31/10/2010 - 11:02

تفاؤل أبو مازن... ووصية أولمرت!./ عبد اللطيف مهنا

تفاؤل أبو مازن... ووصية أولمرت!./ عبد اللطيف مهنا
عبد اللطيف مهنا
أجمل أبو مازن، رئيس سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود، تحت الاحتلال، حصيلة زيارته الأخيرة لواشنطن بالتالي: "إن أهم ما سمعناه من الرئيس بوش هو أن الجانب الفلسطيني قام بواجباته"! وعليه، اعتبر هذا الكلام الأمريكي هو بحد ذاته منجزاً غير مسبوق، إذ أكمل: "هذه أول مرة نسمعها من الإدارة الأمريكية"!

لعل ما سمعه هذا سيكون زوادة مضافة إلى مستوجبات تفاؤله الدائم بالوصول إلى حلول يتمناها مع "الشريك" الإسرائيلي برعاية "الوسيط" الأمريكي وعون المتبرعين بالمساعدة دائماً على الصعيد الإقليمي... زوادة، بانتظار حلول ذكرى عزيزة على سلطة رام الله وحدها، هي "أنابولس" التي سيتم إحياؤها، وفق المصادر الإسرائيلية، في شرم الشيخ في السابع والعشرين من الشهر القادم، بحضور طوني بلير، ممثل المرحومة الرباعية الدولية... هل من يتذكرها؟!

أما ما سوف يجري في هذه المناسبة المحتفى بها، بحضور مصري وأردني، فهو الاستماع إلى ملخص من كلا الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني عن نقاط الاختلاف والاتفاق فيما بينهما!!!
كذلك، لعل هناك ما يدعو أيضاً إلى مزيد من دواعي مثل هذا التفاؤل الدائم لديه، هو ما نمي عن احتمال عقد مؤتمر سلام، كان قد كثر الحديث عنه سابقاً ولم يعلق عليه أحد من دعاة السلام آماله، في موسكو في الربيع القادم... حول ماذا؟
ويأتي الجواب إنه إنما يعقد: "لمتابعة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية"!!!

...متابعة المفاوضات المكتومة التي لا يعلم ما يدور فيها، أو يدري كنه أوجه الاتفاق والاختلاف في كنفها، إلا فارساها ليفني وقريع والراسخون في العلم في واشنطن وتل أبيب ورام الله، كما ليس ثمة من تفاؤل يعقد عليها إلا لدى أصحاب التفاؤل التفاوضي الدائم في رام الله وحدها..!

لعل ما أجمله أبو مازن من منجزات فلسطينية هو ليس لحصيلة زيارته الأخيرة لواشنطن فحسب، وإنما لكل المسيرة الأوسلوية منذ أن كانت، شاركه في فضل تحقيقها الرئيس جورج بوش، الراحل بعد شهرين عن البيت الأبيض دون منجزات يحسبها التاريخ والشعب الأمريكي له، سوى الحروب والدمار والانهيار الاقتصادي، وبداية تراجع الدور الإمبراطوري الكوني لبلاده وأفول أحادية القطبية الأمريكية.

إذن، لقد قامت السلطة "بواجبتها" التنازلية المعروفة، وكل ما قام به راعي المسيرة الأوسلوية، وصاحب الرؤية الشارونية الأصل حول "حل الدولتين" العتيد هو أن اعترف لها بما قامت به، فماذا عن الطرف الإسرائيلي؟!

أبو مازن أجاب على هذا السؤال ضمناً، حين علق على وصية أولمرت التي فتحها هذا بنفسه إعلامياً بعد أن أعلن عن استقالته الأبدية أو موته السياسي، وحيث تحوّلت حكومته إلى حكومة تصريف أعمال، إلى أن تشكّل خليفته تسيبورا ليفني حكومتها، أو تجري الانتخابات المبكرة، قائلاً: إنه "إذا طُبّق كلام أولمرت، فسنصل إلى سلام خلال يومين، وإذا حصل السلام فالمبادرة العربية تقول إن جميع الدول العربية والإسلامية ستقيم علاقات كاملة مع إسرائيل"!!!

بالمناسبة أولمرت رفض رفضاً قاطعاً حق العودة، وعليه، فسلام اليومين هنا قد قفز نهائياً على هذا الحق، وبشّر بالتطبيع الكامل عربياً وإسلامياً، حتى من دون حكاية "الحل المتفق عليه" للمسألة، وفق المبادرة إياها!

أبو مازن يعلم قبل سواه، لا سيما إذا كان قريع يحرص على أن يضعه أول بأول في أجواء مفاوضاته مع ليفني، أن وصية أولمرت ليست للتطبيق، لا عنده قبل مغادرته السلطة ولا عند من سيخلفوه، لا سيما وقد سمع وسمع العالم أجمع معه ردود الأفعال الإسرائيلية يميناً ويساراً على هذه الوصية، فاليمين نظر إليها كنوع من الخيانة واليسار كنوع من النفاق والزعم الزائف، والذي قاله بعد أن ودّع حياته السياسية، حيث لم يكن ليجرؤ على قوله وهو في السلطة.

باختصار، وصية أغضبت الإسرائيليين جميعاً، ولم يكن لها من أثر سوى أنها كشفت عبر ردودهم عليها عن طبيعة مجتمعهم الاستعماري الإحلالي العنصري، الذي وجوده أصلاً هو مناف للسلام، ليس في فلسطين وحدها، وإنما في المنطقة بأسرها... أما إذا كان أبو مازن لا يعلم، وهذا ما نشك فيه، فالمصيبة أعظم!

