31/10/2010 - 11:02

جامعة السلاحف» تُفرِّق الشعوب!../ محمود المبارك*

جامعة السلاحف» تُفرِّق الشعوب!../ محمود المبارك*
أودّ أن أزجي تهنئة قلبية حارة لجامعة الدول العربية على الإنجاز العظيم الذي حققه المجلس الوزاري العربي للجامعة في اجتماعه الطارئ يوم الخميس الماضي في القاهرة، حين خلص إلى قرارات «تاريخية»، تتناسب مع تاريخ الجامعة العريق في اتخاذ القرارات الحاسمة في الأوقات الصعبة، كقرار الجامعة التاريخي الأسبوع الماضي، إنفاق خمسين مليون دولار على السلاحف المهددة بالانقراض!

ذلك أنه بعد أن حررت الجامعة العربية الأراضي المحتلة من قبضة إسرائيل، وبعد وقفتها الشجاعة في وجه العدوان الأميركي على العراق تنفيذاً لمعاهدة الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء، وحين حالت الأم الرؤوم من دون التدخلات الأجنبية في الصومال والسودان، لم يبق لديها سوى الاهتمام بالسلاحف المهددة بالانقراض، وجمع شتات الفصائل الفلسطينية قبل أن تنقرض هي أيضاً!

وفي الوقت الذي كان أطفال ونساء وشيوخ غزة، ينتظرون سفناً تبعثها الأم العربية لكسر الحصار المخالف للقوانين والأعراف والأخلاق الدولية، تأسياً بالسفن التي شارك فيها مسؤولون غربيون، يفاجأ الأبرياء في غزة بمساندة الجامعة للجانب الفلسطيني الذي لم يأبه يوماً بفك هذا الحصار!

بيد أن دعم مجلس الجامعة للرئيس الفلسطيني محمود عباس ودعوته إلى الاستمرار في منصبه بعد انتهاء مدته الدستورية، وتأييده في الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية - على رغم مخالفة ذلك كله للدستور الفلسطيني - ينطوي على جانب قانوني دولي غامض لم أستطع الوصول إلى كنهه!

هذا الأمر هو التدخل في الشؤون التي هي من صميم السلطان الداخلي لأحد الأعضاء، ولست أدري لِمَ بخل علينا السادة القانونيون في الجامعة عن الإشارة - ولو عرضاً - إلى الأساس القانوني الذي سوغ للجامعة أن تقحم نفسها في الشؤون الداخلية الصرفة لأحد الأعضاء، سواء أكان من ميثاق الجامعة أم من ميثاق الأمم المتحدة؟ أم هل سبق للجامعة أن اطلعت على المادة 2 (7) من ميثاق الأمم المتحدة التي تحظر التدخل في صميم الشؤون الداخلية للأعضاء؟

ثم هل خفي على الجامعة أن انحيازها مع فصيل ضد آخر، يكرّس الأزمة ولا ينهيها؟! وهلاَّ أخبرنا أعضاء المجلس الوزاري الفضلاء - قبل أن يعلنوا عن تضامنهم مع فصيل ضد آخر - عن مصير قرار وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ في تاريخ 15 حزيران (يونيو) 2007، حين أقروا تشكيل لجنة خماسية برئاسة الأمانة العامة للجامعة، «لتقصّي أحداث ما جرى في غزة»، على أن تقدم اللجنة تقريرها للجامعة «خلال شهر» من تاريخه؟ ثم ألم يكن الأولى بمجلس الجامعة أن يعود إلى الأساس الوحيد الذي جمع شتات الفصيلين «فتح» و «حماس»، وهو «اتفاق مكة»؟ هل فات مجلس الجامعة أن سبب نجاح «اتفاق مكة» هو الرعاية العادلة التي أولاها خادم الحرمين لعلاج المشكلة الفلسطينية، من دون تمييز طرف على آخر؟

المثير للسخرية، هو أن هذا التدخل الجريء لمجلس الجامعة، يجيء مخالفاً ليس للقوانين الدولية فحسب، بل ولقرارات الجامعة ذاتها أيضاً! من ذلك قرار مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم المشار إليه آنفاً، حين قدم الأعضاء «تعهّدهم» بدعم «الشرعية الفلسطينية المتمثلة في الرئيس الفلسطيني والمجلس التشريعي»! فما الذي جعلهم ينقضون ذلك «العهد»؟ أم أن «نقض العهد» أصبح شرعة للجامعة منذ نقض «اللاءات الثلاث»؟! إذا كان الأمر كذلك، فربما حق لنا أن نسمي الجامعة العربية «جامعة النقض»!

من يدري فربما جاء تضامن الجامعة العربية مع الرئيس عباس من باب «المجاملة العربية»، تماماً كما كان قرار الجامعة في آذار (مارس) 2003، في رفض أي عدوان على العراق، مجاملةً للرئيس العراقي السابق صدام حسين من قبل!

ولكن الواضح اليوم هو أنه مع وجود إدارة جديدة في البيت الأبيض، وانتخابات ستفضي إلى حكومة أخرى جديدة في إسرائيل، فربما رأت الولايات المتحدة وإسرائيل التعامل مع «حماس» من باب أنه لا يوجد أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون، وإنما مصالح!

خصوصاً أن عدداً من المسؤولين الإسرائيليين بات ينادي علناً، بترك عباس والتفاوض مع «حماس»، لأنها من يملك الخيوط الحقيقية داخل اللعبة الفلسطينية، وإن خفيت هذه الحقيقة على مجلس الجامعة العربية! فخيوط المقاومة الفلسطينية التي تؤرق إسرائيل هي بيد «حماس»، والأسير الإسرائيلي تحت قبضتها كذلك، فضلاً عن أن الرأي العام الفلسطيني مع المقاومة الفلسطينية! فإذا حصل مثل هذا التغيير في المواقف الأميركية والإسرائيلية، فهل تنقض الجامعة قرارها الأخير، كما فعلت مع قراراتها السابقة؟

واقع الأمر أن النجاحات الباهرة للجامعة العربية عبر ستة عقود، تكاد تقتصر على الأعوام 1966، 1968، 1970، 1971، 1972، 1975، 1977، 1983، 1984، 1985، 1991، 1992، 1993، 1994 و1995. والسبب هو أن اجتماعات قممها جُمِّدت خلال هذه السنوات! وإذا أرادت الجامعة أن تحقق نجاحاً مستقبلياً فإن عليها أن تبحث في أسباب نجاحها في الماضي وتحذو حذوه!

وتبعاً لذلك، ربما كان الأولى بـ «الجامعة» (المُفرِّقة)، أن تترك الشعوب العربية وشأنها، ولها أن تبقى منهمكة مع السلاحف وتنفق ما تبقى من موازنتها لحماية جميع أنواع الزواحف والحشرات والدواب والقوارض!
"الحياة"

التعليقات