31/10/2010 - 11:02

ثمن الجدار../ خالد خليل

ثمن الجدار../ خالد خليل
عام 2008 قررت أمريكا تخفيض المعونات المقدمة لمصر بـ 12% مما قدمته لها في العام السابق، وفي التصويت على ميزانية العام 2009 قرَّر الكونغرس تخفيض المساعدات لمصر بـ 200 مليون دولار أي بنسبة 5% من مجمل المساعدات التي بلغت نحو 1،7 بليون دولار عام 2008 لتصل إلى 1،5 بليون دولار عام 2009.

وناقش الكونغرس في مطلع العام الماضي اقتراح السيناتور كايل بربط المساعدات الأمريكية في موضوع الحد من تهريب السلاح إلى قطاع غزة من خلال الإنفاق، إلا أن هذا الاقتراح لم يحظَ بالأغلبية على اعتبار أنَّ العلاقات الاستراتيجية بين مصر وأمريكا تعتمد على مصالح أمريكية أخرى أهم من تهريب السلاح، وبشكل خاص قناة السويس والتسهيلات التي تتلقاها السفن والغواصات النووية الأمريكية أثناء عبورها من هناك.

لم تشترط أمريكا تقديم المساعدات في قضية تهريب السلاح، إلا أنّها باشرت في خفض مستوى المعونات في مجالات متعددة، دون النيل من نصيب المعونات العسكرية.

في أواخر العام 2008 قبل تسليم بوش الإدارة لأوباما أصدر الكونغرس قرارًا بتعليق 100 مليون دولار أمريكي من المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر، وربط منح القاهرة هذا المبلغ بنجاحها في الحد من عمليات السلاح من منطقة سيناء المصرية إلى قطاع غزة الفلسطيني، حسبما ورد في الخبر الذي أوردته وسائل إعلام مصرية.

في تلك الفترة زار وفد من الكونغرس (ضم 17 عضوًا) الحدود المصرية الإسرائيلية والحدود المصرية الفلسطينية ومارس ضغوطًا على النظام المصري من أجل اتخاذ خطوات فاعلة باتجاه وقف عمليات التهريب. في حينه أيضًا زارت ليمور ليفنات القاهرة وأبلغت المسؤولين أن إسرائيل تنوي ضرب غزة وقصف الأنفاق. بعد انتهاء الحرب على غزة قرأنا وسمعنا سلسلة من الأنباء التي تعلن عن هدم وتدمير أنفاق من قبل القوات المصرية.

لكن الفلسطينيين استمروا بحفر الأنفاق بكثافة عالية، فتفتقت الذهنية الأمريكية-الإسرائيلية وبشكلٍ خاص الإسرائيلية بإبداع فكرة الجدار الفولاذي بين رفح والقطاع.

قبل مجيء اوباما إلى القاهرة في حزيران 2009، تقدم بطلب خاص إلى الكونغرس لزيادة المساعدات الأمريكية لمصر دون إلحاق شروط بها. وقد جاء في التقرير الصادر عن „خدمة أبحاث الكونغرس”، أن مشروع قانون المخصصات التكميلية لميزانية 2009 في مجلس النواب يشمل 360 مليون دولار في صورة دعم مالي إجمالي لمصر، وقد طلبت الإدارة الأمريكية زيادة 250 مليون دولار من صندوق المساعدات الاقتصادية، 1،3 مليون دولار ضمن برنامج التدريب العسكري لميزانية 2010. هذا إضافة إلى 1،3 بليون دولار مجموع المساعدات العسكرية لمصر في ميزانية 2009. أي أن الزيادة التي حظيت بها مصر وفقًا لقانون المخصصات التكميلية ووفقًا لطلب الإدارة تصل إلى ما يقارب ال 400 مليون دولار مقارنة مع العام 2008.

ووفقًا لتسلسل الأمور الزمني فإنّ التخطيط للجدار الفولاذي جاءَ تزامنًا مع طلب اوباما لزيادة المعونات الأمريكية لمصر. طبعًا هذه المعونات حسب منطق المصالح بين الدول لا تشمل تكاليف الجدار الفولاذي الذي من المؤكد أن تموّل إنشاءه والإشراف عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وتقوم بتنفيذه شركات لا شك أنها مرتبطة بالنظام وقريبة من الصحن، حتى وان لم تتوفر لدينا معلومات تفصيلية حول ذلك.

لقد تعرّض بناء الجدار الفولاذي إلى حملة واسعة من النقد والاستنكار والغضب، وجاءت هذه الحملة من منطلقات أخلاقية، وطنية وقومية ودينية وإنسانية بصورة عامة، أي أنها تعتمد على أسس ومعايير قيمية ترفض الظلم وترفض الحصار والاستعمار، وقد تصاعدت وتائر الاستنكار والاحتجاج إلى درجة كادت أن تكون شاملة في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، باستثناء كتبة البلاط في مصر وبعض الدول العربية الذين يعملون لحساب الأنظمة ويلتقون على الدوام مع إسرائيل وأمريكا في كل ما يكتبون.

من الملفت أن هذه الحملة لم تحرك ساكنًا عند النظام المصري على مستوى الضمير أو المشاعر الوطنية والقومية أو أي من الأسس والمعايير القيمية التي كانت تشكل فيما مضى عوامل هامة في سلوك ومبادئ ومواقف بعض الأنظمة العربية.

الحقيقة إن المعيار الأخلاقي اختفى نهائيًا من قاموس السياسة الرسمية المصرية منذ كامب ديفيد وتوقيع اتفاقية السلام مع اسرائيل التي لم تخرج مصر فقط من الصف العربي، وإنما حولتها رهينة في أيدي نظام باع نفسه نهائيًا للأعداء.

صحيح أن الدول لا تدار فقط على أساس المعايير الأخلاقية، وإنما أيضًا على أساس المصالح الاقتصادية والسياسية التي تحميها المعايير الأخلاقية من الانزلاق نحو الفشل والفساد الذي ينتج عادة عن استئثار فئة قليلة على مقدرات البلاد ومصالحه.

في هذه الحالة تتحول الدولة إلى بزنس خاص بهذه الفئة، وتصبح السياسات جميعها مرتبطة بهذا البزنس.
ونعتقد أن الموقف المصري الرسمي من الجدار بعيد كل البعد عن المعايير القيمية والأخلاقية، ولا يمكن له إلا أن يندرج في إطار البزنس السياسي، وليس بالضرورة الاستفادة العينية لبعض شخوص النظام (مع أن هذا الأمر وارد جدًا)، وإنما استفادة النظام للحفاظ على رضا امريكا وميزانيات الدعم التي تعتبر نقطة في بحر المعونات المقدمة لإسرائيل.

لذلك حتى ولو سلمنا باعتبار الموقف الرسمي المصري من الجدار مندرجًا في اطار „المصالح”، فإنّ الثمن ضمن هذا المفهوم هو أيضًا ثمن بخس وفقًا للأرقام التي أوردناها سالفًا، ونعتقد انه مثير للسخرية مِن قبل الشريك الأمريكي والصهيوني.

بالنسبة للشعوب العربية حتى وان كان الثمن أضعاف أضعاف الثمن الحالي، فبناء الجدار الفولاذي من قبل مصر مثير للاشمئزاز، وهو „العار الذي يمشي عاريًا” (مع الاعتذار لـ د.عزمي بشارة)، وينسجم مع الخط المنهجي في محاربة المقاومة ومحاولة القضاء عليها والتي يلعب النظام المصري دورًا أساسيا فيها على مدى الصراع العربي الإسرائيلي منذ كامب ديفيد وحتى الآن.

التعليقات