31/10/2010 - 11:02

تحرر المرأة: ألم يحن الوقت بعد؟ دياب أبو جهجه

تحرر المرأة: ألم يحن الوقت بعد؟ دياب أبو جهجه
"نحن بنات طارق نمشي على النمارق" قالت هند بنت عتبة في مديح نساء عشيرتها يوم أحد، وأضافت "إن تقبلوا نعـانق أو تدبروا نفـارق. فـراق غير وامـق". وبغض النظر عن الموقف السياسي لهند في مواجهة الثورة الإسلامية حينها، إلا أن نساء أمتنا نادرا ما مشين على النمارق منذ ذلك الوقت، ونادرا ما كان عندهن خيار فيمن يعانقن ومن يفارقن.

أنا هنا لست بصدد إعادة انتاج كليشيهات استشراقية متهافتة حول المرأة العربية المقموعة والتي تنتظر الفارس الغربي على حصانه الأبيض كي ينقذها من براثن الرجل العربي الأسمر ذو الأنف المعقوف.

فالكثيرات من نساء العروبة قادرات على تجاوز العوائق الاجتماعية والتقليدية وتحقيق ذاتهن. كما أن الكثير من رجال العروبة متحررون من براثن التعصب ألذكوري، ويتعاطون مع المرأة بصفتها شريكاً راشداً ومتساويا. كما أن الطرح النسوي التقليدي الذي عرف ذروته في الغرب في الستينيات والسبعينيات لم يحرر المرأة الغربية بقدر ما وضعها أمام استحقاقات متعددة وأجبرها على اتخاذ خيارات قد تفضل غيرها إذا ما هي تركت على سجيتها.

النسوية التقليدية كانت أشد الحركات تعصبا ذكوريا، لأنها وبكل بساطة وضعت أمام المرأة طريقا واحدا للكمال والتحرر وهو أن تكون رجلا.

تهاوت النسوية التقليدية ليحل مكانها منذ بداية التسعينيات عصر التزاوج بين أنوثة المرأة وشخصيتها وتحررها. وبالإمكان اعتبار الستينيات والسبعينيات عصر المراهقة النسوية والتسعينيات والألفية الجديدة عصر النضوج.

المرأة المتحررة اليوم متمسكة بأنوثتها، تحتضن جسدها وخصوصياته، وأهمها الحمل والإرضاع، وتصر على أن تعطي الثدي لأبنائها وأن تربيهم تربية طبيعية. وفي نفس الوقت تخرج إلى ميدان العمل حيث تحاول التوفيق بين دورها كأم ودورها كفرد منتج. ولا ترى في التحرر الجنسي رديفا مطلقا للتحرر، ولكنها وفي نفس الوقت ترفض الكبت والقمع والوصم، وكل هذا من دون ابتذال.

و بالرغم من تقدمية وأهمية هذا التطور في الفكر النسوي، تجلد المرأة في بلادنا إذا ما ارتدت بنطالا في بعض الأقطار، وفي أقطار أخرى تجلد معنويا إذا لم تتعر. يفرض على المرأة في بعض بلادنا ارتداء خيمة متنقلة، وفي بلاد أخرى يفرض عليها أن تنزع الحجاب عن رأسها إذا ما أرادت الدراسة أو العمل. وفي كلتي الحالتين المرأة مقموعة وخيارها مسلوب والرجل يحدد لها شكلها وتصرفها.

هذا ناهيك عن مشكلة التحرش في الشوارع التي أصبحت منتشرة بشكل وبائي في دلالة على هوس المجتمع الجنسي، وعدم نضجه كنتيجة للكبت ولثقافة التابو الجنسـية التي تدفع بالجنس إلى غياهب الظلمات الاجتـــماعية بعيدا عن النور. وتساهم عقلية محافظة متطرفة في تكريس فكرة أن المرأة غير المحجبة مشروع مومس، وبالتالي فان أي تصرف ناتج عن الرجل تجاهها إنما هو نتيجة طبيعية لاستفزازها "السافر" له. فالرجل المسكين هو الضحية دوما ولا حول له ولا قوة أمام خصلة الشعر الظاهرة والتي توحي إليه بمحاولة الوصول إلى تلك المستترة.

