31/10/2010 - 11:02

جمعة عظيمة بدون فصح../ حياة الحويك عطية

جمعة عظيمة بدون فصح../ حياة الحويك عطية
بكثير من الجرأة، وبكثير من الموضوعية، وبادراك يتجاوز الاستجابة التلقائية الغريزية لما تريده دوائر الاعلام الغربي التي تخضع بالكامل للوبيهات الصهيونية، لا بد من تناول موضوع الضجة التي تثار في الغرب حول مسألة التعدي الجنسي الذي مارسه قساوسة كاثوليك على الأطفال.

عشرات الأخبار، عدد من الافلام التي حصلت على جوائز الاوسكار (التي يعرف الجميع كيف يتم ترتيبها) عشرات الكتب والبرامج التلفزيونية، والتحقيقات والمقالات الصحافية، التي تتدفق كلها منذ أقل من عشر سنوات، وتحول هذا الموضوع الى قضية تسري في شوارع الغرب كرياح العاصفة. لماذا؟ ولماذا الآن، خاصة وأن الجرائم المشار إليها تعود إلى السبعينيات، وأن الاتهام الموجه الى البابا الحالي يعترف بأن البابا، الأسقف في حينها، قد حاكم المعتدين وعاقبهم، لكنه تستر على القضية أمام الإعلام، وهل كان المطلوب منه أن يثير الفضائح ويشوه الكنيسة بخطا منحرفين في صفوفها؟ وأخيرا في مصلحة من يصب تشويه الكنيسة الكاثوليكية؟

ثمة ثلاثة وجوه كلها خطيرة لهذه القضية، غير أن ما يعنينا منها مسألة واحدة هي تلك المتعلقة ببعدها السياسي، وتحديدا بمواجهة بين قوى أساسية في الكنيسة وبين اللوبيهات اليهودية والصهيونية العالمية والى جانب هذه، تقف – ولأسباب ودوافع مختلفة – بعض الكنائس المسيحية غير الكاثوليكية، وقوى التهويد داخل الكنيسة نفسها.

هناك البعد الواقعي الذي يجب أن يقر بأن جرائم من هذا النوع تقع على أرض الواقع. وليس رجال الدين بمعصومين عن أي خطأ، بما فيه الجرمي. وهناك البعد العقدي الذي يعيد الى طاولة البحث قضية شكلت موضوع صراع مسيحي – مسيحي، منذ مارتن لوثر وحركة الإصلاح في القرن السادس عشر، وهي قضية السماح بزواج الكهنة، بل إن الكنيسة اللوثرية لم تكتف بالغاء فرض عذرية الكاهن وتحريم الزوج عليه، وإنما فرضت على كل من يريد أن يصبح قسيسا أن يكون متزوجا. وهناك أخيرا البعد السياسي وهو ذاك الذي وضع الكنيسة الكاثوليكية باستمرار في حالة مواجهة معلنة حينا ومستترة أحيانا، مع اللوبيهات اليهودية.

هذا البعد الأخير هو الذي يترك انعكاساته علينا نحن في العالم العربي، عبر بعدين: تأثيره على الرأي العام الكاثوليكي في العالم، وعلى هيمنة اللوبيهات اليهودية على تلك المجتمعات، وتأثيره على المكون المسيحي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

والسؤال المركزي هنا: قد لا تشكل أعمال التجاوزات الجنسية من قبل بعض رجال الدين إلا نسبة نادرة، حالها حال أية نسبة جرمية بين الناس. ولكنها في كل الأحوال جريمة، لأن توصيف الجريمة لا يتعلق بأي حال بعدد مرتكبيها، ولكن ما هو ثابت أن هذه الأعمال ليست أمرا جديدا. وإذا كان الحديث يدور عن فعل حصل في السبعينيات – لأن السبعينيات هي فترة ولاية البابا الحالي كأسقف في أميركا – فإن هذه الجرائم كانت موجودة بالتاكيد قبل السبعينيات. والسؤال إذن لماذا لم تقم الضجة إلا منذ سنوات قليلة؟

لا نقول إطلاقا بإمكان السكوت عن مسائل كهذه، ولكن لا بد من مقاربة جادة لما يتم تداوله في أوساط أوروبا الكاثوليكية – السياسية حول هذه الضجة. ولما نعرفه نحن المتابعين بدقة للوضع الاوروبي الذي نعيش ضمنه من تشكل لوبي كاثوليكي معاد للصهيونية داخل جسم المؤسسات الأوروبية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، تليها المؤسسة السياسية ومن ثم مؤسسات المجتمع المدني.

