجماعًا قوميًا" تحت السقف الواحد للبرلمان: من الإجرام المنظّم إلى أقصى اليمين المتطرف، الذي ينبىء الواقع بديمومة سيطرته على زمام الأمور السياسية في إسرائيل.. حتى إشعار آخر.

وما أشبه الليلة بالبارحة...

التعليقات