31/10/2010 - 11:02

تنظيم المجتمع المدني أم تقويضه!../ مصطفى إبراهيم*

تنظيم المجتمع المدني أم تقويضه!../ مصطفى إبراهيم*

شكل قرار وزير الاقتصاد الوطني في الحكومة المقالة رقم 8 لسنة 2009، المتعلق بتنظيم عمل الشركات غير الربحية صدمة لدى مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في قطاع غزة لما له من تداعيات خطيرة على حرية عمل المؤسسات الأهلية، واعتداء على حقها في العمل وتدخل سافر في عملها من دون مبرر ومسوغ قانوني، اضافة الى أنه اعتداء على قانون الشركات غير الربحية والقانون الأساسي الدستور.

ويعتبر القرار قيداً جديداً على حرية عمل الشركات غير الربحية، واستكمالا للدور الذي قامت به الحكومة المقالة وكتائب القسام من اعتداءات جسيمة على الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية في العام الماضي اثر جريمة الشاطئ في مدينة غزة، التي أودت بحياة خمسة من مقاتلي القسام وطفلة، وما لحق بالعشرات من الجمعيات من خراب وتدمير اثر اقتحامها، وحرق بعضها ومصادرة معظم محتوياتها.

تميز العمل الأهلي الفلسطيني ولا يزال بخصوصية كبيرة لما لعبته تلك المؤسسات من دور وطني كبير في مقاومة الاحتلال، وساهمت وما تزال تساهم في تعزيز صمود الفلسطينيين، وتلعب دورا مميزا في بناء المجتمع الفلسطيني، وشكلت إضافة نوعية في التطور الاجتماعي والثقافي والوطني من خلال النهوض بالفئات المهمشة والخدمات التي تقدمها لقطاع كبير في المجتمع الفلسطيني.

فالموقف الوطني الذي لعبته مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، ومن ضمنها الشركات غير الربحية، خلال العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة يحسب لها في سجلها الوطني. فمواقفها الوطنية في مواجهة العدوان وآثاره الكارثية لم تقتصر على مواجهة العدوان بل فضحها الموقف الأوروبي والدولي المتخاذل والصامت على الجريمة أثناء العدوان وبعده.

ومع ذلك فالمؤسسات التي تعمل تحت مسمى الشركات غير الربحية لم تسلم من النقد طوال فترة عملها منذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى الآن، حيث ازدادت الانتهاكات بحقها والعاملين فيها، وكانت هناك محاولات عدة لتهميش دور تلك الشركات والطلب منها توفيق أوضاعها حسب قانون الجمعيات الخيرية رقم 1 لسنة 2000، ومورست ضدها الضغوط من أجل توفيق أوضاعها، مع أنه يوجد قانون الشركات غير الربحية رقم 18 لسنة 1929، و مع ذلك قامت العشرات منها بتوفيق أوضاعها والتسجيل كجمعيات خيرية.

ودوما اتهمت تلك الشركات بالتدخل في الشأن الداخلي الفلسطيني من قبل فئات عديدة في المجتمع الفلسطيني منها بعض الأحزاب وبالطبع السلطة، لما تقوم به تلك الشركات غير الربحية بمهام وطنية تكاملية، وفي مراحل عدة من السنوات الماضية تعرضت مؤسسات المجتمع المدني لاتهامات باطلة لا لسبب سوى السيطرة عليها وعلى مقدراتها ومشاريعها، وهو ما يُخشى أن يكون هدف النظام الجديد أيضا.

فالتحريض على مؤسسات المجتمع المدني ازدادت حدته على أثر الانقسام الذي يشهده المجتمع الفلسطيني بعد سيطرة حماس العسكرية على قطاع غزة، وحدة التجاذبات وسعي طرفي الصراع الى استقطاب مؤسسات المجتمع المدني، خاصة مؤسسات حقوق الإنسان، والمرخص بعضها كشركات غير ربحية، وهو ليس وليد اللحظة ولا من باب المصادفة، فكل المحاولات فشلت في تقويض عملها.

