31/10/2010 - 11:02

حرب غزة في فصلها الأخير../ غالب قنديل*

حرب غزة في فصلها الأخير../ غالب قنديل*
تبدو إسرائيل عالقة في عنق الزجاجة بسبب التوازنات الناشئة عن الحرب في غزة ودرجة الخوف من التفاعلات القادمة على الصعيد الفلسطيني وعلى صعيد المنطقة بعد تورط الدول العربية السائرة في ركب السياسة الأميركية بتحضير وتغطية حرب الإبادة.

تبدو الحرب الإسرائيلية اليوم بعد 17 يوما على إشعالها في نفق مأزق الخروج، بعدما تبين أن تحقيق الأهداف المعلنة مستحيل، وتأكد أن كلفة التمادي ستكون كبيرة جدا. ويبدو أن ضراوة المقاومة في غزة وقدراتها قد تقود إلى رضوخ إسرائيلي مكشوف لشروط التهدئة، أو أنها تتدحرج بسبب العناد السياسي في زمن الانتخابات إلى دفع الجيش الغارق بالدماء نحو هاوية المأزق الكبير الذي يفتح علبة المفاجآت في المنطقة.

هكذا يبدو سياسيا معنى التهديد الإسرائيلي بمواصلة ما يسمى المرحلة الثالثة من العمليات العسكرية البرية في قطاع غزة أي الشروع في اقتحام المناطق السكانية الكثيفة، ويؤخذ في دوائر التحليل الإسرائيلية ضمن احتمالين كبيرين :
الاحتمال الأول وهو اعتماد هذا التهويل والإيحاء بجديته من خلال التحرك الميداني للقوات المشاركة في الحرب واستدعاء قوى الاحتياط على أوسع نطاق دون الشروع فعليا بحشدها، وذلك بهدف خلق مناخ ضاغط على المفاوضات الجارية في القاهرة لخدمة الهدف الفعلي الذي استنتج القادة الإسرائيليون أنه ما ينبغي التركيز عليه حتى لا تصيبهم خيبة قاتلة سياسيا من اعتماد شعارات الأيام الأولى للحرب والتي بدا بوضوح مقدار استحالة التقدم نحوها. فالهدف السياسي لحرب الإبادة في غزة كما يبدو اليوم محصور ومحدد بنقطة واحدة : مراقبة تهريب السلاح لفصائل المقاومة عبر الحدود المصرية من خلال آلية تضمن الحد الأقصى الممكن من الفاعلية والمعلومات.

الاحتمال الثاني وهو التحرك فعليا في الأيام الفاصلة عن تسلم الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما صلاحياته لتنفيذ أكبر قدر ممكن من المجازر ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، واختبار الفرص الجدية لاقتحام بعض التجمعات السكانية مع تجريب أسلحة جديدة أميركية وإسرائيلية باغتنام فرصة ليس من السهل تكرارها، مع ظهور ميل عند قادة الجيش للتوسع في العمليات على الأرض خلال الأيام القليلة القادمة ما لم ينجز اتفاق جديد على التهدئة يمكن اعتباره إنجازا إسرائيليا ولو في الشكل. ويصعب التنبؤ بالتداعيات الميدانية والسياسية لمثل هذا الخيار الذي ينطوي على كمية كبيرة من المجازر وهو بالتالي قد يقود لمفاجآت وتحولات في مسار الأحداث إقليميا وأبعد من الدائرة الفلسطينية المباشرة.

التراجعات الإسرائيلية عن السقوف العالية تتوالى سياسيا ويحكم معادلة غزة غياب الشريك الفلسطيني الذي يمكن الوثوق به في ضوء الحالة المزرية معنويا وعمليا لمحمود عباس وفريقه السياسي والأمني، وبالتالي استحالة الاستعانة به داخل القطاع أو إرجاعه إليه تحت ضغط الحرب والمذابح كما تبين في مفاوضات اليومين الأخيرين.
البحث عن مخرج هو عنوان الجدل الإسرائيلي الفعلي وليس أي مخرج قابلا للتبرير لمجموعة اعتبارات حاسمة :

1- كيف يمكن القول أن الحرب أضعفت حماس والمقاومة شعبيا إذا كان الشارع الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والشتات يظهر المزيد من الالتفاف حولها في ظل عزلة وتقهقر شركاء إسرائيل من الفلسطينيين؟

2- كيف يمكن إقناع الجمهور الإسرائيلي بأن الحرب أبعدت خطر الصواريخ عن مستعمرات جنوب فلسطين المحتلة إذا كانت تواصل انهمارها بإيقاع منتظم حتى آخر لحظة تسبق التوصل لاتفاق تهدئة تشترط المقاومة أن يكون مؤقتا لستة أشهر وتحتفظ فيه بحق الردع؟

