31/10/2010 - 11:02

جورج حبش زيتونة فلسطين الخالدة../ سليمان أبو ارشيد

جورج حبش زيتونة فلسطين الخالدة../ سليمان أبو ارشيد
كزيتون فلسطين أصوله تضرب عميقاً في التربة العربية وفروعه دائمة التجدد والخضرة، هذا هو جورج حبش الثائر العربي إبن مدينة اللد الذي أخرج فلسطين من رحم القضية القومية وثبت وجهها وملامح هويتها الوطنية، ووضع قضية شعبها على بساط المجتمع الدولي. لقد خاطب العالم باللغة التي يفهمها ليقضي هو ورفاقه وإخوانه ممن اشتقوا هذا الطريق الصعب ورفعوا راية الكفاح المسلح، يقضوا إلى غير رجعة على مقولة غولدا مئير وغيرها حول وجود أو عدم وجود الشعب الفلسطيني ويحولوا قضيته من قضية لاجئين يحظون في أحسن الأحوال بعطف العالم وصدقاته إلى قضية شعب له حق تقرير المصير و وحق إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.

لقد تمثل جيلنا نحن الكهول اليوم والشباب في حينه صورة هذا الثائر العربي الفلسطيني، حكيم الأطفال الذي عالج أطفال المخيمات الفلسطينية في الأردن من أمراض سوء التغذية وفقر الدم، ليلمس عملياً ما كان قد وصل إليه فكره خلال دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت إن الداء يكمن في الإستعمار وفي الحركة الكولونيالية وليدته وفي الرجعيات العربية المتواطئة معه فتحول من حكيم أطفال إلى حكيم ثورة أطلقها هو ورفاقه وإخوانه من الفصائل الأخرى وغذاها بفكره وروجه وعمله تاركاً بصماته في كل محطة من محطاتها وعلى كل فاصلة من فواصل برامجها السياسية.

جمع بين الفكر والبندقية فكان له الدور الأساس في إرساء الفكر والثقافة السياسية الفلسطينية مستنيراً بالنظرية والمنهج الثوري التقدمي في مكافحة الإستعمار والإقتلاع، وفي ذات الوقت إسقاط الشوائب التي علقت ببعض الأطراف العربية والفلسطينية والدمغات التي استثمرها أعداء هذا الشعب وهذه الأمة لتلطيخ صفحات نضالها المجيد من خلال إيجاد الحلول التقدمية للمسألة اليهودية في فلسطين بإقامة الدولة العلمانية الديمقراطية التي أسقطت إلى غير رجعة اتهامات ذبح اليهود وإلقائهم في البحر والتي استثمرت عالمياً لتلطيخ وجه النضال الفلسطيني والعربي، وكان له وللجبهة الشعبية الدور الأساس في تثبيت الوجه التقدمي الإنساني للنضال الوطني الفلسطيني ولحركة التحرر الفلسطينية.

ومثلما خرج بفلسطين من رحم القومية العربية وأثبت انه القومي، وطني أكثر من الوطنيين تمكن أيضاً من إخراج الفكر القومي من قوقعته واستيعاب الفكر الثوري العالمي كاسراً ما اعتبر في حينه مسلمات نظرية لدى بعض اليساريين الذين ادعوا استحالة تحول الجبهة الشعبية إلى تنظيم ماركسي ثوري تمسك بالبعد الوطني والبعد القومي والبعد الأممي وتجمع بين الفكر الثوري والممارسة الثورية، فأحرج اليساريين الذين أسقطوا خيار الكفاح المسلح وأسقط تبريراتهم النظرية وأحرج مدعي اليسار الذين تحدثوا عن استحالة التحول بعد أن احتل تنظيمه صدارة اليسار الفلسطيني والعربي.

لم يكن أمام القاعدون عن الكفاح الثوري هنا وهناك، إلا توجيه سهامهم لجورج حبش وتنظيمه وامتداداته الفكرية فأطلقوا باتجاهه ما في جعبتهم من سهام فاسدة واتهامات باطلة فنعتوه بالقومجي والمغامر والمتطرف ووصفوا بعض عمليات الجبهة بالإرهاب، حقدوا عليه لأنه دخل ملعبهم، أو هكذا اعتقدوا، وكشف عيوبهم وعلات تنظيماتهم وتحريفهم للفكر الثوري، بالمقابل فإن بعض الأحزاب الشيوعية العربية أفادت من تجربته وفكره وعدلت مساراتها وتحالفت مع الجبهة الشعبية مثل الحزب الشيوعي اللبناني.

الحكيم جمع بين الوطني والقومي والأممي جمعاً صحيحاً وأثبت للجميع وبالملموس أن لا تناقض بين الأبعاد الثلاثة فكان أممياً بامتياز ووطنياً بامتياز وقومياً بامتياز.. وهو يصح فلسطينياً أن يوضع إلى جانب عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني، وقومياً إلى جانب عمر المختار وعبد الناصر، عالمياً إلى جانب جيفارا وهوتشي منه وكل الثوريين في العالم، وإن كان انقطع عن الفعل النضالي بعد تنحيه عن قيادة الجبهة الشعبية عام 2000 طوعاً، ولم يترجم أفكاره في التعاطي مع التيار الإسلامي الصاعد فلسطينياً وعربياً إلا أن المقابلات الأخيرة التي أجريت معه أوضحت بما لا يقبل التأويل استيعابه للإسلام كحضارة وموروث ثقافي ضخم يجب أن نعتز به دون أن يناقض ذلك قوميته ووطنيته وأمميته على حد تعبيره.

ربما ترك غياب الحكيم أثره على فكر الجبهة وفعلها وتعاطيها مع الأزمات الفلسطينية في حياته ــ أي بعد تنحيه ــ عن دفة القيادة، وعلى كل حال كان يتوجب على رفاقه وأنصاره الإستفادة من التحولات التي نجح الأخير في استيعابها ووضع الجبهة والشعب على السكة الصحيحة، أقصد رحلة التحول من تنظيم قومي إلى تنظيم وطني في أعقاب الهزيمة القومية عام 67 ومرحلة التحول من الفكر القومي إلى الفكر الماركسي وهي محطات تجاوزها بنجاح كبير وعرف خلالها الإمساك بالحلقة الصحيحة، ناهيك عن إرسائه لمبدأ التحالف والنقد داخل م . ت . ف والتي وصلت في محطات مفصلية إلى صراع على الحفاظ على ثوابت م . ت . ف، وأقصد مرحلة تشكيل جبهة الرفض ومرحلة تشكيل جبهة الإنقاذ ومرحلة أوسلو الأخيرة.

وإذا كان البعض يحاول أن يسوق اليوم إن الحكيم كان حريصاً على م . ت . ف أكثر من حرصه على الثوابت الفلسطينية لتبرير مواصلة استخدام م . ت. ف كغطاء للمفاوضات غير المجدية مع إسرائيل والحرب غير المبررة على حماس وفصائل المقاومة الأخرى فإن تاريخ الرجل يشهد أن التزامه بــ م . ت. ف ارتبط بمدى التزام الأخيرة وقيادتها بالبرامج الوطنية وحرصها على الثوابت الوطنية الفلسطينية.

كان حبش في حياته الحارس الأمين للحلم الفلسطيني الذي يطاول فلسطين بكامل قامتها وسيبقى كذلك وهو يسلم الراية للأجيال القادمة..

التعليقات