31/10/2010 - 11:02

حصاد عام فلسطيني منصرم../ راسم عبيدات

حصاد عام فلسطيني منصرم../ راسم عبيدات
غزة حصار متواصل، وإعمار مؤجل يستعاض عنه للمشردين والمهدومة بيوتهم بفعل العدوان الإسرائيلي، ببيوت من الطين المقوى، في خطوة يستشف منها تواطؤ وكالة الغوث مع الرباعية في إطالة أمد الحصار على شعبنا هناك ،وغزة لا تعود فقط للعصر الطيني، بل مرجح عودتها إلى المشاعية البدائية في ظل جدار أو سور فولاذي يقام بعمق 30 متراً على حدود القطاع من الجهة المصرية، بحجج وذرائع حماية حدود مصر وأمنها.

وحدود مصر وأمنها وأمن كل العرب، بل المنطقة بكاملها لا يهددها الفلسطينيون، بل مصر وكل العالم العربي يعرفون جيداً من يهدد أمنهم وينهب خيراتهم وثرواتهم ويزرع الموت والدمار في بلدانهم، في حين أن غزة المثخنة بالجراح وشعبها يجترحون المعجزات من أجل استمرار البقاء والصمود والمقاومة، ويعلنون أنهم لن يستسلموا ولن يرفعوا الراية البيضاء لا بفعل العدوان ولا الحصار ولا الجدار، فالصمود والمقاومة كانتا دائماً قاطرة الشعوب، وفي كل مراحل التاريخ نحو الحرية والاستقلال.

القدس مهد الديانات السماوية، قلب فلسطين النابض ومسرى الرسول(صلعم) وقبلة المسلمين الأولى، منذ احتلالها وضمها عام 1967 لم تشهد هجمة إحتلالية إحلالية إقصائية بهذه الشراسة والضخامة والشمولية. هجمة تطال وتستهدف بشرها و شجرها وحجرها، وكل بقعة فيها، فالاحتلال لا يوفر لا زقاق ولا حارة ولا شارع ولا حي ولا بلدة فيها، بل استيطان في قلب أحيائها العربية، وأحزمة وأطواق استيطانية في الأطراف وفي الداخل وفي القلب منها، ونهب للأرض واستيلاء على المنازل. وهدم البيوت لم يعد فردياً، بل خطا خطوات كبيرة، نحو الطرد والترحيل القسري والهدم الجماعي لأحياء بأكملها، كما هو حال حي البستان في سلوان فأكثر من 88 منزلاً فلسطينياً يسكنها أكثر من 1500 مهددة بالهدم، وأوامر بالهدم بحجة البناء غير المرخص غير مسبوقة، أكثر من 1054 أمر هدم، وهدم فعلي لـ103 وحدات سكنية منها 33 هدما ذاتيا، وتشريد لـ581 فلسطينياً هم مجموع ساكنيها، وسحب لهويات أكثر من 4577 فلسطينياً مقدسيا، وبما يعادل 21 ضعفاً للمعدل السنوي لسحب هويات المقدسيين على مدار أربعين عاماً، والإغلاق يطال الكثير من المؤسسات المقدسية، بما فيها من تقدم خدمات إنسانية أو أنشطة اجتماعية، ولم يعد مسموحاً للفلسطيني أن يقيم أي نشاط في القدس حتى المخيمات الصيفية للأطفال أو الإفطارات الجماعية في رمضان وحتى بيوت العزاء، والأقصى يقترب الخطر منه بشكل غير مسبوق فالحفريات من حوله ومن تحته، وقطعان المستوطنين تواصل اقتحاماتها له بشكل شبه يومي، لكي تعربد وتقيم طقوسها التلمودية والتوراتية في ساحاته، وحتى حفلات المجون والفسق، تمهيداً لفرض أمر واقع فيه أقله تقسيمه كما هو حال الحرم الإبراهيمي في الخليل، أو هدمه من أجل إقامة هيكلهم المزعوم مكانه.

باختصار القدس تفقد طابعها العروبي، والعرب والمسلمون يواصلون "الجعجعات والهوبرات" الإعلامية والخطب الرنانة والشعارات الطنانة. وينتشر في البلدة القديمة من القدس أكثر من سبعين بؤرة استيطانية، وأكثر من 1300 عقار فيها استولى عليها المستوطنون هم وجمعياتهم المتطرفة، والحبل على الجرار.

