31/10/2010 - 11:02

حرق الحريات العامة../ مصطفى إبراهيم*

حرق الحريات العامة../ مصطفى إبراهيم*
تشير الوقائع أن حرق أحد المخيمات الصيفية قيد الإنشاء تابعة لـ"وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم" (أونروا) في قطاع غزة، من قبل مسلحين مجهولين، لم يأت من فراغ، بل جاء جراء تحريض مستمر ضد "ألعاب الصيف" التي تنظمها "أونروا"، من قبل فئات عديدة سواء من بعض الجهات الدينية المتشددة، أو من جهات سياسية محسوبة على حركة حماس، وبعض المشايخ وخطباء المساجد وبعض الكتاب والمعلمين والمعلمات على خلفية بدء التسجيل لمخيمات "ألعاب الصيف" لهذا العام.

وما تلا ذلك من اعتداء على الحريات العامة في اليوم التالي من قيام جهاز الأمن الداخلي في حكومة حماس بمنع الهيئة المستقلة لحقوق الانسان وهي هيئة وطنية من تنفيذ ورشة العمل التي كان مقررا عقدها حول الحقوق والحريات العامة في فندق جراند بالاس بمدينة غزة، وقيام الشرطة بمنع الاعتصام التضامني مع " أونروا" التي دعت إليه شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية ومنظمات حقوق الانسان، حيث بدا التخبط والارتباك واضحاً على أفراد الشرطة الذين منعوا المتضامنين من الاعتصام داخل المخيم المحروق.

الاعتداء على الحريات العامة والخاصة في قطاع غزة لم يتوقف، وهو لم يستهدف حرق أحد المخيمات الصيفية بل طاول منع المؤسسات الوطنية والأهلية من تنفيذ نشاطاتها، ومنع المواطنين من حقهم في التجمع السلمي وحقهم في التظاهر والاعتصام من دون أي مسوغ قانوني.

حرق المخيم الصيفي جاء ثمرة من تهيئة الأجواء والتحريض خلال الأعوام الثلاثة الماضية والأيام التي سبقت الحرق حيث شنت أطراف مختلفة من حماس حملة كبيرة توجت بتوزيع مجهولين منشورا في عدد من مساجد القطاع الجمعة الماضية هددوا فيه باتخاذ إجراءات قاسية ضد "أونروا"، ووصفوها بأنها جسم يخدم المصالح الاستعمارية، وتهجموا على مدير عملياتها جون غينغ بقسوة غير مسبوقة.

تهيئة الأجواء تسبب ليس في حرق مخيم صيفي فقط، بل عجل في حرق الحريات العامة والتعدي عليها، لكن ما جرى من حرق للمخيم الصيفي والاعتداء على الحريات العامة وحرقها، لم يمر بسهولة فقد نددت به غالبية الأحزاب السياسية الوطنية والإسلامية ومنظمات المجتمع المدني، في مقدمتها مؤسسات حقوق الانسان، ما يطمئن ويدل على أن الشعب الفلسطيني شعب حي وحر انتصر لنفسه وقيمه ومبادئه في دفاعه عن الحقوق والحريات العامة والشخصية التي عمدها بالدم، ولم تمنحها إياها حكومة أو حركة سياسية وطنية او إسلامية متشددة او وسطية.

حكومة حماس على إثر الحادث كعادتها أدانته وأعلنت أنها "ستلاحق الفاعلين" بحرق وتخريب أكبر مخيم صيفي في قطاع غزة، واستغربت في الوقت ذاته من قيام إعلام "أونروا" بتضخيم الحدث بشكل كبير، وقالت إن هذا أمر غير منطقي وغير مهني.

فالحكومة ليس مطلوبا منها الإدانة بل ملاحقة المجرمين والفاعلين، وعدم التساهل معهم كما تم ويتم التساهل في كثير من القضايا والجرائم والاعتداء على الحريات العامة والخاصة، حرق المخيم الصيفي تم من قبل مجموعة مسلحة عملت بهدوء وحرية، وسواء كان العدد عشرة أو أربعين فالجريمة والاعتداء على سيادة القانون تم في وقت تتغنى فيه حركة حماس وحكومتها بالأمن والأمان، وبدأت ظاهرة الانفلات الأمني والتعدي على سيادة القانون في الازدياد، واستهداف خصوم سياسيين وفئات عديدة من المجتمع الفلسطيني.

حكومة حماس لم تلق القبض حتى الآن على الفاعلين، في الوقت التي لاحقت وتلاحق من الخصوم السياسيين ومن اتهموا بارتكاب جرائم سياسية، كما يتم مع أعضاء حركة فتح، وتلقي القبض على أي شخص خلال نصف ساعة تدور حوله الشبهة بالاتصال برام الله وتقدمه للقضاء.

أو كما تم من اعتقال نحو 15 مواطنا من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في خمس دقائق على خلفية توزيع بيان إنتقدت فيه فرض الضرائب والاعتداء على الحريات العامة، في حين قيام مجموعة تطلق على نفسها أحرار الوطن تقوم بتوزيع بيان يهدد ويحرض ضد المخيمات الصيفية و المسؤولين في "أنروا" لم يتم اعتقال أي منهم حتى الآن.

الحكومة مطلوب منها الضرب بيد من حديد على مرتكبي الاعتداءات على الحريات العامة، وعدم التساهل معهم كما جرى في حوادث كثيرة حيث تم إطلاق سراح بعض من منفذي تلك الاعتداءات، ولم تجر لهم محاكمات علنية، ولم تتم محاسبتهم بشفافية والإعلان عن الخطوات والإجراءات التي تمت بحقهم.

التحريض على وجود الاختلاط في المخيمات الصيفية كذب وكلام مردود على أصحابه، وعلى من يحرض على المخيمات الصيفية أن يقوم بمنع البنات من التعليم والذهاب الى المدارس وعدم الظهور في الشوارع!! و"أونروا" في استجابة منها للتحريض والضغط أقامت مخيمات صيفية فصلت فيها بين الذكور والإناث، والحركة وحكومتها بعد وقوع الحدث أو الجريمة تنسب الموضوع الى مجانين أو متطرفين.

حرق المخيمات الصيفية والتحريض ضدها يأتي في سياق حرق الحريات العامة، وما يشكل ذلك من خطر على حركة حماس وحكومتها نفسها من خلال والتساهل مع مرتكبي الاعتداءات، وطريقتها في التعامل مع تلك المجموعات، فالتساهل مع المتطرفين والتساهل في تطبيق القانون، وعدم قبول الآخر واحترام حقه في التمتع بحقوقه من دون إرهاب أو خوف، وعدم تعزيز مبدأ المساءلة والمحاسبة واحترام الآخرين وسيادة القانون سيزيد من مشكلات حماس وتعزز العنف والتشدد والتطرف في المجتمع الفلسطيني.

التعليقات