31/10/2010 - 11:02

حفلة الماء والبرايمرز/ ياسر العقبي

حفلة الماء والبرايمرز/ ياسر العقبي

نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا
نقول زماننا عيب علينا، ولو فطن الزمان لنا هجانا

هناك من يتسلق على ظهور العطاشى من عرب النقب. وهناك من يستغل وضعهم ليقيم احتفالات بوصول أول خط ماء إلى قرية وادي المشاش في الجنوب، فيدعو وزير البنى التحتية لرفع رصيده في بنك الأصوات العربية، فيما لا يزال الآلاف من أهالينا في النقب عطاشى لقطرة ماء باردة في هذه الأيام شديدة الحرارة.

لا بد أن يكون الأمر واضحًا للجميع: إنّ وزير البنى التحتية، بنيامين بن اليعزر، الذي يحب أن يكني نفسه «فؤاد» حين يلتقي بالعرب، يضحك على ذقوننا ويريد أن نتبارى فيما بيننا في الانتساب لحزب «العمل». هذا الحزب الذي طردنا من أراضينا وكان ولا يزال المسؤول عن هدم آلاف البيوت في النقب. والمشكلة هي أن الكثير من سماسرة حزب العمل الذين يستقبلون بن اليعزر ويصفقون له حين يفتح ماسورة المياه في قرية عطشى أخرى في النقب، ينسون أشقاءهم في نشوة مصافحة الأيدي والصور الفوتوغرافية والديغيتالية..

إن تحول وصول المياه إلى قرية «غير معترف بها» في النقب، بعد 57 عامًا من إقامة دولة إسرائيل، إلى احتفال كبير هو بمثابة وصمة عار على جبين بن اليعزر، الذي شغل مناصب وزارية كثيرة منذ أكثر من عقدين من الزمن، وعلى جبين حكومته التي صادقت اليوم على مشروع زميله «الحمائمي» اوفير باز-بينس بطرد مائة ألف فلسطيني وتشتيت العائلات العربية من مواطني إسرائيل، ليس لسبب إلا لكونها عائلات ليست يهودية. كان من المتوقع من الخطباء على اختلاف انتماءاتهم أن يعبروا للوزير عن امتعاضهم الشديد من هذه السياسة.. ففي الوقت الذي يقومون فيه بفتح ماسورة ماء صغيرة لوادي المشاش، يواصلون قطع المياه عن قرية «أم الحيران» شمالي حورة - على سبيل المثال - ليجبروا أهلها على الرحيل مرة ثانية في السنوات الخمسين الأخيرة، ويقطعون المياه عن قرية كحلة (أبو ربيعة) مدة عشرة أيام متتالية.. ولو حدث ان قطعوا الماء عن بلدة يهودية، فلا شك ان الدنيا كانت ستقوم ولا تقعد فكيف يكون الحال حين يحبسون المياه عن الأطفال والنساء والشيوخ ليس الا لأنهم يرفضون الرحيل والتنازل عن ارض الآباء..

العتب ليس على السماسرة الصغار، لأنهم يريدون التسلق بأي شكل من الأشكال.. كان الأجدر بمن يعتبرون أنفسهم قادة في هذا المجتمع، أن ينتبهوا جيدًا للسلم الذي يريد أن يصعده بن اليعزر على ظهورهم، خاصة وأنهم يمثلون قطاعًا واسعًا من مجتمع لا تزال سياسة الحكومة - بن اليعزر جزء منها - تصادر أراضيهم وتقلع أشجارهم وتدمر حقولهم وتهدم بيوتهم على رؤوسهم.

لقد حظيت قرية وادي المشاش بماسورة ماء بحجم "نصف انش" لا يوافق عليها حتى ذلك المستوطن الذي يعيش فوق أراضينا في النقب ويفلحها باسم الحفاظ على «أراضي الدولة من الغزاة البدو».. وتم قرع الطبول للوزير وعملنا له «زيطة وزنبليطة» في وقت يتواصل فيه حرمان سكان هذه القرية، التي تقع جنوبي منطقة رمات حوفاف على طريق بئر السبع–عسلوج، ويبلغ عدد سكانها حوالي 700 نسمة، من أبسط الظروف المعيشية. لقد حرمتهم الدولة من أبسط الحقوق الأساسية، ومنها حصولهم على مياه الشرب أو إمكانية ربط القرية بشبكة الكهرباء، كي يتمكنوا من احتساء جرعة ماء باردة في هذا الصيف الحار.. لكن وبفضل أهلها ونضالهم وإصرارهم على البقاء فوق أراضيهم، وصمود الأطر الناشطة ومطالبتها بحقوقهم، فقد انتزعوا ماسورة الماء في الطريق إلى انتزاع الاعتراف.. وبدل ان يدفن "فؤاد" رأسه عميقا في الأرض استحياء وخجلاً من كونه يتحمل جانبا من المسؤولية عن تعطيش سكان هذه القرية ومثلهم عشرات آلاف العرب في النقب، فقد وجد في المناسبة فرصة كي يأتي ويتصور الى جانب الماسورة، فلعل ذلك يحمل اليه عدة أصوات أخرى من أصوات العرب الذين جندوهم الى حزب العمل، ولو بالخداع والتزييف!

كان على المسؤولين والقائمين على القرية عدم الاحتفال مع الوزير الذي يمثل الجهة التي حرمتهم جرعة الماء لعدة عقود، بل مطالبته برفع الظلم والإجحاف عنهم وعن بقية القرى في النقب التي لا تزال عطشة وغير موجودة على خارطة حكومته..

وعلينا أن نسأل: كم صوت كلفتنا حنفية الماء هذه؟ وما هو الثمن الذي سندفعه في المستقبل لقاء لهثنا وراء سماسرة الأصوات؟ وهل نستيقظ أم أن السبات العميق والذاكرة القصيرة ستبقينا دمية يتلاعب بها الباحثون عن الكراسي واللاهثون وراء الأسياد..

التعليقات