ولا تشذ هذه التصرفات المراهقة عن النمط الذكوري العام لمجتمعنا الذي يحدد كون المرأة "منتجاً" اجتماعياً يتم تداوله بشكل مبرمج مسبقا من خلال بنية معرفية هي نتاج ترسبات قرون طويلة.

ويلعب الدين دورا محوريا في تقوية هذه النزعات من خلال الموروث التراثي الذي يتقدم على النص والتفسير بكونه المصدر الأول للتشريع الاجتماعي العرفي.

فالدين في نصوصه وان كان مليئا بالأفكار التمييزية ضد النساء في مسائل مثل الإرث والشهادة وغيرها يبقى أفضل ألف مرة من التراكم المعرفي الذكوري الذي تكرس من خلال ممارسة الشرع تطبيقا.

إذا كان الشرع الإسلامي يميز ضد المرأة بنسبة 20 بالمئة إذا ما قسناه على مقاييس يومنا هذا، يميز تطبيق الشرع ذاته ضد المرأة بنسبة 90 بالمئة. بكلام آخر فان وضع المرأة في الشرع الإسلامي أيام صدر الإسلام كان أفضل بمرات من وضعها في هذا الشرع اليوم بعد قرون من تراكم الفكر الذكوري.

إلا أنني لا أطرح العودة إلى الدين من أجل تحرير المرأة، مع العلم أنني على يقين بان النساء المتدينات الملتزمات ومن خلال المنظومة المعرفية الدينية يستطعن الوصول إلى نسبة عالية من التحرر والانعتاق. ان ما نحتاج إليه في هذه الأمة هو طعنة قاتلة في قلب المجتمع البطريركي تقودنا إلى إنتاج مجتمع متزن ومتناغم بين عنصريه الأساسيين. مجتمع قادر على تحريك طاقته الإنتاجية كاملة وليس نصفها فقط. ويكون ذلك من خلال تغيير عميق في العقلية والتربية يركز على إنسانية المرأة والرجل، وعلى ضرورة أن يعطى كل فرد حقه في أن يعبر عن ذاته ويطور نفسه. علينا أن نخلق مجتمعا تستطيع المرأة فيه أن تقرر إذا ما أرادت أن تتحجب أم لا أو أن تتزوج أم لا أو أن تنجب أم لا. وأن تفتح أمامها الأبواب وتحترم مهما كانت خياراتها. فلا ترفض من العمل إذا ما ارتدت حجابا ولا تعامل بازدراء وقلة احترام إذا ما لم ترتده مثلا.

على هذا التغيير في العقلية أن يتوافق مع تغيير في الآليات القانونية والاجتماعية من خلال إلغاء كل القوانين التمييزية ضد النساء ووضع قانون مدني يساوي بين المواطنين إرثا وشهادة وقيمة. ويجب أن يحق للمرأة إعطاء الجنسية ليس فقط لأبنائها وهو الأمر البديهي وإنما أيضا لزوجها. وهذا كله لا يتم إلا إذا اندمج مشروع تحرير المرأة ومساواتها مع مشروع تحرير المجتمع برمته من البنى المهترئة التي تمعن فيه تخلفا وانحطاطا وبأخذ سلطة القرار الاجتماعي من بين يدي رجال الدين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، ووضعها في مكانها الطبيعي أي في دستور وقانون الدولة المدنية التي تساوي بين كل مواطنيها.

من شروط نهضة هذه الأمة نهضة نسائها، على المرأة أن تناضل من أجل حقوقها وكرامتها، وعلى الرجل أن يدعمها في هذه المعركة لأنها أيضا معركته، كما أن معركة الأمة من أجل التحرر والتحرير والوحدة هي معركة كل امرأة عربية.

التعليقات