وإذا كانت هيمنة التهويد قد تحققت في أكثر الكنائس البروتستانتية الاميركية باستثناء الكنيسة المشيخية، خاصة بعد نمو تيار المسيحية المتصهينة في اوساط النيوليبراليين الأميركيين هذا، فإن هذا اللوبي الكاثوليكي هو وحده المرشح لموازاة اللوبي الصهيوني. وهو وحده المرشح لتحويل توجه الرأي العام الأوروبي - الكاثوليكي بغالبيته – إزاء قضايا كثيرة وفي مقدمتها قضية فلسطين، تليها قضية التبعية للأمركة. وقد شهدنا في فرنسا (الابنة البكر للكنيسة) ثلاثة تجليات بارزة لهذه المعادلة.

- تشكل لوبي شبه خفي بين أوساط كبار الضباط المتقاعدين، خاصة من سلاح البر. وقد جاءت المواجهة المعلنة بين قائد هذا السلاح ( الشخصية الاكثر احتراما لدى الفرنسيين ) وبين الرئيس ساركوزي، فور انتخاب هذا الاخير شاهدا على ذلك، واستمرت في التأزم إلى أن أدت أحداث كاركاسون إلى استقالة الجنرال، بعد أن اتهم أنصاره أوساط ساركوزي بافتعال تلك الأحداث.

- موقف منظمة المساعدة الكاثوليكية ( سوكور كاثوليك ) خلال "أحداث" غزة الأخيرة، حيث قامت هذه المنظمة بتنظيم حملة واسعة لجمع التبرعات واقامت الفعاليات المنسقة مع القوى المكونة من المهاجرين المسلمين، في مدن فرنسية كثيرة من باريس الى كومبيين (مدينة جان دارك). مما يذكر بموقف الأب لولون، الممثل البابابوي في فرنسا من اجتياح لبنان عام 1982، وإصداره بيانا مشتركا مع صديقه روجيه غارودي لادانة إسرائيل، وتحرك اللوبي الييهودي ورفعه قضية ضد الرجلين بتهمة العداء للسامية. انتهت إلى االحكم بالبراءة. موقف تكرر في تضامن الأب لولون مع غارودي عندما تعرض مرة ثانية للملاحقة القضائية بشكوى يهودية بعد كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية". (1)

- اكتساب المواجهة السياسية بين نيقولا ساركوزي ودومينيك دو فيللوبان، في أحد وجوهها الخفية الكثيرة - ملمح المواجهة بين كتلتين: الكثلكة القومية الكاثوليكية المتجهة نحو البعد المتوسطي وبالتحديد نحو البعد العربي والكتلة المسيحية المتصهينة المرتبطة بالعولمة الاميركية الاطلسية المؤيدة لإسرائيل. وهو موقف تجلى قبل ذلك في قضية العراق وفي الموقف من فلسطين، كما تجلى في مواجهة واضحة بين دوفيللوبان والحركات اليهودية المتطرفة عندما كان وزيرا للداخلية، حيث تصاعدت الاعمال الموصوفة باللاسامية، وفي كل مرة كانت تثار حولها ضجة مقرقعة، لتكشف وزارة الدالخلية بعد أيام انها من تدبير اليهود أنفسهم، وتخرج المجرمين ليعترفوا ويعتذروا من على شاشات التلفزيون.

لكل هذا، ولأسباب كثيرة أخرى، لا يتسع لها المجال هنا، تعزز هدف تشويه الكنيسة الكاثوليكية، ونقول تعزز لأنه هدف محدد منذ القرن السادس عشر، عبر خطين: محاولة الهيمنة على الكنيسة من داخل عبر اختراقها وتهويدها، ومحاولة تكسيرها من خارج بحيث تضعف أكثر أمام المهودين وذالك لضمان ألا تكون قيامة في يوم فصح، وأن يحقق اليهود ما لم يحققوه باضطهاد المسيح الناصري، في استعصاء يبدو أنه أورثه لأحفاده في فلسطين.

(1): الكتاب ترجمته الكاتبة إلى العربية

التعليقات