أما في الضفة الغربية، فقطعان المستوطنين تستبيح الأرض الفلسطينية غير آبهة بتقسيماتها مناطق ألف أو باء أو جيم أو خطط الجنرال "دايتون"، فكلها عند المستوطنين سيان"أرض إسرائيل"، حيث نشهد حالة من الانفلات لهؤلاء المستوطنين غير مسبوقة، يقتحمون القرى الفلسطينية من أقصى جنوب الضفة إلى أقصى شمالها، يقتلون ويجرحون ويدمرون الممتلكات ويقتلعون الأشجار ويحرقون ويسرقون المحاصيل، بل ويقتلون أبناء شعبا بدم بارد كما حصل في الخليل وقرى نابلس، وجرائمهم هذه مغفورة بل ويباركها حاخاماتهم وجنرالاتهم وقياداتهم، ويصدرون الفتاوي التي تدعو لقتل الفلسطينيين وطردهم، ونحن كفلسطينيين نتلهى ونقتتل على سلطة وهمية، أصبح هم القائمين عليها المحافظة عليها كمشروع استثماري، وكذلك توفير الأمن ليس لأبناء شعبنا، بل للاحتلال ومستوطنيه، فهذه السلطة لم تحل دون اقتحام قوات الاحتلال لمدينة نابلس قبل أسبوع، ولتعدم بدم بارد ثلاثة من خيرة أبنائها، تحت حجج وذرائع قتل مستوطن صهيوني. وأجهزة أمن الاحتلال تكيل المديح للسلطة وأجهزتها، على مواقفها الصارمة والجهود التي بذلتها لملاحقة المقاومين بعد عملية قتل المستوطن في طولكرم. وهم يريدون لهذه السلطة أن تتصادم مع أبناء شعبها لا حمايته وتوفير الأمن والأمان له من عربداتهم وزعرناتهم جيش ومستوطنين وحكومة.. الخ.

أما شعبنا في الداخل الفلسطيني فيواجه هجمة أشرس وأخطر، وينظر إليه على أنه سرطان في قلب دولة الاحتلال، لا بد من طرده وتهجيره واقتلاعه بالطرق المشروعة وغير المشروعة، ومنع تبلور هويته القومية والثقافية. فنحن نشهد الكثير من القرارات العنصرية المستهدفة وجوده وأرضه وتاريخه وهويته وثقافته وتراثه وذاكراته، حيث قوانين منع إحياء النكبة، وربط المواطنة بالولاء لدولة إسرائيل ورموزها، وسياسة تكميم الأفواه المغلفة بما يسمى بمنع التحريض، والتدخل في المناهج التعليمية العربية، وفرض مواضيع يهودية على تلك المناهج، تمجد دولة إسرائيل ورموزها، وتستعيض عن النكبة بالاستقلال والاحتلال بالتحرير. وتمجد التراث والهوية والتاريخ اليهودي وغيرها.

وأيضاً هناك معارك شرسة يخوضها شعبنا هناك دفاعاً عن أرضه ووجوده، حيث المشاريع الاستيطانية والتي تطال قلب القرى والمدن العربية، والتهويد الكامل للمدن المختلطة، من خلال طرد العرب منها ومنعهم من إقامة أبنية جديدة أو حتى ترميم الأبنية القائمة، وغيرها الكثير من إجراءات العنصرة والتهويد والطرد والاقتلاع.

أما شعبنا في أرض ومخيمات اللجوء والشتات، فرغم أنه ما زال مسكوناً بهاجس العودة، فهو يمارس بحقه الكثير من الظلم، بل وحتى الجرائم والمجازر. ففي العراق قتل الكثير من أبناء شعبنا، وطردوا وهجروا من بيوتهم لمجرد أنهم فلسطينيون، وهم يعيشون في ظروف غاية في المأساوية وانعدام الأمن، أما في لبنان فعدا أنهم محرمون من الكثير من الحقوق المدنية، فأهلنا وشعبنا في مخيم نهر البارد، من بعد ما تحصن فيه وهروب جنود عصابة ما يسمى بفتح الإسلام إليه، وتدمير الجيش اللبناني له، لم يعد له أبناء شعبنا وعمليات الأعمار لم تبدأ بعد ،رغم سماعنا عن بدء دوران العجلة هناك نحو الأعمار.

هذا حصاد عام فلسطيني، يضاف إليه وضع فلسطيني في أسوأ مراحله ومحطاته، حيث الانقسام والانفصال يتجهان نحو التعمق والتكريس، والوضع الداخلي الفلسطيني يزداد ضعفاً وتآكلاً، واٌحتلال يفرض الوقائع على الأرض، ونحن تغيب عنا المصالحة والوحدة والإستراتيجية الموحدة، ونجهد أنفسنا وحناجرنا في الاقتتال على سلطة وهمية، ليس لها أي مظهر من مظاهر السيادة الفعلية، فالجميع، من الوزير وحتى الغفير، يحتاج الأذن والتصريح الإسرائيلي في الدخول والخروج والحركة والتنقل وغيرها.

فهل نعيد حساباتنا ونجري عملية تقيم ومراجعة شاملة، تطال كل سياساتنا وبرامجنا ومواقفنا وآليات عملنا، حتى نخرج بحصاد أفضل في العام القادم، أم نستمر في السير نحو الهاوية وضياع الحقوق وتبديد المنجزات، وتدمير المشروع الوطني، كما فعل نيرون في روما؟

التعليقات