ويأتي قرار وزير الاقتصاد الوطني في الحكومة المقالة بحجة تنظيم عمل الشركات غير الربحية ليكمل الدور في القضاء على تلك المؤسسات التي تساهم في بناء المشروع الوطني، حيث يتضمن القرار أو النظام حظر تلقي أي تمويل دون موافقة خطية من وزير الاقتصاد الوطني، وهذا يعني ضياع المشاريع والبرامج من خلال انتظار الموافقة تحت حجج واهية.

ومن المحزن في هذا النظام أو القرار افتراض سوء النية عند القائمين على هذه الشركات والتشكيك في ذممهم وأخلاقهم، مع العلم أن القانون ينظم عملية المراقبة والمحاسبة، حيث يشترط على كل عضو في الشركة تقديم ً إقرار بالذمة المالية الخاصة به وزوجته وأولاده القصر، وحسب احد الأصدقاء فانه مطالب بان يقدم "حصّالة نقود" ابنه الطفل ابن الخمس سنوات وما بها من نقود كبراءة ذمه، وهذا ما لم يورده القانون، فيما ينطبق هذا الشرط على الرئيس والقضاة والوزراء، وأعضاء المجلس التشريعي.

والأدهى أن النظام يشترط لتأسيس الشركة غير الربحية دفع مبلغ مالي لا يقل مقداره عن 20 ألف دينار أردني، وهو مبلغ كبير ويشكل إعاقة لعمل الشركات غير الربحية لدرجة تصل إلى الحظر، وتضمن النظام حظر تلقي أي تمويل دون موافقة خطية من وزير الاقتصاد الوطني، ما يعني تأجيل وتأخير المشاريع وضياعها، كما أن بعض الألفاظ والعبارات العامة تتيح لمسجل الشركات التدخل الموسع في عمل الشركات غير الربحية، ما يجعله يتعسف في استخدام سلطاته.

وأوجد هذا القرار مجموعة من الأحكام التي تتيح لمسجل الشركات القيام بإعمال الرقابة الجزافية في أي وقت من دون مبررات وعلى نفقة الشركة، وهذا يعتبر تدخلا في العمل اليومي للشركة وإعاقة الهدف العام للشركة، وإضافة عبئ مالي على ميزانيتها.

ويمنح القرار لمسجل الشركات الحق في تصفية الشركة غير الربحية، إذا خالفت أحكام القانون أو هذا النظام أو خالفت نظامها الأساسي، فيما لم يحدد ما هي المخالفات التي تستحق الشركة بموجبها سواء كانت كبيرة أو صغيرة، الأمر الذي يمنح بمقتضاه سلطات تقديرية واسعة لمسجل الشركات في تصفية هذه الشركة وإنهاء عملها.

واشترط هذا القرار لتأليف الشركة غير الربحية عدد خمسة أشخاص، ولا يزيد عن خمسين، فيما يؤكد قانون الشركات غير الربحية على حق اثنين تأليف الشركة، وفقا لهذا القرار فان جميع الشركات القائمة قبل إقرار النظام ملزمة بتوفيق أوضاعها خلال ستة أشهر من تاريخ صدور هذا النظام، الأمر الذي يشكل إلزام تطبيق أحكام مخالفة لقانون الشركات والقانون الأساسي ووضع عقبات أمام الشركات غير الربحية في القيام بدورها في المجتمع.

وهناك العديد من الملاحظات التي تعتبر تعديا على قانون الشركات والقانون الأساسي، والحريات العامة والحق في التنظيم وإنشاء الشركات غير الربحية، وكأن الوزير اطلع فقط على بعض النماذج السيئة في بعض الدول العربية ولم يلاحظ أن معظم المؤسسات الأهلية في جميع دول العالم مسجلة كشركات ربحية، كما يعتبر ذلك مناقضا لخطاب رئيس الوزراء في الحكومة المقالة وحديثه حول حماية الحريات العامة وعدم المس بمؤسسات المجتمع المدني.

التعليقات