ما الذي قاله أولمرت في مقابلته الصحفية أو هذه الموصوفة بالوصية؟
"أقول لكم إسرائيل هي الدولة الأقوى في الشرق الأوسط. نحن يمكننا أن نتصدى لكل واحد من خصومنا ولهم جميعاً وننتصر. أنا فقط أسأل نفسي، ماذا سيحصل عندما ننتصر عليهم؟ قبل كل شيء سندفع الأثمان، وهذه أليمة"!

كل ما قاله أولمرت هنا، قيل مثله تقريباً وأكثر، في مثل مؤتمرات هرتسيليا الدورية المعروفة مثلاً، ويعرفه، بل ويهجس به كل الإسرائيليين عادةًً، وإن لا يريدون أن يعرفوه... الانكفاء من جنوب لبنان عام ال2000، وفشل استهدافات الحرب العدوانية عليه عام 2006، وصمود الشعب الفلسطيني رغم كافة أشكال البطش والقمع والسياسات الإبادية، ورفضه للاستسلام، أو المراهنة على مفاوضات قريع- ليفني، وصمود غزة في وجه الحصار الإجرامي البشع، كلها أمور أنبأتهم بوصول القوة الإسرائيلية أقصى حدودها، وارتطام المشروع الصهيوني بحائط عدم القدرة على مزيد من التوسع، وبأن حقائق التاريخ والجغرافيا أقوى من عواتي التزييف والتشويه وفرض الأمر الواقع.

...وهم، زيادة على هذا، يتابعون تعثر المشروع الأمريكي في العراق. جنوح الأطلسي لمغازلة الملا عمر توخياً لمخرج من الورطة الأفغانية. فشل حروب بوش الكونية على ما يسمى بالإرهاب. الأزمة المالية الأمريكية - الدولية العاصفة، وبوادر الركود الإقتصادي قبل مغادرة فارس هذه الحروب للبيت الأبيض... ماذا قال أولمرت:
"من يريد أن لا تبتر سيقان أصدقائه لأنه تم دهسهم بجرافة، عليه أن يتنازل عن أجزاء عن القدس... ومن يريد أن يحتفظ بكل منطقة المدينة سيتعين عليه أن يدخل 270 ألف عربي داخل جدران في إسرائيل السيادية. هذا لن ينجح. يجب الحسم. وهذا الحسم صعب، فظيع. حسم يقف خلافاً لمصالحنا الطبيعية...".

إذن، هو لم يزد على التنبيه من مخاطر الديموغرافيا الفلسطينية، التي سبق وأن دفعت شارون إلى الانسحاب من غزة والتحول إلى محاصرتها. إذ يقول "خيراً فعلنا بالانسحاب من غزة"... وعليه، فهو لم يرتكب جرماً في وصيته سوى الدعوة لانسحابات من الضفة تتفادياً لهذه المخاطر، ولم يدع هذا المستقيل، الذي استجوبته الشرطة الإسرائيلية بتهمة الفساد للمرة الثامنة حتى الآن، لمنح أبو مازن دولته المأمولة... وقال أيضاً، إن حرب لبنان "ستدخل التاريخ كونها أول حرب أدرك الجهاز العسكري فيها أن الحرب الكلاسيكية ولت من العالم".

هنا، الرجل الذي فاخر: "أنا أول من أراد فرض السيادة الإسرائيلية" على القدس، ويقصد جهوده التهويدية المعروفة إبان الفترة التي كان فيها رئيساً لبلديتها، يجاهر فحسب بما يصعب على الإسرائيليين قبوله، وليس بمستطاعهم لطبيعة كيانهم قبوله، لا أكثر. فهؤلاء الذين أغضبتهم جميعاً، يميناً ويساراً، اعترافاته التي لا يريدونها، ماضون على خطاه قبل رحيله السياسي، تهويداً وحديثاً عن السلام وإعداداً لحروب عدوانية قادمة في المنطقة. ورعاتهم الأمريكان على العهد لهم باقون...

آخر الأنباء تتحدث عن صفقة طائرات، شبح (ف35) لا يكتشفها الرادار، من الجيل الخامس للقاصفات المقاتلات، وسرعتها حتى الآن مكتومة، أبرمت مع الحليفة المدللة، يضاف لها طبعاً جميع المنظومات والبنى المرتبطة بها، وأيضاً 50 طائرة (ف 35ب) في مرحلة ثانية "إذا أرادت إسرائيل". وكل ذلك، وفق المعلن أمريكياً، "لتعزيز المصالح الأمريكية عبر تعزيز الأمن الإسرائيلي"...

بقي أن نقول، أن هذه الطائرة الأحدث في الترسانة الأمريكية، شارك في تمويل أبحاثها وتطويرها عشر دول أطلسية وحليفة للولايات المتحدة، لكنما لم يحصل عليها حتى الآن إلا الإسرائيليون!
كما لا بد من الإشارة إلى الرادار المتقدم الذي يقال أنه يكتشف الصواريخ عن بعد أربعة آلاف كيلومتر، الذي زود الأمريكان به وبرجاله الإسرائيليين. وألف قذيفة "ذكية" متخصصة في تدمير الأهداف المحصنة، وهكذا...

قد يكون من الصعب تصور أن يشارك بوش لرؤيته الشارونية الشهيرة حول "حل الدولتين"، والذي يغادر المكتب البيضاوي مخلفاً وراءه كل هذه التركة الثقيلة للأمريكيين والعالم، كلٍ من أولمرت وأبو مازن في احتمال حصولهما المرجح مستقبلاً على جائزة نوبل للسلام، كمكافأة على وصية الأول وتفاؤل الثاني السلميين، لكنما، حتى ذلك الحين، ترى ما الذي سوف يبقى من فلسطين لم يُهوّد، ومالذي سوف تلحقه هذه الوصية وهذا التفاؤل بقضية قضايا الأمة العربية فيها؟؟!!

التعليقات