31/10/2010 - 11:02

حصيلة عراقية لسنوات الغزو../ فيصل جلول

حصيلة عراقية لسنوات الغزو../ فيصل جلول
لا بد من حصيلة أولية للغزو الأمريكي للعراق مع رحيل القسم الأعظم للقوات المسلحة الأمريكية من هذا البلد.

والحصيلة تبدأ بإلقاء الضوء على الادعاءات والمزاعم التي روجت للاحتلال ومن بينها الحديث عن أسلحة الدمار الشامل، وقد سقطت هذه الحجة في غرة الاحتلال. والحديث عن امتناع العراق عن تطبيق قرارات الأمم المتحدة بالتفتيش عن تلك الأسلحة، وقد قامت الحرب أثناء عمل لجان التفتيش في هذا البلد. والحديث عن ارتباط النظام العراقي السابق بمنظمة “القاعدة” ومنظمات إرهابية أخرى “تشكل خطراً على السلام العالمي”، وقد سقطت هذه الحجة قبل سقوط بغداد. والحديث عن تهديد النظام العراقي للاستقرار الإقليمي والدولي، وقد سقطت هذه الحجة أثناء الغزو، حيث لم تنفذ أعمال عراقية انتقامية ضد الدول التي ساندت الغزو، وانحصرت أعمال المقاومة داخل العراق وضد القوات الغازية حصراً. وقيل إن الغزو يتناسب مع القانون الدولي وإنه شرعي بدليل اشتراك 48 دولة في القوات التي اجتاحت العراق، وقد سقطت هذه الحجة عبر رفض مجلس الأمن السماح بالغزو، وعبر تصريح الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان الذي قال إن الغزو غير شرعي وغير قانوني. وقيل إن الغزو يهدف إلى نشر الأفكار الديمقراطية في الشرق الأوسط، والصحيح أن انتشار هذه الأفكار قد تراجع إلى حد كبير منذ سقوط بغداد.

لم تغر هذه الحجج الزائفة في حينه الرأي العام العربي وشطراً واسعاً من الرأي العام الدولي، لذا لم يتسبب سقوطها بذهول عندنا وعند غيرنا، علماً أن الرئيس السابق جورج بوش لم يترك فرصاً كثيرة للشك في صلاحية هذه الحجج، إذ صرح بوقاحة ما بعدها وقاحة في 2 أغسطس/آب عام 2004 بقوله “ . . . . حتى لو كنت أعرف ما أعرفه الآن عن خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل فإنني كنت سأدخل إلى العراق” . ولعل هذا التصريح يقفل صفحة مبررات الغزو ويمهر أكاذيب الغازي بخاتم رسمي من أعلى سلطة في الولايات المتحدة.

بيد أن الغازي الأمريكي الذي فشل في تسويق حجج أخلاقية وقانونية لغزو بلاد الرافدين، طفق يربط الغزو بحجج داخلية عراقية من بينها خلع “النظام الديكتاتوري” وإقامة نظام ديموقراطي بدلاً منه، وفرض احترام حقوق الإنسان والقضاء على الإرهاب ومكافحة التهديد العراقي لدول الجوار، وإعادة إعمار العراق . .إلخ.

والواضح أن هذه الحجج تهاوت الحجة بعد الأخرى وبإيقاع مشابه لإيقاع الحجج المزيفة قبل وأثناء الغزو. فالنظام الذي أقامه الغزاة على المحاصصة الطائفية يولد أزمات حكم بنيوية، والدليل أن الانتخابات النيابية تطيح فرص تشكيل الحكومة وتجمد الحكم لأشهر طويلة، وتستدرج تدخلات دولية وإقليمية لتوزير هذا أو ذاك، ناهيك عن أنه في ظل الغزو ساد الفساد بدليل أن مليارات الدولارات اختفت في عهدهم من دون رقيب أو حسيب. وفي السياق لم يتمكن الحكام الجدد من توفير الأمن والراحة للمواطنين، إضافة إلى تردي الخدمات الأساسية وانتشار المعازل الطائفية والعرقية في بلد كانت نسبة الاندماج الاجتماعي فيه من أعلى النسب في منطقته، أضف إلى ذلك سقوط مئات الآلاف من العراقيين في ظل الاحتلال بين جرحى وقتلى ومفقودين، فضلاً عن ملايين المهجرين والمهاجرين داخل البلاد وخارجها.

وسط هذا الدمار الشامل يشق على المرء الحديث عن احترام حقوق الإنسان في العراق، فمن المخجل فعلاً الحديث عن احترام حق السكن وحق التنقل وحق الأمن وحق التعليم وحق العمل، وسط الخرائب العراقية، أما حق التعبير فقد صار سقفه قاصراً على حكام العراق “الجدد”، هذا إذا أردنا طي صفحة فضائح معتقل “أبو غريب” وتصريحات وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد عن تكوين وسائل إعلام عراقية على قاعدة الرشوة ومديح الاحتلال وعملائه.

يبقى الحديث عن الإرهاب، وقد صار العراق من أبرز الدول المصدرة له بعد أفغانستان، أما عن تهديد البلد لجيرانه فقد انقلبت الآية وصار العراق مسرحاً لتدخل كل دول الجوار في كل شؤونه، بل في تفاصيل حياته اليومية، وقد تم ذلك بفضل المحتل الأمريكي، وربما عن سابق تصور وتصميم ذلك أن تهديم الدولة والجيش العراقيين بقرار من بول بريمر ما كان يمكن أن يؤدي إلى نتيجة أخرى.

في هذه اللحظات التي نشهد فيها رحيل القسم الأعظم من القوات الأمريكية المحتلة عن بلاد الرافدين، يبدو أن الحصيلة العراقية التي تفرض نفسها لسنوات الاحتلال المستمرة هي أن المحتل نجح في نشر الخراب في بلد عربي كان عامراً وحيوياً ومستقلاً ومرفوع الرأس، وقاعدة مهمة لمقاومة وردع التسلط الأجنبي في الوطن العربي، ولعل هذا الخراب هو ذاك الذي وعد به جيمس بيكر طارق عزيز في ذلك اللقاء الشهير قبيل حرب الخليج الأولى.
"الخليج"

التعليقات