3- كيف سيكون ممكنا الحديث عن انتصار إسرائيل إذا كانت الحصيلة الفعلية للحرب هي تنظيم للمعابر بالاشتراك مع حركة حماس وبالتفاهم معها ومن خلال رفع الحصار نهائيا وبينما كانت حكومة تل أبيب قالت أنها لن تقبل بأي دور لحماس في ترتيبات ما بعد الحرب؟

4- في الحصيلة السياسية تخرج إسرائيل من الحرب ملطخة بعار المذابح وبصور الأطفال المقتولين عمدا في غزة وبالبيوت المدمرة على رؤوس أصحابها وبالاقتصاد الذي خربته الحرب، ولكن حكومة إسماعيل هنية هي الجهة التي ستكون مسؤولة عن الإعمار، وبالتالي هي الجهة التي سوف يرتبط بها من جديد وربما على نحو أقوى من السابق جميع سكان القطاع بدون استثناء وستكون أمام فرصة تقديم نموذجها النقي في الإدارة بعيدا عن فساد أجهزة السلطة الذي طالما شكا منه الفلسطينيون والاتحاد الأوروبي أيضا فمن سيكون الرابح في كل ذلك؟

5- الحركة التضامنية في المنطقة والعالم تمثل عنصر إسناد رئيسي للمقاومة الفلسطينية بقدر ما هي عنصر قلق وضعف سياسي لإسرائيل، وبالتالي فالرصيد الشعبي والسياسي عبر العالم وفي المنطقة بدد ما وصفته القيادة الإسرائيلية بنجاحها في حملة العلاقات العامة التي قامت بها وزيرة الخارجية قبل انطلاق العمليات العسكرية وذكرت يومها التقارير الصحافية أن إنجازا كبيرا تحقق بتقديم الحرب على أنها ضد حماس وليست ضد غزة أو الفلسطينيين عموما وكانت صور الأطفال المقتولين بدم بارد كفيلة بالإجابة.

6- سيبقى للقيادة الإسرائيلية فرضية إنجاز سوف تركز عليه وهي الزعم بأن الحرب أظهرت استعادة فعالية الرد الإسرائيلي بتظهير الكلفة المترتبة على خيار المقاومة، وهذا ما يتحضر بعض خبراء الدعاية الإسرائيلية لترويجه وتعميمه على غرار ما فعلوا بالتعاون مع الأميركيين وبعض المجموعات السعودية والمصرية عندما أبرزوا حجم خسائر الحرب وكلفتها على لبنان عام 2006.

أمام هذه العقبات الكبيرة تواجه إسرائيل مأزق الخروج من الحرب الفاشلة الجديدة التي شنتها ويعترف قادتها العسكريون في الغرف المغلقة وفقا للتقارير الصحافية بأن المقاومة اعتمدت خطة دفاعية مفاجئة في محتواها، وخرجت عن التوقع سواء في احتواء الضربة الأولى أم في الفصول اللاحقة للحرب حيث تبين أن رهانات المخابرات الإسرائيلية على إمكانية تأليب أهالي القطاع ضد المقاومة سقطت، وسقطت أيضا أكاذيب ومزاعم الأجهزة الإسرائيلية عن خلافات في صفوف قيادة المقاومة وهو ما سقط من جديد يوم أمس في القاهرة عندما استقدم وفد من غزة بدا أكثر تشددا في الشكل والمضمون من قيادة المقاومة في الخارج.

العبرة الحاسمة هي امتلاك المقاومة لبنية مجهزة ومدربة وخبيرة تواصل إطلاق الصواريخ ضد العمق الصهيوني وتدير المعارك بكل ثبات ضد قوات الغزو على الأرض ورصيد خسائر الجيش يتصاعد، بينما مرونة منظومة القيادة الفلسطينية في غزة تمنع تسديد ضربات إسرائيلية يمكن وصفها بالإنجاز القتالي الذي يتركز حتى الآن بحصاد المجازر ضد المدنيين. وإذا كان خيار الهروب إلى الأمام بحمام دم كبير قائما فعليا في هستيريا الحلقة المفرغة التي تطبق على خيارات القيادة الإسرائيلية فإن الأرجح هو أن يسعى الإسرائيليون لاستغلال آخر لحظة من المهلة الأميركية بالمزيد من المجازر والضغط العسكري على أمل التأثير في المعادلة التفاوضية التي تمسكها قيادة المقاومة بثبات وقوة.

الأكيد أن الفصل الأخير من هذه الحرب الفاشلة بات محكوما بعاملين: الوقت الضيق والهامش الضيق واستعصاء النجاح في تحقيق هدف واقعي قابل للاستعراض السياسي أمام جمهور الناخبين.
"شام برس"

التعليقات